الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

بيير بوفاتشى يكتب: نابليون برؤية ريدلى سكوت.. هل يجب أن نحترم التاريخ كما تقدمه السينما؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ أيام ظهرت أولى لقطات لفيلم ريدلى سكوت نابليون؛ وأقل ما يمكننا قوله وقد انبهر الناس بالفيلم ومخرجه وبطله خواكين فينيكس تمامًا مثلما ينبهرون بنابليون نفسه.
قد يشعر البعض بالإهانة من الأخطاء التاريخية العديدة الموجودة فى الفيلم؛ وقد يدافع البعض عنه بدعوى الرؤية الفنية وبحجة أن الفيلم يعبر عن رؤية المخرج، وأنه لا توجد حقيقة تاريخية ثابتة. لاشك أن كل وجهتى النظر صحيحتان بقدر ما هما خاطئتان؛ وغنى عن البيان أننا هنا لا نحكم على فيلم لم يصدر فى الأسواق بعد، ولكننا نتحدث عن المقطع الدعائى الذى يقدم للفيلم وقبل كل شيء الأسئلة والمناقشات التى يثيرها والتى تكشف عن عصرنا.
لعب ريدلى سكو دور اليويو خلال مسيرته المهنية، ومن بين أفضل أفلامه فإن «جلاديوتر» ليس نموذجًا حقيقيًا للحقيقة التاريخية. ومع ذلك، فإن العمل بارع.. كما قدم سكوت للسينما أشياء أقل روعة مثل روبن هود أو بروميثيوس الذى يعتبر إنجازا فى كونه إهانة للخيال العلمى والسينما، وقد قام سكوت بالتخلص من فيلمه. لذلك لا يمكننا مدح الفيلم مقدمًا، كما أننا لانغض الطرف عن فيلم قد يثير الدهشة أيضًا.
ولكن ما الأخطاء التى تجعل أصوات المتحمسين تعلو أكثر من أصوات المتخصصين الذين يرون فى مثل هذا النوع من الافلام على أنه عمل تاريخى ؟ يمكننا أن نتذكر افتتاح المقطع الدعائى لإعدام مارى أنطوانيت ووجود بونابرت فى هذا الحدث التاريخى رغم أنه كان وقتها فى طولون لكن دعونا نتذكر أن مونتاج الإعلان الدعائى قد يكون مضللا ولا يعبر عما يدور فى الفيلم. كما نلاحظ الموقف المتعجرف للمحكوم عليهم: إنها الأيقونات الأنجلو سكسونية.
من الواضح أن شخصية نابليون هى الشخصية المحورية فى هذا الاعلان. فقد ظهر أكبر سنا عما كان عليه فى الحقيقة وقد تم إبرازه كضابط مدفعية على حساب أخطاء متعددة. فى اللقطة الأولى يظهر نابليون مغرما بإطلاق مدفعه الضخم على النساء والمعاقين وأهرامات مصر والجليد فى روسيا لإغراق الفرسان الروس الفقراء فى المياه المتجمدة لبرك ساتشان. ولا شك أن بونابرت لم يطلق النار فى ١٣ Vendémiaire على حشد غير مسلح، ولكن على٢٥٠٠٠ من الملكيين المسلحين الذين حاصروا المؤتمر الوطنى مما أسفر عن مقتل حوالى ٣٠٠ شخص.. أى شيء آخر فهو خطأ! ونراه أيضًا يتأمل تمثال أبو الهول بالجيزة مما قد يوحى بتناول الشخصية بشكل يبرزها على أنها شخصية معقدة ودعنا نتجاوز عن أخطاء الزى الرسمى والأعلام والتى قد تثير غضب المتحمسين الذين يصعب إرضاؤهم.
اللقاء مع جوزفين مثير للجدل؛ فقد أظهرها أصغر منه بكثير مع أنها فى الحقيقة كانت أصغر منه بست سنوات. عندما سألته عن اسمه أجاب: «نابليون» مما يشعر البعض بالخطأ على أساس أنه لم يكن نابليون (الإمبراطور) بعد ولكن بونابرت. فى الواقع فإن استخدام الاسم الأول هو بالتأكيد من وحى الثقافة الأنجلو سكسونية إذ كان سيقدم نفسه على أنه «المواطن بونابرت» أو على الأرجح «الجنرال بونابرت».هذا اللقاء لاشك موضع العديد من الرؤى التاريخية. من الصعب فى ضوء هذه المقتطفات القليلة التعليق على طبيعة علاقته بجوزفين فى الفيلم خاصة أنه تم تقديمها على أنها محور العمل. كذلك سننتظر لاتخاذ قرار بشأن اللهجات النسوية المستخدمة فى الفيلم والتى عفى عليها الزمن، ولكنها ذات دلالة على هذا العصر.


