الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية الأسبق في حوار لـ«لو ديالوج» عن أخطبوط الإخوان.. الجماعة أكثر خطورة من القاعدة وداعش

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية «DGSE» آلان شويه، شخصية لها وزنها فى المجتمع الفرنسى، بحكم خبرته الطويلة فى هذا المجال، إلى جانب اهتمامه بتأليف عدة كتب تحمل وجهة نظره فيما يحدث بالعالم.. ولأهمية آرائه وشخصه أيضا، كان لموقع «لو ديالوج» حوار مطول معه، أجرته أنجيليك بوشار، وننشر الجزء الأول من الحوار فى هذا العدد.

نشر الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية «DGSE» آلان شويه فى عام 2022 كتابا مهما بعنوان «سبع خطوات إلى الجحيم»، حيث قام بتقييم عدة عقود من غض الطرف وتجاهل السلطات الفرنسية المتعاقبة لملف الإسلام السياسى وتحليل لأخطاء وسياسة الفرنسيين تجاه العالم العربى خاصة أنه يعد أحد الخبراء المتميزين فى الشأن العربى.
وفى هذا الجزء الأول من الحوار، سنناقش كتابه الأخير حيث يصور الشعور بالضيق العميق لمجتمع فرنسى يواجه النزعة الانفصالية والعنف الراديكالى، وفى الأسبوع المقبل، سنناقش مع الخبير المخابراتى السابق قضايا الأمن والإرهاب وأخبار العالم والشرق الأوسط والحرب فى أوكرانيا.

لوديالوج: كتبت فى كتابك «٤٠ عاما من العمى والجهل والجبن وحسن النية، قادت فرنسا تدريجيا إلى حدود كسر الميثاق الجمهورى»، وهكذا، سيكون لدى فرنسا اليوم ١٥١٤ منطقة وحيا ينعدم فيها القانون، ويحظر دخول قوات الأمن إليها وخدمات الطوارئ والخدمات الطبية والاجتماعية؛ فلقد تم إنشاء ١٥١٤ منطقة فى ٨٥٩ بلدية، وتضم ٤ ملايين نسمة، أو ٦٪ من سكان فرنسا.. كيف ولماذا وصلنا إلى هذه المرحلة؟
آلان شويه: الجواب فى سؤالك: عمى، جهل، جبن وفوق كل شيء غطرسة وتكبر!، فى هذا المجال، كما هو الحال فى العديد من المناطق الأخرى على المستوى الدولى، الغربيون «أمريكا الشمالية وغرب وشمال أوروبا» مقتنعون بشكل جماعى بتفوق أنماطهم الثقافية وقيمهم الأخلاقية ونموذجهم السياسى والاجتماعى والفلسفى لدرجة أنهم يرون أنه من غير معقول أن الآخرين لا يلتزمون بنفس تلك القيم والأنماط.
وهؤلاء لم يلتزموا بذلك سواء لجهلهم بتلك القيم أو لأنها تتعارض مع بعض معتقداتهم التى يقف ورائها عدد من الطغاة والمتسلطين، فى هذه الحالة الثانية، من الضرورى القضاء على هذه الظاهرة إما من خلال الطرق السياسية والاقتصادية، أو من خلال التفوق العسكرى والتكنولوجى للغرب.
ونعود هنا، فى الواقع، إلى أكثر الأنماط التقليدية لسياسة الزوارق الحربية التى نفذتها القوى الاستعمارية فى القرن التاسع عشر، إنه استعمار جديد محض مستوحى من استراتيجية «السيف والعصا» نحن نقضى على المشاغبين المحليين الذين لا يعجبونا ومن ثم نحاول نجعل هؤلاء «الهمج النبلاء» يؤمنون بفضائل الديمقراطية الاختيارية والاقتصاد المعولم الذى حل محل الإيمان الحقيقى، وبالفعل، رأينا الآثار المدمرة لهذه الاستراتيجية فى الصومال، وأفغانستان، والعراق، وليبيا، وسوريا، وحزام الساحل، وغيرها من المناطق.
