الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

سيباستيان ماركو تورك يكتب: نظرية «الووكيزم».. رهان أساسى فى الانتخابات البولندية لخريف 2023

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تُجرى فى أكتوبر٢٠٢٤ فى الولايات المتحدة انتخابات على قدر كبير من الأهمية كما تجرى فى بولندا أيضًا انتخابات حيث ستتم مناقشة نفس القضية، وستكون النتيجة فى وارسو أكثر أهمية بالنسبة لأوروبا، حيث يقف معسكر دونالد تاسك فى مواجهة حزب القانون والعدالة والأحزاب الأخرى، ومن الصعب فى وقتنا الحالى التنبوء بنتيجة هذه الانتخابات لكنه ليس مستحيلا ولفهم ذلك علينا أن نتذكر بعض الحقائق.
حققت مظاهرة القوة التى قام بها المعسكر اليسارى فى ٤ يونيو ببولندا نجاحا كبيرا؛ فقد شارك فى هذه المظاهرة ما بين ٢٠٠٠٠٠ و٣٠٠٠٠٠ نسمة وذلك يمثل ما بين ٠.٥ و٠.٧٥٪ من سكان بولندا البالغ عددهم ٤٠ مليون نسمة وبالفعل يعتبر هذا رقما كبيرا لكنه ما زال نسبيا ولنعود بالذاكرة إلى سقوط سور برلين فى أوروبا الشرقية، حيث كان عدد المحتجين كبيرا إلا أن النتائج كانت ذات طابع إجمالي.
ستشهد الانتخابات الأمريكية والبولندية أطول حملة انتخابية؛ فلم يكن الرابع من يونيو فى بولندا هو يوم التنصيب إذ اتفق أنصار اليسارعلى تشويه سمعة يوحنا بولس الثانى فقد اتهموا بالفعل منذ عدة شهور البابا بالتستر على الاعتداء على الأطفال.
وأولئك الذين هم على علم بحقائق الأمور يعرفون الآتى إذا كان من الصعب تشويه سمعة المنافس السياسى (حزب القانون والعدالة) وإخراجه من السلطة فقد استخدم خصومه الأسلحة النووية بتشويه سمعة يوحنا بولس الثانى وسعوا جاهدين إلى الإساءة إلى كل من يرى فى البابا رمزا للقيم الإنسانية التقليدية (الأسرة، الإيمان، الثقافة، الأمة). ولم يقتصر هذا الأمر فى بولندا فقط. وبالتالى فقد امتد الهجوم على البابا السابق واتسع ليشمل كل من تعاطف معه فى أوروبا. 
وفى الحقيقة، لم يأت ترشح دونالد تاسك لرئاسة الحكومة البولندية من قبيل المصادفة ويروى فيلم "رجلنا فى وارسو" الذى سجل رقما قياسيا من حيث المشاهدة، أن الرئيس السابق للمجلس الأوروبى كان من الشخصيات المعروفة فى بروكسل وبرلين وموسكو أى أنه ينتمى إلى مراكز القوة التى تزعج أصحاب النزعة الأوروبية التقليدية؛ حتى أن بوتين هاجمه بالأسلحة إذا اعتبرنا أن العدوان على أوكرانيا هو عدوان على ذلك الجزء من أوروبا الذى كان أقل تضررًا بحملة "استيقظ".
كما دخلت بروكسل وبرلين فى صراع ضد البيئة التقليدية للإنسان الغربى التى هى الترسانة الأيديولوجية التى ذكرناها سابقا.. أما دونالد تاسك فله رأى إيجابى فى هذا الأمر!
فى أكتوبر ٢٠١٧، ظهرت وثيقة أثارت جدلا كبيرا بين مواطنى الاتحاد الأوروبى تحمل عنوان "التواصل الشامل".. أكثر من ١٦ صفحة تنطوى عن طريقة تحدد كيفية استخدام لغة أكثر حيادية وقابلية لدى مجتمع LGBT +. وكان دونالد تاسك هو صاحب المبادرة وكان حينها رئيسا للمجلس الأوروبى وقد وقع على الوثيقة بالإضافة إلى مسئول آخر غير معروف يبدو أنه كان مسئولا عن التنفيذ العملي. وجاءت هذه الوثيقة كجزء من خطة تقرها المفوضية الأوروبية لإنشاء "اتحاد للمساواة".
وبعد ثلاث سنوات تم اعتماد النضال من أجل "التحرر الطبقي" الذى نادت به الماركسية أو النضال من أجل "التحرر القومى أو العنصري"، الذى نادت به الفاشية والنازية تم اعتماد هذه الفكرة فى الاتحاد الأوروبى ولكن هذه المرة باسم من النضال من أجل "كل تحرير". إنها واحدة من أكثر الوثائق التى لا تشوبها شائبة إذا اعتبرنا أن هذه الوثيقة قائمة على أيديولوجية "الووك" وفى الحقيقة نحن نرى أن فرضياته الأساسية أصبحت موضع التنفيذ ولقد قام أصحاب هذه الفكرة بعمل ممتاز.
