الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

كلمة البابا فرنسيس خلال عظة الأحد بمرسيليا

البابا
البابا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في ختام زيارته الرسولية إلى مرسيليا يُروى في الكتاب المقدس أن الملك داود، بعد أن أسس مملكته، قرر أن ينقل تابوت العهد إلى أورشليم. عندها، وبعد أن دعا الشعب، قام وانطلق لكي يحضر تابوت العهد؛ ثم وخلال المسيرة كان يرقص أمامه مع الشعب، ويبتهج فرحًا بحضور الرب. على خلفية هذا المشهد يخبرنا الإنجيلي لوقا عن زيارة مريم لنسيبتها أليصابات

 

 

 في الواقع، قامت مريم أيضًا وانطلقت نحو منطقة أورشليم، وعندما دخلت بيت أليصابات، إذ اعترف الطفل الذي كانت تحمله في حشاها بوصول المسيح، ارتكض فرحًا وبدأ يرقص كما فعل داود أمام تابوت العهد. لذلك يتم تقديم مريم كتابوت العهد الحقيقي، الذي يُدخِل الرب المتجسد إلى العالم. إنها العذراء الشابة التي تذهب للقاء المرأة العجوز العاقر، وبما أنها تحمل يسوع، تصبح علامة زيارةِ الله الذي ينتصر على كلِّ عقم. إنها الأم التي تصعد نحو جبال يهوذا، لكي تقول لنا إنَّ الله ينطلق نحونا، لكي يبحث عنا بمحبته، ويجعلنا نبتهج فرحًا.

تابع البابا فرنسيس يقول في هاتين المرأتين، مريم وأليصابات، تنكشف زيارة الله للبشرية: إحداهما شابة والأخرى مسنة، إحداهما عذراء والأخرى عقيمة، لكن كلاهما حامل "بشكل مستحيل". هذا هو عمل الله في حياتنا: هو يجعل ممكنًا حتى ما يبدو مستحيلًا، ويولِّد الحياة حتى في العقم. أيها الإخوة والأخوات، لنسأل أنفسنا بصدق القلب: هل نؤمن بأن الله يعمل في حياتنا؟ هل نؤمن بأن الرب، بطريقة خفية وغير متوقعة في كثير من الأحيان، يعمل في التاريخ، ويصنع العجائب، ويعمل أيضًا في مجتمعاتنا المطبوعة بالعلمانية الدنيوية وبنوع من اللامبالاة الدينية؟ هناك طريقة لكي نميِّز ما إذا كانت لدينا هذه الثقة في الرب. يقول الإنجيل: "فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها". هذه هي العلامة: ارتكض. إنَّ الذي يؤمن، والذي يصلي، والذي يقبل الرب، يرتكض في الروح، ويشعر أن شيئًا ما يتحرك في داخله، "فيرقص" فرحًا. وأريد ان أتوقف عند هذا: ارتكاض الإيمان.  

أضاف الأب الأقدس يقول إن خبرة الإيمان تولِّد أولاً ارتكاضًا إزاء الحياة. الارتكاض يعني أننا "قد لمُسنا من الداخل"، وأن نشعر بارتعاش داخلي، وبأن شيئًا ما يتحرك في قلبنا. إنه عكس القلب الفاتر والبارد، الذي يستقر في حياة هادئة، ويحبس نفسه في اللامبالاة وينغلق، ويتصلب، ويصبح غير حساس تجاه كل شيء وكل شخص، حتى تجاه التهميش المأساوي للحياة البشرية، والتي يتمُّ رفضها اليوم في العديد من الأشخاص الذين يهاجرون، وكذلك في العديد من الأطفال الذين لم يولدوا بعد والعديد من المسنين المتروكين. إنَّ القلب البارد والفاتر يجر الحياة قدمًا بشكل آلي، بدون شغف وبدون دوافع وبدون رغبة. ويمكننا عندها في مجتمعنا الأوروبي أن نمرض من جميع هذه الأمور: التهكّم، وخيبة الأمل، والاستسلام، وعدم اليقين، والشعور العام بالحزن. وقد أطلق عليها أحدهم اسم "أشكال الشغف الحزينة": إنها حياة بدون ارتكاض.

