الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رسالة إلى السيد الرئيس "2"‏

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

إن ما تحتاجه مصر أساسًا إنما هو ثورة نفسية بمعنى ثورة على نفسها أولا، ‏وعلى نفسيتها ثانيا، أي تغيير جذري في العقلية والمثل وأيدلوجية الحياة قبل أي ‏تغيير حقيقي في حياتها وكيانها ومصيرها، ثورة في الشخصية المصرية وعلى ‏الشخصية المصرية، ذلك هو الشرط المسبق للتغيير شخصية مصر وكيان مصر ‏ومستقبل مصر، هذا ما ذكره المؤرخ الجغرافي الكبير جمال حمدان في كتاب" ‏شخصية مصر. دراسة في عبقرية المكان".‏

ومن عبقرية المكان لجمال حمدان إلى عبقرية فأس الفلاح الذي كان بيد والدي ‏المزارع البارع والفلاح العفي، وهو من نفس جيل جمال حمدان واللذين كانا ‏يمثلان قوة دفع الهوية المصرية لهذا الجيل والتي شارفت علي الاندثار الآن، ففي ‏أرضنا الزراعية التي كنت ملازما لوالدي في فلاحتها أثناء مراحل طفولتي إلي ‏التحاقي بالجامعة، كانت هناك بقع من حشائش تسمي "النجيل" تلك الحشائش ‏تمتد بجذورها العنقودية إلي عمق الأرض، وتتشعب وتتسع في الأسفل لتمتلك ‏تشابكات التربة ووجودها خطير على الزراعات لأنها تمتص الأرض وتمنع جذور ‏النبات من التغذية من المركبات والأسمدة المطلوبة، فإن نجح النبات في استكمال ‏دورته الزراعية يكون ضعيفا ولونه أصفر مخنوق من الموت وتكون ثماره ‏ضعيفة لا قيمة أو وزن له.‏

وبما أن فأس والدي رغم قوته لا يستطيع إلا تقطيع الظاهر من النجيل من ‏حشائش على وجه الأرض وتبقى الجذور العنقودية تمتد وتتسمع لتبتلع الأرض ‏وتجعلها غير صالحة للزراعة، فكان والدي رحمة الله عليه يأتي بمحراث كبير ‏حجمه ضخم يصل إلى أبعد من عمق جذور النجيل ويقوم بتقليب الأرض بقوة ليستخرج عناقيد الجذور من العمق الي السطح ومن ‏ثم يترك الأرض تتشمس حتى تنشف الجذور وتفقد ديمومة تواجدها ومن ثم يقوم ‏بتجهيز الأرض للزراعة.‏

الذي فعله والدي بالتربة هو ما قصده جمال حمدان، فالنجيل ذات الجذور ‏العنقودية تمثل حالة الاغتراب التي اخترقت الهوية المصرية والفساد الذي تجذر ‏وتشعب أثناء عهد نظام حكم مبارك وأصبح واقعا مشرعنا ثقافيًا يحكم المؤسسة ‏والفرد، والفلاح الممسك بالفأس هو المسئول الذي "لا حول ولا قوة له" وأصبح ‏متعايشا ومستسلما لواقع التربة الفاسد وكل زرعه مخنوق من الموت ولا ثمار له، ‏فالنظام الحاكم الحالي قد جهز سطح الأرض جيدًا وجاء بأنواع ممتازة من البذور ‏وأسمدة ونظام ري قوي، وعندما زرع وانتظر الحصاد وجد النجيل "الفساد ‏المتجذر" يخنق الزرع ولا يوجد ثمار، ويشاع الآن إن هناك تغييرا للحكومة وهذا ‏ما تقوم به مصر منذ الستينيات وللأسف ما ‏تحتاجه مصر تغيير سياسات وليس أشخاصا، والمطلوب فورًا هو تغيير كلي في ‏سياسة الحكم عن طريق تكوين دائرة صناعة قرار من رجال دولة أصحاب كفاءة ‏وتخصص تكون مهمتهم توليد جهاز إداري للدولة حديث بداخله عنصر بشري ابن ‏للثورة الرقمية. ‏

والآن مصر قد انضمت إلى مجموعة دول البريكس في قرار تاريخي ونافذة إنقاذ ‏لها مما يحاك بها من مؤامرات يستخدم فيها الجانب الاقتصادي وعملة الدولار ضدها ‏كضغط شديد لتركعيها وإخراجها من معادلة الوجود والتأثير في الشرق الأوسط، ‏ولذا فلا بد من وجود جهاز إداري حديث للدولة داخل دائرة الرقمنة، متضمن عنصرا ‏بشريا عصريا، لكي تستطيع مصر الاندماج مع مكونات بريكس، وبناء علاقات ‏مصالح متبادلة نستطيع التعاطي معها بندية، لأن الاستمرار في التعاطي مع ‏العلاقات داخل بريكس من خلال جهاز الدولة الحالي هو نوع من الانتحار، ولذا ‏ندعو دائمًا لصياغة دائرة صناعة قرار من رجال دولة حقيقيين، لرسم استراتيجية ‏المستقبل ولجم سعار تمدد الحاضر القاتل.‏

*كاتب معني  بالشأن العام