إذا كان من الجهل أن الآخرين لا يلتزمون بقيمنا، فيجب علينا تثقيفهم وإقناعهم بذلك بلطف من خلال التحلى بأكبر قدر ممكن من التسامح فيما يتعلق بعدم تطبيقهم واقتناعهم بنماذجنا، وأيضا بإبداء كل إعجابنا بماضيهم، واحترامنا لـ«جذورهم» وتعاطفنا مع المعاناة التى غالبا ما تكون حقيقية جدا التى ألحقها أجدادنا بأسلافهم، كل هذا الفهم من المفترض أن يقودهم تدريجيا إلى فصل أنفسهم عن أنماطهم الخاصة والانضمام إلى نماذجنا وأنماط حياتنا. 
كل ذلك يؤدى بشكل عام إلى نتائج عكسية تماما لأنه من خلال تمجيد حقهم فى الاختلاف فى الحاضر والماضى، فإننا نعيدهم فقط إلى حقيقة اختلاف النشأة والجذور لتبرير رفضهم لنماذجنا وقيمنا، وفى فرنسا، تتجلى هذه الآثار الضارة بشكل خاص فى جالياتنا المهاجرة من المغرب العربى والساحل.
لوديالوج: هل هذا الانفصال فى فرنسا قسرى أم طوعى؟
آلان شويه: تقليديا، تميل جميع موجات الهجرة إلى التجمع حول الوافدين الأوائل لأسباب عملية قبل الاندماج التدريجى فى المجتمع المضيف وأيضا لروابط وأسباب مهنية واجتماعية وزواجية وغيرها من الأسباب، وكان هذا هو الحال فى فرنسا خلال القرنين الماضيين للإيطاليين والأرمن والبولنديين والإسبان والبرتغاليين والفيتناميين، كل هذه الجاليات تشتت تدريجيا وذابت فى المجتمع الوطنى من الجيلين الثانى أو الثالث وكان هذا هو الحال أيضا بالنسبة لأول الوافدين من المغرب العربى من الثلاثينيات إلى الخمسينيات من القرن الماضى.
تغيرت الأمور خلال السبعينيات، ففى عام ١٩٧٥ سمحت فرنسا بجمع شمل الأسرة حول قوة العمل المهاجرة التى جلبتها من المغرب العربى خلال الثلاثينيات المجيدة، وكان هذا أسوأ وقت لتحويل هجرة العمالة إلى هجرة توطين وذلك منذ أن دخل الاقتصاد فى حالة ركود بعد صدمة النفط عام ١٩٧٣. 
وبالتالى، فقد حدث الاندماج الهائل لهؤلاء القادمين الجدد فى أسوأ الظروف المادية والمعنوية، مما تسبب فى هذا التوتر وحالة الاستياء، وقد تضخمت هذه المشاعر منذ عام ١٩٧٨ بفعل سياسة الشرعية الدينية التى طبقتها المملكة العربية السعودية فى مواجهة التحدى المزدوج المتمثل فى المنافسة من إيران ما بعد الثورة الشيعية والتطورات فى التطلعات العلمانية والديمقراطية فى العالم العربى والمجتمعات المهاجرة.
لذلك قامت الجزيرة العربية، الغنية بالدولارات النفطية، بمناورات للسيطرة على الإسلام العالمى لتشجيع انضمام المسلمين إلى التيار السلفى الوهابى وعدم الانجراف نحو القيم الفردية والديمقراطية للمجتمعات الأوروبية المضيفة، وفى الحقيقة، ثبت بعد ذلك أن مزيج الهجرة غير الخاضع للسيطرة والتوتر الأصولى بين الوافدين الجدد كبير وقابل للزيادة وساهم كل ذلك فى إنشاء أحياء ثقافية وإقليمية.
