الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

د. عبد المنعم سعيد يكتب: الإخوان..و30 يونيو 2013.. سلسلة كبيرة من المغالطات والأخطاء والخطايا فى مقال إخوانى بمجلة أمريكية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نشر «شادى حميد» مقالًا فى دورية «السياسة الخارجية Foreign Policy» بتاريخ الثانى من يوليو الجارى تحت عنوان «دروس من أجل الربيع العربى القادم: عشر سنوات بعد انقلاب مصر، فعلى واشنطن تعلم أن الاستقرار السلطوى وهم».
المؤلف ولد فى ولاية بنسلفانيا الأمريكية عام ١٩٨٣من أسرة مصرية مسلمة هاجرت مع آخرين من الإخوان المسلمين الذين تركوا مصر فى ستينيات القرن الماضى إلى كندا أولًا ثم ثانيًا الهجرة منها إلى الولايات المتحدة.
الآن وبعد مسارات تعليمية مختلفة، فإنه يعمل حاليا فى «مؤسسة بروكينجز» فى الدراسات الإسلامية، وهو ما يفعله أيضا كأستاذ باحث فى «مجمع فوللر» أو Fuller Seminary فى الدراسات الإسلامية أيضًا، فى سابقة أولى لهذه المؤسسة فى استضافة باحث مسلم للتدريس بها.
جوهر جميع أعمال الباحث يقوم على حمل رسالة الإخوان المسلمين إلى العالم الغربى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والتى تركز على تاريخها المعاصر.
خلاصة وجهة نظر الرجل هى أن الدول العربية جمعاء يحكمها نظم سلطوية وأنه على الولايات المتحدة التركيز على تحقيق الديمقراطية فيها إذا ما أريد لها الحصول على الاستقرار ومقاومة العنف والإرهاب.
والمرشح لهذه المهمة «الديمقراطية» هى جماعة الإخوان المسلمين المعبرة عن الإسلام «الوسطى» و«المعتدل» و«الليبرالى» أيضا. فى هذا المقال الأخير فإنه يركز على الكيفية التى أدارت بها الإدارة الأمريكية الأحداث المرتبطة بثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ المصرية والتى يراها قد جنحت إلى الوقوف إلى جانب الجيش المصرى بحثا عن استقرار «زائف»، لن يتمكن من الصمود كما حدث من قبل أثناء «الربيع العربى» الأول الذى تجسد فى صورة ثورة مصرية فى ٢٥ يناير ٢٠١١.
فى رأى حميد أن الإدارة الأمريكية كان بمقدورها بما تقدمه لمصر من معونات وتسليح أن تمنع الجيش المصرى من الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي؛ وبعد ذلك يقوم باستعادة الديكتاتورية التى تقوم بعمليات العسف بالحريات العامة، وجماعة الإخوان، وتحقيق ما سمى «مذبحة رابعة». 
المقال الحال وكتابات حميد السابقة دارت حول سلسلة كبيرة من المغالطات والأخطاء والخطايا المجافية لكل أشكال الحقيقة فيما حدث بالفعل فى مصر؛ والدوران طوال الوقت حول فكرة «الانقلاب» فى مقابل «الديمقراطية» الإخوانية أيا ما كان واقعها الفاشى. 
الخطيئة الأولى فى سردية «حميد» هى أنها استلبت تماما من المشهد المصرى فكرة «الإرادة الشعبية». وكما هو الحال فى «المفاهيم» الجمعية فإنها صعبة الترجمة العملية. ولكن ما حدث أن الشباب المصرى نجح فى وضع المفهوم تحت الإختبار من خلال جمع التوقيعات حول ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وكان ما تم جمعه خلال شهرين تقريبا «٢٨ أبريل إلى ٢٨ يونيو ٢٠١٣» هو أكثر من ٢٢ مليونا.
جمع التوقيعات كان تفكيرا ممتدا فى التاريخ المصرى منذ ثورة ١٩١٩ عندما قام الشعب المصرى التوكيلات لتفويض «الوفد» المصرى بزعامة سعد زغلول من أجل التفاوض مع بريطانيا من أجل استقلال مصر وزوال الاحتلال الإنجليزى عنها.
تولد عن الخطيئة الأولى خطيئة ثانية هى إسقاط مظاهرات الثلاثين من يونيو التى زادت على ثلاثين مليونا من التحليلات والتعليقات والسياسات الأمريكية. لقد وفى بالعهد هؤلاء الذين وقعوا، ونزلوا إلى الشوارع والميادين، معلنين نفس المطالب التى وقعوا عليها.