وبالفعل نحن إذن أمام شمولية ناعمة باسم "الإنسانية" المجرّدة تنكر الأشخاص الموجودين البالغ عددهم حوالى أربعمائة وخمسين مليونًا، من مجموع عدد الأشخاص بالاتحاد الأوروبي.. لقد أصبح كل شيء تحت سيف طمس الهوية: طريقة الحياة، التواصل؛ العادات والتفكير، بما فى ذلك النوع الذى كانت له أهمية خاصة فى وثيقة دونالد تاسك.
ومع ذلك فإن هذا الحماس يثير الدهشة: فالمنهج حول الاستخدام الشامل للغة مكرس بالكامل تقريبًا للقضاء على الفروق بين الجنسين. بادئ ذى بدء، دعا الرئيس السابق للمجلس الأوروبى إلى وضع مصطلحات "monsieur et madame" فى اطارها الصحيح مشيرًا إلى أنهما غير مناسبين فى عصرنا. لذلك سيكون من الضرورى البحث عن اسم أكثر ملاءمة للأحداث الحالية.
ولهذه الغاية، اقترح سلسلة من الاختصارات الجديدة التى ليست لها دلالة: فاستخدام "Ms et Mr" لا تشير إلى الحالة الاجتماعية للشخص بخلاف. "Ms et Mr" ويفضل استخدام "Ms" ما لم ينص على خلاف ذلك. تُستخدم صيغة "Ms" بشكل عام للإشارة إلى مصطلح "التيار الرئيسي" والذى استخدم بالفعل من الناحية الدلالية ومن الصعب أن نتكهن بما تعنيه الوثيقة باستخدامها لهذا الاختصار "Ms".
وبعد ثلاث سنوات وعلى خطى هذا المنهج تم إطلاق وثيقة جديدة موقعة من قبل المفوض دالى تحمل اسم "دليل عام ٢٠٢١". ذهبت هذه الورقة إلى ما هو أبعد من ذلك. ذلك أن الوثيقة الأولى قد "مهدت الأرضية" بالفعل اقترحت هيلينا دالى التخلى تمامًا عن مصطلحات "سيدي" و"سيدتي"، والتى ينبغى استبدالها بمصطلح "زميل".
ولكن الأمر لا يبدو بريئا على الإطلاق ذلك أن التوافق مع النظام الشمولى قد أصبح واضحا. فبعد ثورة أكتوبر إذا بروسيا تفعل نفس الشيء واستبدلت مصطلح "سيدى وسيدتي" بتعبير "الرفيق" الذى يعادل كلمة "زميل" وهو ما حدث فى البلدان التى ترسخ فيها نفوذ الاتحاد السوفيتى بعد عام ١٩٤٥. على الجانب الآخر من الستار الحديدي، اختفى مصطلح "سيدتي" و"سيدي".


إن ما اقترحه دونالد تاسك بصفته رئيسًا للمجلس الأوروبى يتعارض بشكل صارخ مع قرارات البرلمان: القرار الخاص بالهوية الأوروبى والاستبداد الصادر فى ٢ أبريل ٢٠٠٩ والقرار رقم ١٤٨١ للجمعية البرلمانية للاتحاد الأوروبى الصادر فى ٢٥ يناير ٢٠٠٦ بشأن الإدانة الدولية لجرائم الأنظمة الشيوعية الشمولية وكذلك قرار الاتحاد الأوروبى برلمان ١٩ سبتمبر ٢٠١٩ حول أهمية الذاكرة التاريخية الأوروبية لمستقبل أوروبا.
إن الحماسة التى يعمل بها كبار المسؤولين من أجل "الحظر" و"الاستبدال" لا تتوقف عند هذا الحد. ان السعى نحو محو المسيحية أزعج دونالد تاسك صاحب المبادرة الذى أكد فى كتيبه: "نحن لا نتصور بشكل أعمى أن الناس لديهم معتقدات دينية ونفضل استخدام "الاسم الأول" أو "اللقب" بدلًا من ألقاب المسيحية.
من الواضح أن المسيحية تزعج الرئيس السابق للمجلس الأوروبى منذ توقيعه على الوثيقة. وقد وجدت البذرة تربة خصبة. فبعد بعد ثلاث سنوات جاءت وثيقة هيلين دالى يمكننا أن نقرأ: "علينا أن نتجنب افتراض أن الجميع مسيحيون..."، وتم التأكيد على أنه "لا يحتفل الجميع بالأعياد المسيحية ولا يحتفل بها جميع المسيحيين فى نفس الوقت".
