السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الواعظ الرسولي: الصوم تطهير للأنفس

الواعظ الرسولي
الواعظ الرسولي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ألقى واعظ القصر الرَّسوليّ الكاردينال رانييرو كانتالاميسا صباح اليوم الجمعة ، تأمّله الثالث لزمن الصوم في قاعة بولس السادس بالفاتيكان، تحت عنوان "أنا الراعي الصالح".

واستهل الكاردينال كانتالاميسا تأمّله بالقول: نواصل تأملنا حول كلمات "أنا هو" (Ego eimi) العظيمة التي قالها يسوع في إنجيل يوحنا، لكن يسوع هذه المرة لا يقدم لنا نفسه بواسطة رموز وإنما بشخص إنسان، الراعي: "أنا - كما يقول - الراعي الصالح!". لنصغِ إلى الجزء من الخطاب الذي يتضمن إعلان المسيح هذا: أَنا الرَّاعي الصَّالِح والرَّاعي الصَّالِحُ يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف وأَمَّا الأَجير، وهو لَيسَ بِراعٍ ولَيستِ الخِرافُ له فإِذا رأَى الذِّئبَ آتياً تَركَ الخِرافَ وهَرَب فيَخطَفُ الذِّئبُ الخِرافَ ويُبَدِّدُها. وذلِكَ لأَنَّهُ أَجيرٌ لا يُبالي بِالخِراف. أَنا الرَّاعي الصَّالح أَعرِفُ خِرافي وخِرافي تَعرِفُني كَما أَنَّ أَبي يَعرِفُني وأَنا أَعرِفُ أَبي وأَبذِلُ نَفْسي في سَبيلِ الخِراف.

وأضاف واعظ القصر الرَّسوليّ يقول: إن صورة الراعي الصالح، وتلك المتعلِّقة بالخروف والقطيع، ليست رائجة اليوم حقًا. ألا يخاف يسوع من أن يجرح حساسيتنا وأن يسيء إلى كرامتنا كأشخاص أحرار إذ يدعونا خرافه؟ إنَّ إنسان اليوم يرفض بازدراء دور الخروف وفكرة القطيع. ولكنّه مع ذلك، لا يتنبّه إلى كيف يعيش في الواقع الوضع الذي يدينه نظريًا. إنَّ إحدى الظواهر الأكثر وضوحا في مجتمعنا هو توحيد المقاييس والمعايير. وتُسمى الصحافة والتلفزيون والإنترنت بـ "وسائل الاتصال الجماهيري"، ووسائل الإعلام الجماهيرية، ليس فقط لأنها تقدّم المعلومات وإنما أيضًا لأنها تشكلها وتوحدها. وبدون أن نتنبّه، نسمح بأن تقودنا جميع أنواع التلاعب والإقناع الغامض. ويخلق آخرون نماذج للرفاهية والسلوك، ومثلًا وأهدافًا للتقدم، ويتبناها الناس؛ نحن نتبعها، خائفين من أن نضيِّع الوتيرة، مشروطين وتُخضِعنا الإعلانات. نأكل ما يقولونه لنا، ونرتدي ما تمليه علينا الموضة، ونتكلم كما نسمع. نحن نستمتع عندما نرى فيلمًا يتم عرضه بوتيرة متسارعة، يتحرك فيه الأشخاص بسرعة، مثل الدمى؛ ولكنها الصورة التي سنكونها عن أنفسنا إذا نظرنا إلى أنفسنا بعين أقل سطحية.

وأضاف الكاردينال رانييرو كانتالاميسا قائلا: لكي نفهم بأي معنى يعلن يسوع نفسه الراعي الصالح ويدعونا خرافه، علينا أن نعود إلى التاريخ البيبلي. كان شعب إسرائيل، في البداية، شعبًا من الرعاة الرحل. ويعطينا بدو الصحراء اليوم فكرة عما كانت عليه الحياة في السابق بالنسبة لقبائل إسرائيل. في هذا المجتمع، لم تكن العلاقة بين الراعي والقطيع علاقة اقتصادية وحسب، مبنية على المصلحة. بل تتطور علاقة شبه شخصية بين الراعي والقطيع. أيامً وأيام يمضونها معًا في أماكن منعزلة، بدون وجود روح حية حولهم. وينتهي الأمر بأن يعرف الراعي كل شيء عن كل خروف؛ وتتعرف الخراف على صوت الراعي الذي غالبًا ما يتحدث بصوت عالٍ إلى الخراف، كما ولو كانوا أشخاصًا. وهذا الأمر يفسر لماذا استخدم الله، لكي يعبِّر عن علاقته بالبشرية، هذه الصورة التي أصبحت اليوم غامضة. ومع الانتقال من حالة القبائل البدوية إلى حالة الشعوب المستقرة، أصبح لقب الراعي يُعطى بالتبعية، أيضًا للذين ينوبون عن الله على الأرض: الملوك، والكهنة، والقادة بشكل عام. لكن في هذه الحالة ينقسم الرمز: لم يعد يذكِّر فقط بصور الحماية والأمن، وإنما أيضًا بصور الاستغلال والقمع. وإلى جانب صورة الراعي الصالح تظهر صورة الراعي الشرير، فنجد في سفر حزقيال النبي إدانة رهيبة للرعاة السيئين الذين يرعون أنفسهم فقط؛ فيتغذون على الحليب، ويلبسون الصوف، لكنهم لا يهتمون على الإطلاق بالخراف التي يعاملونها في الواقع "بالقسوة والعنف". لكنَّ لائحة الاتهامات هذه ضد الرعاة السيئين يتبعها وعد: الله نفسه سوف يعتني بقطيعه يومًا ما: سأبحث عن الخراف الضالة وأرد الشاردة وأجبر المكسورة وأقوِّي.