لوديالوج: فى هذا التقوقع والانغلاق.. ما الدور الذى تلعبه الأصولية الإسلامية فى النهاية؟ وما أهميته؟ هل الإخوان المسلمون والسلفيون حاضرون ومؤثرون كما يقول البعض فى بعض المساجد وبعض الأحياء؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هى علاقاتهم مع زعماء المخدرات وهذه العلاقات تتزايد قوة وعنفا؟
 


شويه: التقوقع الذى ذكرته كان مرغوبا بقدر ما كان يمثل معاناة، وعلى أى حال، لم تتم إدارته، وفى مواجهة الوضع الاقتصادى المتدهور الذى أجبرهم على البطالة أو الوظائف غير المستقرة، وعدم الاهتمام بهم إضافة إلى الأجور المنخفضة، استقر القادمون الجدد أولا فى مناطق على مشارف المدن الكبيرة حيث كانت العقارات الرخيصة محجوزة تقليديا للفئات الاجتماعية الأقل تفضيلا.
وسرعان ما تسببت الفجوة الثقافية والاختلافات فى ممارسات الحياة بين الوافدين الجدد والسكان الأصليين فى فرار هؤلاء، مما زاد الرعب من عدوانية هؤلاء الشباب الذين يخلطون بين الاحترام الذى يطمحون إليه والخوف الذى يسيطر عليهم وقد أدى هذا الهجر والرحيل للعديد من السكان الأصليين لتلك المناطق إلى حدوث تجانس مجتمعى لهذه الأحياء.
ولم يتحسن السياق الاقتصادى، فقد تعرض هؤلاء السكان بسرعة لنظام التحويلات الاجتماعية والمساعدات التى تم تطويرها فى فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من تواضعها، سرعان ما كان ينظر إلى هذه التحويلات الاجتماعية من قبل الأقدم والأسر على أنها شكل من أشكال الدخل الترحيبى، وكل هذا غير معروف فى بلدانهم الأصلية ويسمح لهم بالعيش بطريقة آمنة إلى حد ما فى تلك الحياة المتواضعة التى اعتادوا عليها. ومن ناحية أخرى، بالنسبة للعديد من الأصغر سنا، لم يكن هذا الحساب موجودا وكان من الضرورى استكمال نفقات الحياة والمصاريف بالحصول على دخل أكبر وأسرع. وهنا أصبح المصعد الاجتماعى الداخلى الذى يوفره نظام التعليم الفرنسى معطلا بشكل أو بآخر، وعلى أى حال، كان بطيئا للغاية، وكان لا بد من العثور على شىء أكثر فائدة وأسرع، فى سياق السياسات الاقتصادية النقدية، تصبح الطريقة الوحيدة للحصول على دخل سريع وكبير من خلال الأنشطة غير القانونية: السرقة، والابتزاز، والنهب، والاتجار، وما إلى ذلك.
إنه مزيج من هذه الأنشطة التى تم الاحتفاظ بها، ولا سيما الاتجار بالبشر، وهى واحدة من البلدان الأصلية لهجرة شمال أفريقيا التى تمارس الزراعة الأحادية للحشيش على أجزاء كبيرة من أراضيها، وهو نشاط يتم انتهاجه بشكل مستمر لتكوين شبكات الإمداد عبر البحر الأبيض المتوسط.
