رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

موسم المزايدة على الجميع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فتحت حرب غزة جراح النخبة المصرية من جديد، وانقسم الصف ما بين مؤيد للموقف المصري ومبادرته على طول الخط، وما بين لاعن وناقد للمبادرة، والذين جاءوا بها، مكتفياً بهذا السُباب ليرتاح ضميره.
وذهبت استطلاعات الرأي لتتحدث عن تراجع تعاطف الشعب المصري مع القضية الفلسطينية، بل وذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك لدرجة توجيه الاتهام لمصر بالمساعدة في قتل الغزاوية.
الحقيقة هي أن صوت العقل قد غاب تماماً عن وصف الحرب، كما غاب أيضاً عن تقييم المعركة وعن روشتة الإنقاذ، وصار كل واحد في طريقه باحثاً عن ثغرة للمزايدة على الآخر، وما هكذا تدار الحروب مع العدو الصهيوني، العدو الذي يحصد مكاسب على الأرض وفي أصقاع الدنيا بفعل غرورنا وامتلاكنا الحقيقة المطلقة وقيامنا جميعاً بدور الجنرالات ورفضنا جميعاً التواضع والاكتفاء بدور الجندي المقاتل، وهو دور أعز وأشرف من هرطقة النخبة وملاحيس المزايدة الممقوتة.
فإذا قلت إن مخططاً يحاك ضد حدودنا ووجودنا يقول لك الآخر إنك خاضع لنظرية المؤامرة، وإذا قلت إن الدعم المصري يجب أن يكون جامعاً مانعاً للحرب، وإنه لا بد من تطوير الأدوات الدبلوماسية وغيرها لوقف العدوان يقولون لك وما علاقتنا بحرب لم نختر توقيتها، ولا ناقة لنا فيها ولا جمل؟!
نموذجان للمنطق الأعرج، سواء في الطرح أو في الرد عليه، ربما غذى هذه الحالة الموقف السياسي لمنظمة حماس وقد التوت رقبتها نحو قطر وتركيا، وإصرار تلك المنظمة على التناطح مع المؤسسة المصرية انتقاماً من ثورة 30 يونيو، التي أطاحت بأنصارهم الإخوانجية هنا، تلك المنظمة التي بلانا الله بها على حدودنا الشرقية هي المسئولة على قدم المساواة مع إسرائيل عن دماء الأبرياء وأرواحهم التي أزهقت في حرب غير متكافئة.
وإذا كان هذا هو حال الأنظمة الرسمية ، فعلينا الالتفات بشكل جاد لصفوفنا الشعبية وتنقية كل الشوائب التي علقت بثياب القضية الفلسطينية، فما زالت الذاكرة تحتفظ بالانتفاضة المصرية العظيمة تضامناً مع الشعب الفلسطيني قبل عشر سنوات من الآن، ما الذي تغير إذن في الموقف الشعبي المصري في علاقته مع الشعب الفلسطيني؟ لا شك أن التصريحات الحمقاء التي يطلقها أشاوس حماس من فنادق قطر ضد النظام المصري قد أصابت وجدان الشارع المصري، فاختار الأخير الاكتفاء بدور المتفرج، وهنا مكمن الخطر، فالقضية عندما تترهل تفسد ويصعب حلها سواء سلماً أو حرباً.
ولذلك أقول إن القضية الفلسطينية لم ينلها الأذى في أي مرحلة تاريخية مثلما نالها الأذى بعد تصدي الحمساوية للمشهد هناك، فهو التنظيم الوحيد الذي استطاع شق الصف الفلسطيني ما بين فتحاوي وحمساوي، وما بين مسلم ومسيحي، وما بين ابن الضفة وابن غزة، ولو اجتهدت اسرائيل لصناعة تلك الفتنة ما نجحت، ولكنها حدثت بفعل الغباء والاستبداد والاستقواء الذي تعيش حماس في وهمه.
لن ينصفنا الوقت الذي يمر على رقابنا، وأقول رقابنا لأن ارتباط المصريين بغزة - حتى ولو مرت به مراحل جفاء أو عتب- فإن الروح المصرية لا يمكنها أن تسمح بطول الجفاء لاننا نعلم أن غالبية الغزاوية أصبحوا أسرى لدى عصابة حماس تبيع دماءهم بحفنة دينارات ودولارات، وستبقى القضية قضيتنا والعدو الإسرائيلي واحد على مر السنين والأجيال، لذلك فلن تنتصر قضيتنا طالما يحكمنا الجنون والمزايدة، ولن نلتفت لحقن حقيقي للأرواح التي تزهق يوميا، إما بقصف الصهاينة أو بالتجويع والابتزاز الحمساوي، إلا عندما تتوقف مهزلة المزايدة، وعندما ننظر للطفل والطفلة في غزة على أنه مشروع إنسان وليس مشروع شهيد.