الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

د.على الدين هلال يكتب: طريق مصر.. من هزيمة 1967 إلى انتصار 1973

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الإعداد الفِعلى لتنفيذ خُطة الحَرب بدأ فى عهد السادات بَعد فَشل المساعى الدبلوماسية للوصول لحَل سلمى

جنود مصريون يرفعون العلم بعد اقتحامهم «خط بارليف» 1973 

يحتفل المصريون فى هذه الأيام بمرور ٥٠ سنة على حرب أكتوبر التى أخذ فيها الجيش المصرى زمام المُبادرة وكان تحركه فى الساعة الثانية وخمس دقائق من ظُهر يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ مُفاجأة مُدوية للجيش الإسرائيلى الرابض على الضفة الشرقية للقناة. لم يكُن طريق مِصر سهلًا لتجاوز آثار الهزيمة العسكرية فى ١٩٦٧ بل كان على الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات اتخاذ كثير من القرارات خلال السنوات السبع الفاصلة ما بين ١٩٦٧ و١٩٧٣. 
وكان قرار عبدالناصر الاستراتيجى هو رفض النتائج المُترتبة على الهزيمة العسكرية وإعادة بناء القوات المُسلحة. فعكف على دراسة أسباب ما حدث من خلال سلسلة من الاجتماعات مع المسئولين فى الحكومة، والاستماع إلى أشرطة تسجيل شهادات القادة العسكريين الإسرائيليين عن أسباب انتصارهم السريع.
وكان تقدير عبدالناصر، أننا نحتاج إلى سنتين أو ثلاث لإعادة بناء الجيش، وأن قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ يعطينا وقتا للقيام بهذه المهمة فى الوقت الذى تستمر فيه الاتصالات والمفاوضات الدبلوماسية.
وكان عليه أن يتعامل فى الأسابيع والشهور التالية للحرب مع عدد من التحديات العاجلة مِنها: إنهاء تمرد نائبه ووزير الحربية عبدالحكيم عامر الذى تحصن بمنزله وحوله إلى ثكنة عسكرية يحميها بعض ضباط الجيش ومُسلحين من قريته، ومُخاطبة الرأى العام وأفراد القوات المُسلحة لإعادة الثقة بأنفسهم، وتعيين قيادات عسكرية جديدة أبرزها: محمود فوزى وزير للحربية، وعبدالمنعم رياض رئيس الأركان، لتنفيذ خُطة شاملة لإعادة تدريب القوات المُسلحة، ووافق على طلب السوفييت إرسال فنيين ومُستشارين للمُشاركة فى برامج التدريب.
ترافق مع ذلك قيام الجيش المصرى بعمليات عسكرية ضد القوات الإسرائيلية مِنها معركة رأس العش فى يوليو ١٩٦٧، وتفجير المدمرة إيلات فى أكتوبر من نفس العام، وإغراق الغواصة داكار فى يناير ١٩٦٨. عمل عبدالناصر أيضًا على تنشيط الجبهة الشرقية من خلال دعم حركة المُقاومة الفلسطينية "فتح" وتزويدها بالسلاح والذخائر.
وجدير بالاهتمام أنه رغم الهزيمة العسكرية فقد ظَل عبدالناصر رمزًا للتحرر العربى والأفريقي، ظهر ذلك فى الاستقبال الجماهيرى الضخم الذى أحاط به فى الخُرطوم عِندما وصل لحضور مؤتمر القمة العربى فى أغسطس ١٩٦٧. كما ظهر فى حِرصه على الاستمرار فى دعم حركات التحرر الأفريقي، فعندما اندلعت حركة انفصالية فى إقليم بيافرا بنيجيريا ودعمها الغرب، طلبت الحكومة النيجرية العون من مصر فى أغسطس ١٩٦٧.
وقرر عبدالناصر الاستجابة للطلب، وكلف محمد فائق وزير الإرشاد القومى والمسئول عن العلاقات مع أفريقيا بوضع خُطة تنفيذ هذا الطلب، وبالفعل تم بيع عدد من طائرات ميج ١٩ إلى نيجريا وإرسال عدد من الطيارين المصريين لدعم الحكومة وتدريب الطيارين النيجيريين من خلال تعاقدات فردية بين السفارة النيجيرية بالقاهرة وهؤلاء الضُباط.