وما كان على المصابين بحالة الإنكار إلا أن وقعوا فى خطيئة ثالثة من نفس النوع وهى تجاهل أن هؤلاء الملايين تجمعوا حتى يوم الثالث من يوليو، ثم نزلوا مرة أخرى فى اجتياح بشرى مبهر يوم ٢٦ يوليو إستجابة لطلب الفريق أول عبد الفتاح السيسى بأن تعطيه الجماهير «تفويضا» بمقاومة الإرهاب. 
الخطايا الثلاث الأولى فيما قاله حميد والفكر الأمريكى والغربى عامة بصدد الحالة المصرية كان مستبعدا لموقف الجماهير المصرية وإرادتها تهربا من استحقاق ديمقراطى وهو أن الشعب فى النهاية هو مصدر السلطات، واستبدال ذلك «بميكانيكا» الديمقراطية وهى الصفة التمثيلية التى تأتى عن طريق صناديق الانتخابات.
كان فى ذلك إنكار لأن تعود الوديعة إلى أصحابها فى لحظات نادرة من التاريخ تجد الشعوب نفسها تأخذ الأمر بيدها وتمارس الأمر مباشرة خوفا من لحظة قادمة تجمعت نذرها فى الأفق وتقول أن ما جرى من تمثيل وانتخاب لن يتكرر مرة أخرى، وهو ما شهد عليه قانون الانتخاب الذى كان يعده الإخوان واعترضت عليه المحكمة الدستورية العليا لأنه كان يعنى ببساطة أن أحدا لن ينجح فى الانتخابات سوى الإخوان.
الخطيئة الرابعة جاءت من اختطاف التغيير فى مصر كله ووضعه فى عنوان «الانقلاب العسكرى». وبغض النظر عن حالة النفاق التى سادت سردية الإخوان عندما لم يقارن أحد من المدافعين عنها بين ما جرى فى يوليو ٢٠١٣، ويناير ٢٠١١، عندما تدخلت القوات المسلحة أيضا استجابة للإرادة الشعبية للإطاحة بحكم الرئيس السابق محمد حسنى مبارك.
المدافع عن الجماعة أسقط من ذاكرته حقيقة أن القوات المسلحة المصرية لم تتحرك إلا بعد ثلاثة أيام من الثورة الشعبية، وكان لرئيس الجمهورية فيها الحق التام فى الاستجابة لرغبات الجماهير فى الإعلان عن انتخابات مبكرة.
ولذا كانت الخطيئة الخامسة منطقية وهو أن مؤلف المقال ومقالات سابقة لم يذكر شيئا عن أن الجيش المصرى عرض على رئيس الجمهورية خلال يومين، الأول والثانى من يوليو، أن يعرض الأمر على استفتاء شعبى ليتبين له بما لا يوجد فيه مجال للشك أين توجد إرادة الجماهير. عند ذلك فقط لم يجد الجيش المصرى بد من الاستماع إلى طلب الشعب.
مثل هذا التسلسل التاريخى يوضح كيف أن الخطايا الخمس الأولى وضعت الأسس للخطايا الخمس التالية حيث كان هناك انعقاد النية لدى المؤلف على تجاهل الأمور التى تخص جماعة الإخوان وحلفائها من الجماعات المتأسلمة وحتى الإرهابية.
الخطيئة السادسة نظرت إلى الاعتصامات على أنها سلمية مثل تلك التى تجرى فى البلدان الغربية حيث لا سلاح ولا أطفال ولا نساء يستخدمون كدروع بشرية ويجرى فيها التحريض على العنف، والتهديد بحرق البلاد والعباد.


مثل هذا كان يجرى فى مصر بصورة يومية وعلى منصة اعتصامى رابعة والنهضة ويتم نقل ما فيه عبر القنوات التليفزيونية، ولم يكن الأمر يحتاج ما هو أكثر من الترجمة من اللغة العربية التى جرى فيها التهديد الصريح والمسجل تلفزيونيا بحرق مصر كلها، إلى الإنجليزية التى كان الإخوان يتحدثون بها عن الديمقراطية والسلمية والشرعية.
وهكذا كان منطقيا أن تأتى الخطيئة السابعة وهى التجاهل التام لحقيقة أن الاعتصامات لم تكن ساكنة بل كانت متحركة، ورغم ما ركزت عليه الدعاية الغربية عن «المذابح» التى جرت عند نادى الحرس الجمهورى وعند المنصة على طريق صلاح سالم السريع إلا أنها تجاهلت حقيقة أن كلاهما جرى فى ساعات الصباح الأولى بعد أن تركت جماعات من المعتصمين مكانها لقطع الطريق ومحاولة شل الحياة فى مدينة كبيرة مثل القاهرة.
