رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

الحياة فى غزة.. صدمة لا تنتهى.. التصعيد الأخير أدى إلى استشهاد 33 فلسطينيًا وتدمير 100 مبنى

الحياة فى غزة صدمة
الحياة فى غزة صدمة لا تنتهى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في بداية شهر مايو، أدى تصعيد جديد للنزاع مع إسرائيل إلى عمليات قصف أدت إلى استشهاد ٣٣ فلسطينيًا وتدمير مائة مبنى وحرمان أكثر من ٢٥٠٠ شخص من منازلهم. 


ووسط اندلاع أعمال العنف، تعالج المنظمات غير الحكومية الضرر النفسي الذي عانى منه المدنيون.


بين الثلاثاء ٩ مايو والسبت ١٣ مايو، شهد قطاع غزة "تصعيداً" جديداً للصراع مع إسرائيل. 


وأطلق الجهاد الإسلامي حوالي ١٥٠٠ صاروخ في الأراضي الإسرائيلية مما أسفر عن مقتل شخصين. وفي قطاع غزة، أودى القصف الإسرائيلي بحياة ٣٣ شخصا، تم تدمير ٩٣ مبنى وأصبح ١٢٨ مبنى غير صالح للسكن وتم تشريد ٢٥١٦ شخصًا تم دفن القتلى بسرعة وتم إخلاء الأنقاض ستتم إعادة بناء المباني الأخرى بلا شك، لكن الضرر ليس ماديا فقط. بالنسبة لسكان غزة فإن العودة الدائمة للحرب هي سبب متجدد باستمرار للمعاناة النفسية التي تضاف إلى الظروف المعيشية القاسية: الحبس، والفقر، والدمار، قلة هم الذين نجوا من هذا العذاب، والتخفيف منها أو التكيف معها، ومحاولة علاجها يتطلب عملاً يحشد جميع مناحي الحياة: العاملون في المجال الإنساني، والمهنيون الصحيون، والمعلمون وغيرهم.


يقع مخيم دير البلح للاجئين في وسط قطاع ضيق من الأرض يخضع لحصار مستمر من قبل إسرائيل منذ عام ٢٠٠٧ بعد أن استولت حركة حماس الإسلامية على السلطة تم قصف مبنى في دير البلح خلال "التصعيد"، لكن بعد يومين من اتفاقيات وقف إطلاق النار كان هناك جو احتفالي مذهل فوق الأنقاض: موسيقى، مهرجون، أطفال يلوحون بالبالونات فتيات صغيرات يرتدين الأعلام الفلسطينية يتسلقن على ألواح خرسانية نسفتها القنابل، الرجال الجالسون في الظل يدخنون ويتفرجون دون أن ينبسوا ببنت شفة تم تنظيم هذا الحدث من قبل منظمة غير حكومية: مركز شباب ساويد. محمود أبو صالح هو مديرها في غزة. ويشرح قائلاً: "بعد كل قصف، ننظم أنشطة ترفيهية للأطفال لمساعدتهم على تخفيف التوتر. ونقدم لهم هدايا صغيرة، ونجعلهم يلعبون ويغنون ويرقصون".


قفز رائف زيدان البالغ من العمر ١٦ عامًا من كتلة خرسانية ملوحًا بعلمه حول كتفيه ويقول: "إنه شعور جيد أن تحصل على المتعة بعد كل هذا التوتر". منزله على مرمى حجر من المبنى المدمر قال: "كانت الساعة حوالي الثامنة والنصف مساءً" لقد حذرنا الإسرائيليون من أنهم سوف يقصفون المنزل المجاور كنا جميعًا في الطابق السفلي عند جدتي، وفجأة سمعنا دويًا هائلًا اعتقدت أن قلبي سينفجر لقد سمعت الكثير من القنابل في حياتي ولا يمكنني عدها، لكن هذه في الحقيقة كانت الأكبر".
رجل بجانبه يحمل صبيًا صغيرًا بين ذراعيه لا يعيش بعيدًا قال: إن جميع نوافذ شقته حطمها الانفجار، لكن المبنى ظل قائما "كان الأمر مثيرًا حقًا، ألقيت على بعد مترين على الأقل وانتشر الغبار من الانفجار فى المنزل: لم نتمكن من رؤية أي شيء، كنا نسمع ابني يبكي ولم نتمكن من العثور عليه".. الآن، يشرح لماذا لا يستطيع ولده النوم أو يستيقظ باكياً.