مشكلة تهريب المخدرات تكمن فى أنك بحاجة إلى منطقة تخضع لرقابة مشددة لاستلامها وتخزينها وتوزيعها، ومن هنا جاء تكوين مناطق محجوزة داخل أحياء معينة يسكنها فى الغالب أتباع نفس الديانة والمعتقدات، ومن الواضح أنه يحظر لكل السلطات دخول تلك المناطق «الشرطة بالطبع»، ولكن أيضا خدمات الطوارئ، والخدمات الطبية والاجتماعية، والخدمات الضريبية، وغيرها لا يمكنها الوصول لتلك الأماكن، ولا يمكن ممارسة هذه السيطرة على الأرض إلا وفقا لتقنيات من نوع خاص، بما فى ذلك عمليات المراقبة والاستطلاع التى تستكمل عند الضرورة باستخدام الأسلحة والتى قد تصل فى بعض الأحيان إلى الأسلحة الحديثة وقاذفات الصواريخ، بما فى ذلك قذائف الهاون والبنادق الهجومية وإضافة إلى هذه النزعة الانفصالية الاجتماعية والمافيا، تم تطعيم الانفصال الثقافى والدينى الناجم عن النشاط الأصولى لبعض الأنظمة فى الشرق الأوسط منذ الثمانينيات لتغذية كل هذه الأساليب والطرق.
لوديالوج: فى فرنسا، هناك جدل حاد بين المتخصصين والباحثين الذين يعارضون حقيقة «أسلمة التطرف» أو «راديكالية الإسلام».. ما رأيكم فى ذلك؟ ومن أين يأتى هذا التطرف الدينى فى فرنسا والأماكن أخرى؟
شويه: لن أخوض فى خلافات المدارس الفرنسية الفرنسية، التى تمت المبالغة فى تقديرها إلى حد كبير، والتى تثير غرور بعض الأكاديميين الأكفاء وهناك شيء واحد مؤكد: القراءة الأصولية للحنابلة الجدد وتفسير الإسلام من قبل السلفيين الوهابيين والإخوان المسلمين لم تهم إلا بنسبة ٢٪ من العالم الإسلامى حتى منتصف القرن العشرين ويتعلق الأمر الآن بأكثر من ٣٠٪، أو حتى أكثر من ذلك فى مجتمعات المهاجرين؛ لذا فإن المشكلة عالمية ولا تقتصر على المسلمين فى فرنسا.
وفى الحقيقة، لم يكن الإسلام فى فرنسا على علم بوجود كلمة «سلفية» قبل ثمانينيات القرن الماضى، فلو تبنى البعض هذا المفهوم الأصولى الانفصالى بحماس، فذلك قبل كل شيء لأنه عزز رغبتهم فى العزلة الجغرافية وأساسيات أنشطتهم الاحتيالية، لكن إذا عززت الأصولية الانفصالية الإقصاء والقطيعة والمعارضة العنيفة مع المجتمع المضيف، فهى ليست القوة الدافعة الحصرية لها، كما أشار قاضى مكافحة الإرهاب مارك تريفيدتش: «كل هؤلاء الشباب الذين تم الاستماع لهم فى مكتبى.. هل كانوا سيذهبون إلى العنف والأصولية الجهادية أم لا!».
لوديالوج: القاعدة وداعش والإخوان لديهم نفس الخريطة الأيديولوجية نفس التوجهات ولكن الطرق هى التى تختلف.. إذن فى النهاية، أليس الإخوان أكثر خطورة؟ وتعتبر هذه الجماعة مهمشة أو حتى محظورة فى بعض الدول العربية فى حين قررت دولة واحدة فقط فى أوروبا، النمسا، بعد هجمات فيينا فى عام ٢٠٢٠، تسجيل الإخوان المسلمين فى قائمة المنظمات الإرهابية؟ لماذا لا تزال فرنسا تماطل حتى الآن رغم أن المشكلة واضحة؟