هنا كانت الخطيئة الثامنة وهى أن الاعتصامات «المسلحة» كان لها ظهير أكثر تسليحا وتدريبا وإرهابا ممثلا فى الجماعات الإرهابية التى تمركزت فى سيناء والتى اعتمدت استراتيجية تقوم على محاولة إنهاك القوات المسلحة المصرية من ناحية، ومحاولة جر إسرائيل إلى المعركة المصرية من خلال عمليات صاروخية بمعاونة حماس تدفعها إلى الرد العنيف ومن ثم كسر معاهدة السلام بين البلدين.
كل ذلك لم يشاهده «شادى حميد»، وكثرة من الساسة الأمريكيين، ومع هذا العمى المعلوماتى والتحليلى جاءت الخطيئة التاسعة المنطقية وهى الفشل فى التعرف على توازن القوى، وكان الخطأ فى الحسابات مروعا.
والبداية كانت الفشل فى إدراك قوة الدولة المصرية ممثلة فى الحالة «الوطنية» المصرية، وقوة المؤسسات التى وقفت فى وجه الإخوان من القوات المسلحة والقضاء والمؤسسات الأمنية سواء كانت الأمن العام أوالمخابرات أو الأمن الوطنى أو الإعلام أو الأزهر والكنيسة وغيرهم، فكانت المعركة بين الدولة كلها شعبا ومؤسسات ضد جماعة سياسية فاشلة مع حلفائها.
ولكن ربما كانت المفاجأة الكبيرة فى تقدير العون الذى قدمته الدول العربية الشقيقة سواء كانت المملكة العربية السعودية أو دولة الإمارات العربية أو الكويت، والتى قلبت المعايير كلها، وجعلت من التهديد بوقف المساعدات الأمريكية مجرد فقاعة لا تعنى شيئا.
الخطيئة العاشرة جاءت بفشل الإدراك الأمريكى الذى غذاه شادى حميد أن جماعة الإخوان توقفت أن تكون منافسا على حكم مصر، فمن يريد حكم بلد لا بد أن يحافظ عليها، وعلى مؤسساتها، ولا يجعل من أول أهدافه هدمها وإحراقها. ساعتها خرج الإخوان من المعادلة المصرية ولم يخرجهم أحد لأنهم فشلوا فى فهم معنى قيادة دولة. 
مسيرة الإخوان أثناء فترة حكمهم لمصر لم تعطهم أكثر من عام واحد، بعده لم يكن باستطاعة الشعب المصرى القبول بهم. ظهر ذلك عندما قام محمد مرسى فى شهر نوفمبر ٢٠١٢ بعد توليه السلطة بشهور قليلة بالإعلان الدستورى الذى قام فيه باحتكار كل أركان السلطة فى شكل ديكتاتورى فاسد لم يجد بعده من غضاضة فى حصار «المحكمة الدستورية العليا»، ولا حصار «مدينة الإنتاج الإعلامى» ولا التدخل فى أعمال السلطة القضائية نتيجة كشفها لما قام به الإخوان أثناء ثورة يناير من اقتحام السجون، والتعاون مع تنظيم حماس الفلسطينى، وحزب الله اللبنانى فى الإفراج عن الإرهابيين.
مع الاختراق الثقيل لكل المؤسسات المصرية بهدف السيطرة عليها ووضعها تحت الإدارة الكاملة للإخوان المسلمين الذين رغم وصولهم إلى الحكم، فإنهم أبقوا تنظيمهم سريا، وتمويلهم محجوبا، وتسليحهم كامنا.
وفى الواقع أنه اعتبارا من يوم ٢٠ يونيو ٢٠١٣ وقبل أن تقدم القوات المسلحة المصرية طلبا إلى القوى المدنية أن تسعى إلى تحقيق الاستقرار فى البلاد خلال أسبوع، فإن جماعة الإخوان بدأت فى احتلال الميادين العامة استعدادا للمواجهة المقبلة. وعلى مدى ٥٤ يومًا كاملة ظل «اعتصام رابعة» قائما وساعيا لشل الحياة فى عاصمة الدولة المصرية. 
ما ظل غائبا ومسكوت عنه فى مقال شادى حميد وما قبله من مقالات وكتب أن يوم ٣ يوليو لم يشهد انقلابا وإنما تلاقيا بين القوات المسلحة وجميع القوى المدنية فى مصر ممثلة فى الأزهر الشريف، والكنيسة المسيحية، وجبهة الإنقاذ التى احتوت كافة الجماعات والأحزاب السياسية، وممثلين لحزب النور الإسلامى، والمرأة وشباب «تمرد» الذى جمع التوقيعات المشار إليها. ٣٠ يونيو كان ثورة كاملة مثلت مشروعا وطنيا مصريا لبناء مصر من جديد، وهى فكرة لم تطرأ على الإخوان المسلمين فى السلطة.