الأطفال في غزة هم أولى ضحايا "اضطرابات الإجهاد اللاحق للصدمة". لأن أولئك الذين تقل أعمارهم عن ١٧ سنة يمثلون ما يقرب من نصف ٢.١ مليون نسمة في المنطقة الصغيرة وفقًا لتقرير نشرته المنظمة البريطانية غير الحكومية "إنقذوا الأطفال Save the Children" في يونيو ٢٠٢٢، فإن ٤ من كل ٥ أطفال يعيشون هناك في "اكتئاب وحزن وخوف". 


يشير هذا التقرير إلى أن الوضع قد تدهور منذ إجراء دراسة مماثلة في عام ٢٠١٨، في غضون ذلك كانت هناك ثلاثة "تصعيدات": في ٢٠٢١ و٢٠٢٢ والآن ٢٠٢٣. وتشير المنظمة غير الحكومية إلى أنه "بالإضافة إلى الإصابات الجسدية والحرمان الناجم عن الوضع الاقتصادي السيئ، وعدم الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة، فقد تسبب الحصار في أزمة نفسية للأطفال والشباب"، نوبات الهلع والكوابيس وصعوبة التركيز والعدوانية، بالنسبة لهؤلاء الأطفال، فإن النمو الطبيعى يمثل تحديًا.
المدرسة المكان الذي تظهر فيه هذه الأعراض هي أيضًا ميدان عمل للمنظمات الإنسانية. اجتمع ثلاثة من موظفي المجلس النرويجي للاجئين في فصل دراسي في مدرسة ابتدائية للبنين في بيت لاهيا شمال قطاع غزة. طور المجلس النرويجي للاجئين منهجًا لمساعدة الأطفال على الدراسة جيدًا بعد تعرضهم لصدمة، يلعب مدرس من المدرسة تم تدريبه في هذا البرنامج، سلسلة من الألعاب مع الأطفال ليعلمهم كيفية الاسترخاء، كما أنها تجعل من الممكن تحديد أولئك الذين يحتاجون إلى رعاية نفسية متعمقة. يوسف حمش المتحدث باسم المنظمة النرويجية في قطاع غزة يؤكد أن صدمة الأطفال هي أحد مكونات الصراع، هنا يتأثر الجميع لدرجة أنه من المستحيل تغطية جميع الاحتياجات، في عام ٢٠٢٢ دعم المجلس النرويجي للاجئين ٧٤٠٠ فتى وفتاة في حوالي ٨٠ مدرسة في غزة، يتابع يوسف حمش: «نحن نطبق بروتوكولنا، لكن حتى قبل أن ننتهي من علاج طفل، يعود العنف ويدمر عملنا ويعيد إحياء الصدمة هذه مشكلتنا الرئيسية». 