أما الذي خُلق للإيمان، تابع البابا يقول، فيعترف بحضور الرب، مثل الطفل في حشا أليصابات. ويعترف بعمله في ازدهار الأيام وينال عيونًا جديدة لكي ينظر إلى الواقع؛ ويرى يوميًّا حتى في وسط التعب والمشاكل والآلام زيارة الله ويشعر بأنه يرافقه ويعضده. أمام سر الحياة الشخصية وتحديات المجتمع، يكون لدى الشخص الذي يؤمن إرتكاض وشغف وحلم عليه أن ينمّيه واهتمام يدفعه لكي يلتزم بشكل شخصي. هو يعرف أن الرب حاضر في كل شيء، ويدعونا لكي نشهد للإنجيل من أجل بناء عالم جديد بالوداعة، ومن خلال العطايا والمواهب التي نالها. بالإضافة إلى الإرتكاض إزاء الحياة، تولِّد خبرة الإيمان أيضًا ارتكاضًا إزاء القريب. في الواقع، في سر زيارة العذراء مريم، نرى أن زيارة الله لا تحدث من خلال أحداث سماوية غير عادية، وإنما في بساطة اللقاء. يأتي الله إلى باب بيت عائلة، في العناق الحنون بين امرأتين، وفي تشابك حَملين مملوءين بالدهشة والرجاء. وفي هذا اللقاء نجد اهتمام مريم وعنايتها، وتعجُّب أليصابات، وفرح المشاركة.

أضاف الأب الأقدس يقول لنتذكر هذا على الدوام، حتى في الكنيسة: الله هو علاقة ويزورنا غالبًا من خلال اللقاءات البشرية، عندما نعرف كيف ننفتح على الآخر، عندما يكون هناك ارتكاض لحياة الأشخاص الذين يمرون بقربنا كل يوم وعندما لا يبقى قلبنا فاترًا وغير مبالٍ إزاء جراح الأشخاص الأكثر هشاشة. إن مدننا الكبرى والعديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا، التي تتعايش فيها ثقافات وأديان مختلفة، تشكل بهذا المعنى تحديًا كبيرًا ضد سخط الفردية وضد الأنانية والانغلاقات التي تنتج أشكال الوحدة والآلام. لنتعلم من يسوع أن نتأثر بالذين يعيشون بقربنا، ولنتعلم منه هو الذي، إزاء الجموع المتعبة والمُنهَكة، شعر بالشفقة وتأثر، وأحسَّ بارتكاضات رحمة أمام الجسد الجريح للأشخاص الذين كان يلتقي بهم. وكما يؤكِّد أحد قديسيكم العظام، "علينا أن نحاول أن نُليِّنَ قلوبنا، ونجعلها حساسة لآلام الآخرين وبؤسهم، وأن نصلي إلى الله لكي يمنحنا روح الرحمة الحقيقي، الذي هو روحه"، لكي نعترف بأنَّ الفقراء هم "أربابنا وأسيادنا".

أيها الإخوة والأخوات، تابع الحبر الأعظم يقول أفكر في "ارتكاضات" فرنسا العديدة، وتاريخها الغني بالقداسة والثقافة والفنانين والمفكرين، الذين شغفوا أجيالاً عديدة. واليوم، تحتاج حياتنا وحياة الكنيسة، وفرنسا، وأوروبا إلى هذا: إلى نعمة الارتكاض، إلى ارتكاض جديد للإيمان والمحبة والفرح. نحن بحاجة لأن نجد مجدّدًا الشغف والحماس، وأن نكتشف مجدّدًا طعم الالتزام في سبيل الأخوَّة، والجُرأة مجدّدًا لمخاطرة المحبة في العائلات وتجاه الأشخاص الأكثر ضعفًا، ولأن نكتشف مجدّدًا في الإنجيل نعمة تحوّل الحياة وتجعلها جميلة. لننظر إلى مريم، التي أزعجت نفسها إذ وضعت نفسها في مسيرة وتعلمنا أن الله هو هكذا تمامًا: هو يزعجنا ويضعنا في حركة ويجعلنا "نرتكض"، كما حدث لأليصابات. ونحن نريد أن نكون مسيحيين يلتقون بالله بالصلاة والإخوة بالمحبة، ويرتكضون ويهتزون ويقبلون نار الله لكي يسمحوا بعدها بأن تُحرقهم أسئلة اليوم، وتحديات البحر الأبيض المتوسط، وصرخة الفقراء، "واليوتوبيات المقدسة" للأخوة والسلام التي تنتظر أن تتحقق.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول معكم أرفع الصلاة إلى العذراء مريم، Notre Dame de la Garde، لكي تسهر على حياتكم، وتحرس فرنسا وأوروبا بأسرها، وتجعلنا نرتكض بالروح. وأريد أن أفعل ذلك بكلمات أحد شعرائكم: "أرى الكنيسة مفتوحة

 

 ليس لدي ما أقدمه ولا ما أطلبه. جئت فقط يا أمي لأنظر إليكِ. لأنظر إليكِ وأبكي من السعادة، وأنا أعلم هذا: أنني ابنكِ وأنكِ هنا. 

 

جئت لأكون معك يا مريم في هذا المكان الذي أنت فيه

 

لأنك هنا على الدوام، ببساطة لأنك مريم، ببساطة لأنك موجودة، لكِ الشكر يا أم يسوع المسيح!