الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سأنتخب هذا المرشح رئيسا "5 "‏

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كما أوضحنا في المقالات السابقة، وبعد تهيئة الحالة المصرية ووضع استراتيجية ‏عملية لمواجهة وعلاج ظواهر شيخوخة العقل الجمعي التي تتحكم في الفرد ‏والمؤسسة، والآن سيتم تناول الملفات طبقًا لأولوية الأهمية ووضعها في برنامج ‏انتخابي كمقترح يتم تضمينه داخل خطة عمل متكاملة في السنوات القادمة.‏

الأولوية في الأهمية هو ملف الزراعة، فالعالم الآن يمر بمرحلة مخاض من داخل ‏الرحم المصري، وسيشهد أحداث وصراعات في كل بقاعه، والدول التي تمتلك ‏الأمن الغذائي تستطيع أن تصمد وتستمر.‏

الزراعة في مصر تمثل موروثًا مكونًا للهوية المصرية وليست نشاطًا اقتصاديًا فقط، ‏وفي كل مراحل التاريخ ظل الفلاح هو الفلكلور المتجسد الذي يحمل لواء تلك ‏الهوية من جيل إلى أخر، ففى مراحل القوة والضعف ظل الفلاح هو الداعم ‏والمساند الغير مرئي الذي يحمل مكون الأمن الغذائي لجميع الأجيال، فعلي مدار ‏التاريخ كان منزل الفلاح هو ذلك المكون الذي يتواجد بداخله الفرن البلدي، ‏وحظيرة المواشي، ومزرعة الطيور، ومنتجات ذلك من لحوم وألبان وخبز الذي ‏تتغذى منه جميع أطياف المجتمع، فالفلاح وفأسه هو أهم أسرار تماسك وقوة وصمود ‏مصر أمام محاولة ابتلاعها ثقافيًا أو عسكريًا عبر كل تاريخها.‏

لكن جاءت المرحلة الفارقة في تاريخ مصر، وهو صدور أخطر القوانين في ‏تاريخها أثناء سنوات حكم نظام مبارك، وما أحدثه بالبلاد من فقر وأمراض بدنية ‏واجتماعية وثقافية وتبعية وتشوهات سياسية.. إلخ ليست نتاج عوامل الطبيعة أو ‏ضربات الأقدار، وإنما هي بفعل فاعل هو نظام حكم مبارك والمستفيدين من فساد ‏حكمه وعصره، فعرفت رسميًا بقانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في ‏الأراضي الزراعية وعرفت لدى الفلاحين بقانون طرد المستأجرين والذي تم ‏تطبيقه في أكتوبر 1997.‏

وعلى إثر ذلك القانون تم تعرية مصر من الهوية التي عاشت بها آلاف السنوات ‏وتم ضرب أقوى سند لها غير منظور وهو الاقتصاد الموازي الخفي "الأمن ‏الغذائي" وتم تبوير الأرض وأصابتها بأمراض متنوعة وأصبح الفلاح حائرًا بين ‏أحضان الجماعة الإرهابية وبين الهجرة خارج البلاد، فتم هدم الفرن، وموت ‏المواشي، وهجرة الطيور، ومعها شحت منتجات الأمن الغذائي وأصبحت تحتاج ‏إلى الدولار لاستيرادها من الخارج، فأصبح الأمن الغذائي بيد بعض التجار ‏الفاسدين الذين هم أيضًا نتاج نظام مبارك، ليتلاعبوا بالمواطن وأمن الوطن بعد أن ‏أطاحوا بالفلاح، وكسروا الفأس، واستولوا على الأرض.‏

والآن، على القيادة السياسية تناول ذلك الطرح باهتمام بالغ، مع وضع استراتيجية ‏لإعادة الفلاح إلى الأرض الزراعية حتى يتم معالجة ما تم من خطأ تاريخي قاتل ‏من قرارات نظام مبارك، وما اقترحه على الدولة المصرية بخصوص الأراضي ‏المستصلحة التي تم ضمها إلي الرقعة الزراعية، هو تقسيمها إلي قطع من ‏الأفدنة، كل قطعة تكون متكاملة البنية الاستثمارية للفلاح، من منزل، وحظيرة ‏مواشي، ومزرعة طيور، مع توفير الآلات الزراعية اللازمة وتسليم تلك القطع ‏للفلاحين المصريين، وتوفير كل الاحتياجات اللازمة لهم، مع تقسيط قيمة الأراضي ‏وجميع التكاليف علي عدد من السنوات.‏

 

ذلك المقترح هو الأنسب لمصر بعيدًا عن المستثمرين الكبار الذين يشترون الأرض ‏بأبخس الأثمان، ومن ثم يقومون بتصدير المنتجات إلى الخارج، وإن تم بيع ‏بعضها في الداخل فيكون طبقًا لسعر الخارج وهذا ما ظهر في أسعار بعض ‏المنتجات الزراعية في السوق الداخلي في الأشهر القليلة الماضية، وما تدفعه ‏الدولة من تكاليف لهؤلاء المستثمرين لشراء بعض المحاصيل الاستراتيجية يجعل ‏استفادة الدولة من استصلاح الأراضي ضعيفًا للغاية ولا يتماشى مع تكاليف ‏إصلاحها وتجهيزها.‏