كانت الحلقة الفاصلة الثانية هى حرب الاستنزاف فى ١٩٦٨-١٩٧٠، والتى بدأت بعودة إطلاق المدفعية المصرية لقذائفها على طول خط القناة، وإعلان عبدالناصر أن مصر لم تعُد مُلزمة بقرار وقف إطلاق النار وأنها تعتبره "باطل" و"لاغي". واستغلت القوات المُسلحة هذه الظروف لإقامة شبكة من قواعد إطلاق الصواريخ وذلك لمنع الطيران الإسرائيلى من الدخول إلى العُمق المصري. فى هذا السياق، قامت البحرية المصرية بتنفيذ سلسلة من الهجمات على ميناء إيلات فى نوفمبر ١٩٦٩ وكُل من فبراير ومايو ١٩٧٠.
وقد أدى هذا التصعيد العسكرى إلى تحرك الدبلوماسية الأمريكية وقام وزير الخارجية وليام روجرز وطرحه مشروعًا للسلام ثُم الوساطة لوقف إطلاق النار لمُدة ثلاثة شهور وهو العرض الذى قبلته مِصر وإسرائيل وتَم وقف إطلاق النار فى يونيو ١٩٧٠.
أما الحلقة الثالثة فكانت الإعداد الفِعلى لتنفيذ خُطة الحَرب، وذلك فى عهد الرئيس السادات بَعد فَشل كُل المُبادرات والمساعى الدبلوماسية المصرية للوصول إلى حَل سلمي، وازدياد إدراك القيادة المصرية أن سياسة الوفاق الدولى التى اتبعتها الدولتين العُظميين-أمريكا والاتحاد السوفيتي- تَعنى الإبقاء على الوضع القائم فى الشرق الأوسط، وعَدم تشجيع مِصر على القيام بعمل عسكرى لاستعادة أراضيها المُحتلة.
وأظهر السادات عدم رضائه عن السياسة السوفيتية فى يوليو ١٩٧٢ عندما استدعى السفير السوفيتى فى القاهرة وطلب منه إبلاغ موسكو برغبة الحكومة المصرية فى سحب المُستشارين السوفييت مِن مصر، وبدأ العَد التنازُلى للحرب، وفى الأربعاء ٢٢ أغسطس ١٩٧٣ اجتمع بشكل سرى فى مدينة الإسكندرية عدد ٨ من كِبار الضُباط المصريين و٦ من كِبار الضُباط السوريين لوضع اللمسات الأخيرة على خُطة الحرب. 
فى الوقت نفسه؛ نفذت مِصر خُطة خِداع استراتيجى مُبتكرة لخِداع أجهزة الاستطلاع والمُخابرات الإسرائيلية حتى لا تتمكن من فَهم تحركات الجيش المصرى على الضفة الغربية للقناة، وعدم استنتاج أنه هُناك حرب قادمة. كما كان هُناك الحظر النفطى العربي. وفى ٨ أكتوبر، سافر المُهندس سيد مرعى مُساعد الرئيس للتنسيق مع الدول العربية والدكتور مُصطفى خليل، الوزير السابق، إلى السعودية وعدد من الدول العربية لطرح فِكرة استخدام النفط كأداة سياسية للضغط على الدول المُؤيدة لإسرائيل، وفى ١٦ أكتوبر، وافقت الدول العربية الُمنتجة للنفط على خفض الإنتاج، ورفع سِعر البرميل، وعدم تصدير النفط إلى كُل مِن أمريكا وهولندا لدعمهما العسكرى لإسرائيل.
لم تكُن حرب أكتوبر انتصارًا عسكريًا وحسب بل عمل وطنى جمع بين الحرب والدبلوماسية وأعمال المُخابرات إضافة إلى مُساندة شعبية هائلة انتظرت لمُدة سبع سنوات تحرير الأراضى المصرية المُحتلة.
د.على الدين هلال: مفكر سياسى وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية من عام 1994 إلى 1999، وأستاذ العلوم السياسية بالكلية حتى الآن.. وزير الشباب المصرى من عام 1999 إلى 2004.. له عشرات الكتب والبحوث المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية.. وشارك فى العديد من المؤتمرات العلمية والسياسية.. يكتب انتصار أكتوبر بعد ست سنوات من هزيمة يونيو.