شويه: القاعدة وداعش وكل أسماءهم الكبيرة، باستثناء بن لادن، تأتى من صفوف الإخوان المسلمين، هى فى الواقع فصائل سلفية مثل الوهابيين والتبليغيين الباكستانيين والإخوان وإذا بدت جماعة الإخوان المسلمين فى نهاية المطاف أكثر خطورة من الآخرين، فذلك لأنهم استقطبوا بشكل كامل الرموز الثقافية التى من المحتمل أن تغرى العقول الضعيفة داخل مجتمعات المهاجرين المسلمين. ولكن من المحتمل أيضا أن تجذب تلك الرموز الثقافية بعض العقول الضعيفة والجاهلة من المثقفين الأوروبيين؛ وهنا هل علينا أن نتذكر أنه فى فرنسا، كانت الأحزاب اليسارية وجمعيات المسيحيين الاجتماعيين وبعض المنظمات العلمانية هى التى قدمت أشخاصا مثل طارق رمضان فى البرامج التليفزيونية والذين خدعهم الخطاب المزدوج للإخوان، وآمنوا بتلك الرؤية وهذا النوع من الأحزاب الإسلامية الديمقراطية والذى قد يضاهى أحزابنا الديمقراطية المسيحية؟
بناء على هذا الخطأ فى التقييم، تمكن الإخوان من بناء نشاطهم وجمهورهم فى أوروبا بكل المهارة التى يجب أن يدافع عنها أولئك الذين هاجموا.. فى الحقيقة لم ننجو عموما من هذا التناقض الذى من شأنه أن يقيد ما يسمى دوائر التفكير الصائب وذلك من أجل الاعتراف بأنهم كانوا مخطئين لمدة أربعين عاما.
كل هؤلاء - الصحفيين والأكاديميين وعلماء الاجتماع - الذين أرادوا التحليل العلمى لنشاط الإخوان فى فرنسا وأوروبا مثل الخبيرة فى CNRS فلورنس بيرجود بلاكلر مؤخرا مروا بتجربة قاسية بعد وضعهم فى القائمة السوداء واتهامهم بالعنصرية وكراهية الإسلام، وحتى النازية، ليس من قبل الإخوان أنفسهم، الذين لا يحتاجون حتى إلى رفع إصبعهم، ولكن للأسف أيضا من قبل بعض زملائهم والمثقفين.
لوديالوج: ذكرت فى كتابك عقودا من الجهل والنفاق والضعف وحتى النفاق من جانب السلطات الفرنسية فى محاربة الإسلاموية وقبل كل شيء السياسة التى يجب اتباعها فى مواجهة دول معينة مثل تركيا أو قطر التى يقودها أردوغان والتى تستمر فى دعم جماعة الإخوان المسلمين أو جمعياتهم فى فرنسا.. لماذا هذا التساهل مع هذه البلدان؟
 


شويه: الأفق السياسى للقادة فى الدول الديمقراطية هو أربع أو خمس سنوات، وأحيانا أقل فى حين أن ظاهرة الانفصالية الإسلامية والانحراف المجتمعى والعنف الجهادى هى ظواهر معقدة متعددة العوامل، وقد اتخذت الآن بعدا جيليا وستستغرق ثلاثين عاما على الأقل لتهدئتها، بسبب عدم التعامل معها فى الوقت المناسب ومن بين هذه المهمة الشاقة طويلة المدى التى لم تحقق نتائج سريعة مرئية والفوائد المالية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية الفورية التى يمكن لقادتنا أن يأملوا فى الحصول عليها من تهاونهم تجاه الدول الغنية أو القوية التى تدعم الأصولية، ولا شك فى أنه سيأتى علينا اليوم الذى نقيم ما جلبه لنا هذا التراخى والتهاون.
