الأربعاء 12 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الشعب أولاً وإلا فلا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذه مقالة أوجهها إلى مَن سيكون رئيسا لمصر كائنا من كان، وأوجهها أيضا إلى كل الشعوب التي يخرج بعضٌ منها هاتفا "بالروح والدم نفديك يا رئيس"، في حين أن رئيسها هو المنوط به أن يقول "بالروح والدم أفديك يا شعب" وسيكون من نصيب بعضهم جانب من المقال، وهذا البعض هم من احترفوا الهتاف "نموت نموت وتحيا مصر" في حين أن الهتاف الواجب هو "نعيش نعيش لتحيا مصر" ولكن ثقافة الموت أصبحت هي الغالبة علينا منذ عقود طويلة.. ما علينا، المهم أنكم ستصبرون معي قليلا على ما سأقوله، خطوة خطوة لنصل إلى المقصود، حتى ولو كان الكلام في مبتدئه ذا طابع فلسفي، والمبتدأ هو من غار حراء حيث خرج نور الإسلام ثم بزغ على العالمين، فقد تلقّى النبي، صلى الله عليه وسلم، في غار حراء بيانا آمرا له شخصيا أن "اقرأ"، قبل توجه الخطاب إلى الناس وإلى الذين آمنوا، وكان ذلك يُعبـِّر عن تفرد المُخاطَب الذي هو سيدنا محمد من قِبَلِ المخَاطِب الأوحد الذي هو الله سبحانه، لا يشاركه في ذلك، أي النبي، أحدٌ من الخلق، تفرداً يعنى اختصاصه دون غيره بتلقي بيان التوحيد ومضمون العقيدة، ليبلغها بعد ذلك إلى جموع المؤمنين والمتبعين.
ما كان يمكن أن يشاركه أحد في غاره وهو يتحنث، وما كان يمكن أن يصاحبه صاحب كما فعل أهل الكهف من قبل في موقفهم عندما هجروا أذى الدنيا وضيقها إلى أمان الكهف وعزلته، كانت وحدته بالغار تمثل مفهوماً إيجابيًّا منتجاً يعني اختصاصه بالبداية، وكان تعددهم والتجاؤهم للكهف يعني مفهوماً سلبيًّا يمثل جنوحهم للنهاية، كانت وحدته في الغار تمثل خصوصية بينه وبين ربه، وإن أمره الله بعد الاختصاص أن يجهر بدعوته للناس، حيث اكتملت بعد ذلك في مكة دورة العقيدة في صدور المؤمنين.
تكرر مشهد الغار ثانية للدلالة على بدء مفهوم آخر بعد أن اكتمل مفهوم التوحيد والعقيدة ابتداء من موقف الغار الأول، ولكن لم يكن الموقفان متشابهين فإنه في الغار الثاني لم يكن صلى الله عليه وسلم واحداً متفرداً بل كان "ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ" لقد قامت هنا في غار ثور ثنائية الشريعة بعد أن اكتمل تفرد ووحدانية العقيدة، كان يلزم أن يكون له صاحب في موقفه هذا ليمثلا معاً ثنائية المجتمعات المدنية التي يلزمها شرع ينظم حياتها، كان النبي يمثل في الحالة الثانية قائد الأمة وأميرها، وكان أبو بكر ينوب عن الأمة قاطبة في تمثيلها في هذا الموقف المشهود، وكأننا نرى في فراغ الغار الثاني مشهد القائد محمد "صلى الله عليه وسلم" ومعه كيان الأمة كرمز في هيئة أبي بكر.
ومن هنا بدأت العلاقة بين الحاكم والمحكوم، تلك العلاقة التي بدأت ملامحها تظهر عند الهجرة حين أذن الله أن تقوم دولة، لم تكن الدولة حينئذ دينية يتقدم فيها الرئيس أو الحاكم على المحكوم ويكون سيده وآمره وناهيه بل ومالكه في بعض الأحيان والوسيط بينه وبين الله كما كانت العلاقة في القرون التي سبقت الإسلام، ألم ينطق فرعون بنظريته الاستبدادية في الحكم حين قال (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) وقال (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فكان فرعون في دولته الدينية هو المالك وهو الإله وهو المهيمن بلا رقيب! اغتصب الحاكم لنفسه في تلك القرون صفات ليست له، فهو الملك المالك كما في حالة فرعون، وهو الذي يحيي ويميت كما قال الحاكم الجاهل الغبي الذي حاج إبراهيم في ربّه (أنا أحيي وأميت) لننتقل بعد ذلك في ظل دولة الإسلام إلى (ثاني اثنين إذ هما في الغار) فكان القائد مصيره مع أمته حتى إن كان هو النبي سيد ولد آدم، لذلك لم يقل الله سبحانه (أول اثنين) ولكنه قال (ثاني اثنين) أي أن أبا بكر ممثل الأمة كان هو الأول والنبي كان هو الثاني، والترتيب هنا ليس ترتيب مكانة فمكانة النبي أعلى من العالمين ولكنه ترتيب أولوية، فالأمة مفضلة في الحقوق حتى ولو كان رئيسها نبي الإسلام.
ومن هنا فإن الإسلام دولته مدنية، وهي دولة أمة لا دولة شخص.. تلك الملامح هي التي شكلت مدنية الدولة حيث لا كهنوتية ولا وساطة مدعاة بين العبد وربه.. صورة رائعة تتقدم فيها الأمة، في حقوقها، على حاكمها مهما كان قدره.. يرتفع فيها شأن المساواة والعدالة والحرية لكل المحكومين.. فليس من حق حاكم أن يقدم نفسه على أمته أو أن يفرض نفسه قهرا عليهم أو يعود لشعارات الفراعنة البائدة (أليس لي ملك مصر)! وقد كان هذا هو الخطأ الذي وقع فيه الإخوان وأوقعوا فيه مرسي، إذ كان سعيهم دؤوبا لخلق دولة كهنوتية، لا يملك الشعب مراجعتها أو نقدها، فكان لا بد أن يسقطهم الشعب.