لهذا السبب يرفض الطبيب النفسي للأطفال الذي يدير مركز غزة للصحة النفسية سامي عويضة التحدث عن متلازمة "ما بعد الصدمة" يقول "نحن لسنا بعد الصدمة، نحن نعيش فيها بشكل دائم أسميها متلازمة غزة لا يوجد استراحة أبدًا، يكبر الناس ويعيشون في بيئة مؤلمة للغاية، لذلك يحاول الجميع في غزة تطوير استراتيجيات المرونة الخاصة بهم وتقنيات المواجهة، والحيل التي يعيدون استخدامها عند عودة العنف إنها حرب نفسية تحدث هنا"، وهو متأكد من أن الإسرائيليين يحاولون كسر الشعب نفسياً ويقول: "لكنهم لن ينجحوا لأن الفلسطينيين يدركون ذلك، ونحن هنا لدعمهم: القيام بالطب النفسي للأطفال في غزة هو شكل من أشكال المقاومة السلمية".
كيف تشتكي من الصدمة بينما يعاني منها الجميع؟ ربما لأن الجميع أصيبوا بالذهول واقتنعوا بأن الكلام لا يأتي بسهولة. منظمة غير حكومية فلسطينية أخرى هى اتحاد لجان المرأة الفلسطينية، تنظم جلسات نقاش نسائية. في ذلك اليوم كان هناك عشرة منهن جالسات حول معالجات نفسيات جميعهن محجبات، واثنتان منهن ترتديان نقاباً أسود لا يظهر إلا عيونهما في أفواه هؤلاء النساء المتواضعات بشكل واضح، تتردد الكلمات "طائرة بدون طيار" أو "إف -١٦" أو "صاروخ" باستمرار. واحدة منهمن، في الزاوية، تستمع في صمت.. هي مدعوة للتحدث فقالت: "وقع قصف في حينا الأسبوع الماضي". أومأت المرأة برأسها وتابعت قائلة: "خلال التصعيد الأخير، في عام ٢٠٢٢ أوشكنا على الموت. أتناول الدواء لكنه لا يساعدني حقًا أشعر أن عائلتي ليست آمنة في أي مكان، عندما حلقت طائرات F-١٦ في سماء المنطقة الأسبوع الماضي، بدأ ابني يرتجف ولم يتحدث منذ ذلك الحين، وزوجي لا يجد عملاً يعاني من اضطرابات نفسية خطيرة: توفي شقيقه أمامه في قصف ليس لدي المزيد من المال، ولا أعرف حتى كيف أشتري الطعام لنا".. إنها تبكي، أعطتها المعالجة علبة مناديل، ثم بابتسامة قالت لها: "تعالى! دعينا نتخلص من كل تلك الطاقة السلبية!" ثم دعتهن إلى النهوض والقيام بشيء ما كتمرين التنفس. تضع المرأة منديلها على كرسيها لتبدأ التمرين ثم بعد ذلك بقليل، تبدأ فترة الاستراحة.
كما هو الحال بالنسبة للأشخاص الذين يأتون إلى غزة ويحاولون التخفيف من آلام أهل غزة، هناك مشكلة إضافية: العيش هنا، فهم يتعرضون لهذه الصدمات بقدر ما يتعرض لها هؤلاء الذين يأتون لمساعدتهم. تعمل المنظمة الفرنسية غير الحكومية "أطباء بلا حدود"، التي لها حضور كبير في غزة على إنشاء خدمة رعاية لمبتوري الأطراف يضم وحدة صغيرة للأمراض النفسية. آسيا كيلان عالمة النفس، وصهيب صافي الطبيب المنسق، بصدد شرح كيفية عمل الوحدة بينما تستدعي تجربتهما نفسها في لعبة المرايا اللافتة للنظر.
تشرح آسيا كيلان: "الحصار والتفجيرات وانقطاع التيار الكهربائي: كل هذا يؤثر على الناس"، مضيفة أن ابنها البالغ من العمر ٧ سنوات عانى من عدة حروب، ويكمل زميلها: لدى ابنة عمرها ٤ سنوات.. لقد تعرضت بالفعل للحرب ثلاث مرات، عندما تكون هناك انفجارات أحاول طمأنتها وأقول لها إنها ألعاب نارية، لكن في المرة الأخيرة، قالت لي: "أكره الألعاب النارية" مما جعلني أفكر أن أكون في المرة القادمة أوضح معها ولكن ما الذي يمكن أن يبرر القصف الذي تعرضت له بالفعل؟ في المستقبل، ماذا ستكون العواقب بالنسبة لها؟ تتساءل آسيا كيلان: "كيف نطلب من الناس أن يحاولوا الابتسام، وأن يتصرفوا بشكل جيد مع الآخرين، وأن يتظاهروا بأن كل شيء طبيعي، بينما لا شيء مما نمر به أمر طبيعي؟ في بعض الأحيان يتجاوز قدراتي، قدرنا أن نختبر هذا لكن هذا ليس طبيعياً يجب أن يتأثر رد الفعل الطبيعي".
في رأي كل هؤلاء المحترفين فى التعامل الإنسانى، هناك حل واحد فقط من شأنه أن يجعل من الممكن وضع حد نهائي لهذه المعاناة: رفع الحصار، وإنهاء الصراع الذي استمر لأكثر من خمسة وسبعين عامًا.. إنه سيناريو بعيد الاحتمال.