لوديالوج: يبدو أن الهجمات الإرهابية التى أثرت على البلاد وأوروبا منذ عام ٢٠١٥ قد تم نسيانها بالفعل وهجمات السكاكين التى لا تزال مخفية أو محدودة بشكل يومى تقريبا.. ماذا عن التهديد الإرهابى الإسلامى اليوم؟ هل لا يزال من الممكن شن هجوم جماعى جديد فى فرنسا اليوم؟
شويه: استمرار المعلومة وتأثيرها العاطفى فى مجتمعاتنا الغربية يستمر حوالى ٩٠ يوما وهذا ما فهمه كل الإرهابيين من كل الأطياف ولا داعى للتعب فى الأعمال اليومية ويكفى شن هجوم مذهل كل ثلاثة أشهر للحفاظ على الضغط التخريبى، وبقدر ما يتعلق الأمر بالعنف الإسلامى، فهو حاليا عند مستوى منخفض لأنه منذ منتصف عام ٢٠١٠ بدأت الأنظمة الوهابية فى تغيير استراتيجيتها وقياس دعمها للإخوان المسلمين ومجموعاتهم الفرعية العنيفة أيضا فى العالم الإسلامى والغرب وهذا أيضا ما دفع تنظيم الدولة الإسلامية فى البغدادى إلى تراجعه فى شمال العراق عام ٢٠١٣ لبناء منطقة محددة والحفاظ على مستوى مواردها من النهب والسلب.. لقد كان منتهيا إقليميا، على عكس القاعدة، لأننا عرفنا أين نجده ونضربه.
ومع ذلك، فقد تم زرع ثقافة العنف وتضخيمها بشكل دائم فى أذهان جيل كامل من العقول الضعيفة ودخلنا فى سلسلة طويلة من الهجمات الفردية التى لا يمكن التنبؤ بها تماما والتى نفذها أفراد منعزلون بشكل بدائى يتصرفون بدون تعليمات معينة أو تكتيكات محددة بسبب بعض الاضطرابات النفسية ويجب أن نتعايش مع كل ذلك لأن هذا النوع من الانجراف سيستمر طالما بقيت تلك المصفوفة السلفية التى تلهم كل شيء.
وبالنسبة للهجمات الجماعية، تخبرنا التجربة اليومية للحياة فى الولايات المتحدة أنها ممكنة دائما وفى كل مكان وتحت جميع الذرائع وليست مخصصة للتعبير الوحيد عن العنف الأصولى وفى الوقت الحالى، لم يعد هذا العنف يتلقى الدعمين الأيديولوجى والمالى الضروريين من قبل بعض الجهات ومن الواضح أن هذا يمكن أن يتغير اعتمادا على السياق الدولى.
لوديالوج: يذكر بعض المراقبين حقيقة أن فرنسا على بركان وأن الوضع الاجتماعى والاقتصادى للبلاد والتوترات المجتمعية تذكر بالفترات المظلمة قبل الثورة أو ما قبل الصراع كما حذر آخرون - مثل وزير الداخلية السابق جيرار كولومب وحتى الرئيس السابق هولاند أو الرئيس السابق للمديرية العامة للإحصاء باتريك كالفار فى عام ٢٠١٦ - من خطر وقوع حرب مدنية! هل كل ذلك خيال أم سيناريو محتمل؟
شويه: بالنسبة للمراقبين أن ما يقرب من ٦ ٪ من السكان الفرنسيين يعيشون فى مناطق انسحبت منها سلطة الدولة ولا تخضع للنظام العام وتم تسليمها إلى سيطرة عصابات المافيا واستحوذ عليها الاقتصاد المنحرف، ومن الواضح أن هذا مقلق بالنسبة لأولئك الذين يعيشون فى هذه الأراضى والذين لا يشاركون فى تلك الجرائم، ولكن أيضا لأولئك الذين يعيشون حولها ويدعمون هذا الوضع بشكل أقل. 
وبقدر ما تمكنت من قياسه، فإن عدد النشطين الداعمين للانحرافات الأيديولوجية أو الخسيسة أو الانفصالية الدينية الذين يسيطرون على هذه الأحياء غير كاف بعد لترجمتها إلى هجمات التمديد والغزو التى من شأنها أن تدفعهم إلى مواجهة عنف مباشر مع بقية المجتمع الوطنى، ومن ناحية أخرى، ولا يجب إثارة قلق بقية هذا المجتمع الوطنى لدرجة تشجيع البعض على القيام بأعمال وقائية عنيفة خارج إطار العمل السيادى للدولة وكل ذلك يعتبر محاولات فاشلة فى مواجهة تلك مشكلة.