برومو قد يكون مضللا
ما يثير القلق هو العناوين البينية التى تفصل بين لقطات الفيلم: «إمبراطور - عاشق - طاغية - أسطورة». قد تكون هذه العناوين ذات دلالة على توجه صانعى الفيلم، وبالتالى سيقدم ريدلى سكوت نابليون على أنه طاغية وهو ليس أمرا صادما من قبل الثقافة الأنجلوساكسونية، ولكنها ستشكل حقيقة معاكسة إذا حاول أحدهم وضع تعريف لكلمة طاغية. لكن هل قام ريدلى سكوت بصياغة هذا المقطع الدعائى بنفسه؟ يجب ألا ننسى أننا أمام عملية تسويقية.
تبدو موسيقى الفيلم غير مناسبة لفيلم «تاريخى» لكنها كانت موضة ظهرت منذ عدة سنوات لصناعة الأعمال السينمائية بموسيقى تصويرية حديثة لايتناسب مع الزمن الذى تدور فيه الأحداث من أجل خلق تباين. يمكن أن يكون هذا ناجحًا جدًا (على سبيل المثال فى سلسلة Peaky Blinders)، ولكنه قد يؤدى الى خروج المشاهدين من السينما. يعتمد ذلك على ذوق المشاهد. لاحظ أن موسيقى المقطع الدعائى قد لا تكون موسيقى الفيلم نفسه وأنه من الأفضل عدم الحكم على هذه النقطة.
احترام التاريخ
السؤال مع فيلم نابليون هذا أو غيره من الأفلام التى تتحدث عن هذا الموضوع هى هل هى حقا مشكلة احترامه للتاريخ؟ كان ديماس يقول: «إذا انتهكت التاريخ فقد منحته أطفالًا جميلة!».. أسباب عديدة يمكن أن تبرر عدم احترام الحقائق التى أسسها المؤرخون. ومن الواضح أن أولها وأكثرها قابلية للفهم هو الاعتبارات التقنية، كما أننا نتساءل كيف يمكن لسكوت الاحتفاظ بكل ما يريد قوله فى فيلم مدته ساعتان ونصف، وهو رهان آمن يؤكد وجود نقص فى الأحداث والشخصيات الرئيسية التى يمكن أن تساعد فى تأطير هذه الفترة وفهمها. على سبيل المثال لم نشاهد يواكيم مراد فى هذه المقتطفات. من ناحية أخرى يمكن أن يكون كتابة السيناريو لتسهيل فهمه من قبل الجمهور أو من أجل نقل رؤية المخرج حول الموضوع. إذا استطعنا فهمنا رؤية المخرج فإننا لسنا مجبرين على الموافقة عليها والفيلم الذى تتم مناقشته غالبًا ما يكون فيلمًا جيدًا. 
إذا كان الكثيرون يخافون من رؤية صورة سلبية للإمبراطور، فذلك يرجع أساسًا إلى عدم وجود ثقل سينمائى مماثل يعطى رؤية مختلفة. وهنا يجب التشكيك فى معالجتنا للتاريخ الفرنسى.. أين الأفلام الفرنسية الحالية التى تتعامل مع ماضينا بدون تبنى نهج الضحية؟ إذا كان من دواعى سرورنا أن بث فيلم نابليون للمخرج ابل جانس ليعاد تقديمه عام ٢٠٢٣ فمن المحتمل أن يسارع عدد قليل من المشاهدين للذهاب لمشاهدة فيلم صامت مدته سبع ساعات يرجع تاريخه إلى عام ١٩٢٧. وأين هى اللوحة الجدارية الفرنسية الحديثة عن حياة نابليون أو فى أى حلقة من تاريخ فرنسا الغنى والتى تتعامل مع ماضينا بطريقة هادئة؟ ما زلنا ننتظرها. وهذا يثير مسألة إدارة السينما الفرنسية والأموال التى تنفق حصريًا على الكوميديا العائلية وأفلام المؤلفين.
التشكيك فى طريقة تعاملنا مع التاريخ
لا يهم كثيرًا ما إذا كان فيلم ريدلى سكوت يحترم الحقيقة التاريخية أم لا: لا يوجد عمل، مهما كان وثائقيًا - أو حتى علميًا – يعبر بشكل صحيحً تمامًا عن عصر فقد روحه إلى الأبد. بالتأكيد، قد نقترب من هذه الروح قدر الإمكان لكن من السخف توقع ذلك من ريدلى سكوت. يجب أولًا أن ننظر إلى هذا الفيلم كموضوع إعلامى وتاريخى. يجب ألا نشاهده على أنه «هذه هى قصة نابليون» ولكن على أنه «هذا ما يريد مدير الثقافة الأنجلو ساكسونية أن يخبرنا به عن نابليون فى عام ٢٠٢٣». الأمر متروك للمشاهد الذى يمتلك القدرة والرغبة والعقل لوضع العمل فى سياقه ولتشكيل رؤيته الخاصة.
نحن لسنا خائفين من الفيلم نفسه، ولكن نخشى أن يأخذه المتفرجون حرفيًا. ومع ذلك لا ينبغى إلقاء اللوم على ريدلى سكوت فى مثل هذه القضية، ولكن عدم وجود تعليم من معاصرينا. وهكذا، إذا كنت تخشى صورة سلبية للإمبراطور نابليون فى هذا الفيلم فإن اول رد فعل لك هو عدم حرمان نفسك من مشهد سينمائى فخم، كما أنه لا يمكنك انتقاده دون رؤيته، كما علينا اتخاذ موقف ضد الافتقار إلى الثقافة التاريخية فى مجتمعنا والتى تمنع المواطنين من امتلاك مفاتيح إعادة العمل إلى سياقه ورؤيته على حقيقته. عمل يمكننا تحليله وانتقاده ومواجهته برؤية فنية أخرى ولكن لا يمكن إنكار وجوده وتأثيره وأهميته.

معلومات عن الكاتب: 
بيير بوفاتشى، كاتب فرنسى حاصل على دكتوراة فى التاريخ.. ينضم للحوار بهذا المقال الذى يعرض فيه رؤيته لفيلم فرنسى جديد عن نابليون بونابر