نحث المواطنين على تجنب عبارات مثل "وقت عيد الميلاد يمكن أن يكون مرهقًا". بدلًا من ذلك، يتم تشجيعهم على استخدام لغة مثل "قد يكون موسم الأعياد مرهقًا. الأسماء المسيحية مزعجة أيضًا: يجب استبدالها بأسماء لا تعبر عن الانتماء إلى هوية دينية. يُنصح باستخدام الاسمين "مليكة وخوليو" بدلًا من "ماريا وجون".
وهكذا، سيتم تغيير اسم الإمبراطورة مارى تيريز إلى "مليكة تيريز" بشرط ألا تعبر "تيريز" عن اسم مسيحي. وربما يأتى اليوم ونرى إعادة تعميد ابنتها مارى أنطوانيت - من يعرف؟ لا داعى للتأكيد إن مثل هذه الاقتراحات تتعارض مع القرارات السابق ذكرها. ذلك أن هذه القرارات تشكل منصة عالمية تدين الاتحاد الأوروبى من خلالها جميع الأنظمة الشمولية ويحظر إعادة إنتاج أى مخطط شمولي.
لذلك لا يوجد مكان فى أوروبا لثورة شاملة. الوثائق المعتمدة على مدى العقود تحظر ذلك صراحة. من الواضح أن الرئيس السابق للمجلس الأوروبى والمرشح حاليًا لمنصب رئيس وزراء بولندى جديد، يتعارض مع منطق الاتحاد الأوروبى نفسه. وإلا كيف يمكننا تفسيرموقفه؟
إن تغيير أسماء الأشخاص باعتباره المثال الأكثر وضوحا إلى أسماء أكثر شمولية ليس سوى تشابه مع الفكر الذى أرسته الفاشية الإيطالية ثم النازية. ما اقترحه دونالد تاسك فى البداية ثم تبنته هيلين دالى يمثل توازيًا مع الإجراءات التى أدخلها الفاشيون الإيطاليون والتى تسمى "تطهير الحدود".
ففى الفترة ما بين عامى ١٩٢٢ و١٩٢٦ (تحت حكم موسوليني) تمت إعادة تسمية أسماء الأشخاص والأماكن بشكل من شأنه أن يمحو التمييز بين الأسماء السلوفينية والكرواتية من جهة والأسماء الإيطالية من جهة أخرى (كانت إيطاليا تحدها من الشمال الشرقى مملكة يوغوسلافيا السابقة. حيث عاش السلوفينيين والكروات).لم تعد "جانيز" "جوليو"، بل أصبحت "جيوفاني"، ولم تعد "ماريجا" "ماليكة"، بل أصبحت "ماريا".
وهكذا: "فى المرحلة الأولى من إضفاء الطابع الإيطالى على الألقاب والأسماء الصحيحة تم تكييف جميع الألقاب مع قواعد اللهجة الإيطالية. فى المرحلة الثانية التى بدأت فى عام ١٩٢٦ تم إضفاء الطابع الإيطالى على الألقاب أيضًا (على سبيل المثال فقد أصبحت أنتونسيش "أنتونيللي"). كما تم إضفاء الطابع الإيطالى على أسماء الأماكن". وقد فعل الألمان الشيء نفسه أعادوا تسمية أسماء الأماكن: فى سلوفينيا (يوغوسلافيا السابقة) فقد تحولت ماريبور الى "ماربورغ"، إلخ. كما بدأوا أيضًا فى إضفاء الطابع الألمانى على الأسماء الشخصية.
فى الانتخابات التى ستشكل نقطة تحول سيصبح على بولندا إما أن تسيرعلى مسار إيديولوجية الصحوة وإما أن تبقى أوروبية بشكل طبيعى ويتمثل التحدى الرئيسى للحكومة الحالية فى وارسو فى شخص لا يهتم بالمسيحية ولكنه يقترب أكثر من الممارسات التاريخية المثيرة للجدل عند تأكيد معتقداته.
ومن اللافت للنظر أنه يعطى لنفسه مظهر المحافظ وهو ما لا يتوافق مع قناعاته التى يعبر عنها علنًا خاصة وأن فكره قريب من الشمولية لذلك يجد أنصاره صعوبة فى تشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى وبعد الانتخابات سنجد أنفسنا أمام مجموعة ائتلافات فى وارسو. إنها صدف غريبة ولكن وفى ظاهر الأمر لا يجب أن يشكل هذا تحديا أمام الناخب البولندى التقليدى فى انتخابات الخريف المقبل.

  معلومات عن الكاتب: 
سيباستيان ماركو تورك.. دكتوراة فى الآداب من جامعة «السوربون» باريس وأستاذ جامعى، يناقش السيناريوهات المتوقعة للانتخابات البولندية فى ظل مفاهيم متعددة وفق قوانين الاتحاد الأوروبى.