لوديالوج: أخيرا، إذا لم يفت الأوان.. فما هى الحلول الجادة فى رأيك لمحاربة الإسلاموية على أراضينا لوقف تفكك المجتمع الفرنسى وتجنب الأسوأ؟
شويه: مشكلة الانفصالية الإسلامية وعواقبها هى مشكلة عميقة متعددة العوامل بما فى ذلك الاعتبارات الثقافية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والصحية والدبلوماسية وما إلى ذلك، ليست لدى الكفاءة ولا الشرعية لقول ما يجب أو لا يجب فعله فى كل هذه المجالات.
لقد رأينا أن التهديد بالعنف الناجم عن النزعة الانفصالية الإسلامية سيستمر طالما أن المصفوفة الأيديولوجية التى تغذيها موجودة، لذلك يبدو من المناسب الحد بسرعة من نفوذ الإخوان من خلال تجريم جمعية الإخوان المسلمين كما فعلت العديد من الدول العربية، ومصر فى الصدارة التى تعرف ما الذى تتحدث عنه وليست مشتبها بها فيما بـ«الإسلاموفوبيا» أو كما فعلت النمسا مؤخرا وبالمثل، يجب أن نعيد فحص علاقاتنا الدبلوماسية مع سلطات الدولة التى استغلت النزعة الانفصالية الإسلامية، أو حتى الانفصالية المجتمعية بشكل عام، لأغراض سياسية داخلية ومحليا، لا يمكن أن تظل فرنسا واحدة من البلدان النادرة فى أوروبا حيث تفلت أجزاء كاملة من الأراضى الوطنية من السلطة السيادية للدولة وحيث تتطور دوائر كبيرة من الاقتصاد المنحرف، مصحوبة بحروب حقيقية للسيطرة على الإقليم، وتكمن المشكلة فى أن الوضع قد تدهور إلى درجة أنه يجب الاعتراف بأن استعادة الجمهوريين للأحياء الضائعة لا يمكن تحقيقها ضمن الإطار التشريعى الحالى.
يجب أن نخرج من التفكير بحسن نية والذى يرى أن الانحراف والعنف المرتبطين بالانفصال المجتمعى هما نتاج الفقر والإقصاء والتهميش لفئات معينة من السكان، وتظهر جميع الدراسات حول الانتقال إلى العنف الأصولى وجرائم الجوار أن هذه الظواهر لا ترتبط بفئة اجتماعية محددة ويمكن إعادة دمجها فى الحياة الطبيعية من خلال المساعدة المادية الهائلة والتسامح الأخلاقى الكبير، وكان إرهابيو الحادى عشر من سبتمبر جميعهم أبناء عائلات طيبة وثرية وأيضا أولئك الذين ضربوا فرنسا فى عام ٢٠١٥ أو بلجيكا بعد ذلك بوقت قصير جاءوا من خلفيات متنوعة وليست دائما محرومة.
أخيرا، يتم تعلم العيش معا وقبول الآخرين فى المدارس وتحديدا مرحلة رياض الأطفال ويجب أن تستعيد مدرسة الجمهورية دورها التكاملى والموحد والتعزيزى، بعيدا الضغوط المجتمعية والأيديولوجية. 
وفى الواقع، تجب إعادة تسمية مسيرة الحقوق المتساوية عام ١٩٨٣، والتى ساهمت فيها نخبة من المثقفين الباريسيين الذين يسعون لتحقيق أهدافهم السياسية الخاصة وأدت إلى تقسيم السكان الفرنسيين إلى مجتمعات متمايزة مخصصة لاختلافهم، لم يؤد هذا إلى نزعة انفصالية إسلامية، لكنه وفر لها قاعدة كبيرة لإضفاء الشرعية على أولئك الذين أرادوا استغلالها.