الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عندما أكد لي توفيق الحكيم شائعات بخله!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أجريت حوارا مع الكاتب الكبير توفيق الحكيم وقد أعددت  أسئلة تتناول جوانب هامة من تاريخه الإبداعى فى الفكر والأدب والفن  ولكن السؤال الوحيد  الذى كان يشغل بالى قبل الحوار  هو ماذا سيقول لى هذا المفكر المتألق عن اتهامه بالبخل صراحة من الكثيرين  بل إن أحد رواد القصة المصرية الحديثة الدكتور يوسف إدريس كتب قصة قصيرة عن بخله وهى للحق قصة  فيها متعه بلا حدود ومداعبة منه  بإبداع لا نهائى.

إليك  أولا ما كتبه يوسف إدريس أحد كبار المجددين في فن القصة القصيرة العربية، الذى اشتهر بأمير القصة القصيرة عن بخل توفيق الحكيم وقد كتبها فى حياة الكاتب الكبير  ولم يعترض الكاتب الكبير عليها.. كتب يوسف إدريس: "تصورت أن الأستاذ توفيق الحكيم صحا من نومه في الأسبوع الماضي وهو يكاد يختنق من كابوس مخيف.. كان جالسا كعادته على قهوته المفضلة في الإسكندرية لا به ولا عليه، والدنيا صيف وعصريه، والجو جميل يغري بالسرحان أو على الاقل يتأمل الحسان، وإذا باحد معارفه يطب عليه فجأة.. سلام عليكم.. سلام ورحمة الله.. اتفضل.. قعد الرجل ودون انتظار لصفقة توفيق الحكيم صفق هو وجاء الجرسون... هات شيشة.

 جاب شيشة فرد القادم  "اللى" وبالكاد جذب أنفاسها وأشعلها، وإذا بصديق آخر يطب.. سلام عليكم.. سلام ورحمة الله.. وقعد وجاء الجرسون.. تشرب إيه؟ قهوه.. يا دوبك شفط شفطتين وإذا بقادم آخر جاء وسلم وصفق وطلب، ورابع وخامس وسادس وعاشر...

والقعدة تكبر وتكبر والأستاذ توفيق يشرق ويغرب ويتحدَّث بحماسه المعهود عن الأدب والفن ووكلاء النيابة والمجمع اللغوي وأزمه النقد والنقاد، ورغم حماسه الشديد فأهم ما كان يشغله في ذلك الوقت هو الكوب الزجاجى الفارغ الذي يضع فيه الجرسون ورق الحساب، إذ كان قريبا جدًا منه، وكلما تضخم عدد القادمين كان ورق الحساب يتضخم هو الآخر، ودقات قلب توفيق الحكيم تزداد، فهو متأكد طبعًا أنه لن يدفع كل الحساب، ولكن وجود هذه الكومة الضخمة من أوراق الحساب قريبة جدًا منه خطر على أية حال.. أو على الأقل وضع غير مريح بالمرة..

 وعلى هذا فطوال حديثه عن الأدب والفن كان الأستاذ توفيق الحكيم مشغولًا بزحزحة الكوب بدفعات خفيفة غير ملحوظة أحيانًا، وبنظراته وبعينيه أحيانًا أخرى حتى تصبح المسافة بينه وبين الكوب  مأمونة بالقدر الذي لا يسمح لأبرد جرسون أن ياتي ويقف على رأسه ساعة الحساب.. ولكن ساعة الحساب جاءت، وجاء الجرسون الخواجه بسمنته، وسترته البيضاء المتسخة، وهليهليته الإجريجية    المعهودة وتناول الأوراق وظل يحسب "كمسة وكمسة أشرة...ستين ونس.. تسعين.. ميه وكمسة"..

وطبعًا كان الأستاذ توفيق الحكيم لا يلقي للرجل ولا لحسابه بالا كثيرًا.. فهو كان قد أخذ واحد قهوة..

 فقط... كان ينتظر أن يحاول أحد الجالسين دفع الحساب كله فيحتج هو ويصر على أن يدفع حسابه على الطريقة الانجليزية..

ولكن اغرب ما في الأمر أن الجرسون انتهى  من حساب فاتورته ووقف ينتظر الدفع دون أن يتحرك واحد من العشرة الجالسين أو يبدو عليه أنه يهم بدفع الحساب..

قال الأستاذ توفيق لنفسه لابد أنهم متشاغلون، فلأتشاغل أنا الآخر.. وفعلا سرح وسهم، وانتابه ذهول فني حاد وراح يلعب عصاه ذات اليمين وذات اليسار أن أحدا من حضرات الجالسين يتحرك من رابع المستحيلات..  بل حدث ما هو أكثر.. الجرسون اللعين اختاره دونا عن بقية الجالسين وتسمر أمامه، وأبى أن يتلحلح ومضى يدعي مسح الترابيزة ويوجه لتوفيق الحكيم نظراته الجرسونية المعروفة التي لا تعني سوى شيء واحد: إيدك بقى على الحساب..

وأحس الأستاذ توفيق الحكيم أنه أمام مؤامره خبيثة واسعة النطاق يشترك فيها هؤلاء العشرة الجالسون والجرسون والقدر، وتريد دفعه إلى أن يتحمل هذا الحساب وحده؛ سواء أراد أم لم يرد..

وانتاب توفيق الحكيم غيظ شديد.. لقد كان مستعدا أن يتحامل على نفسه ويدفع ثمن مشروب آخر.. أما أن يتحمل حساب عشرة أناس لا يعرفهم  طبوا عليه هكذا فجأة وطلبوا عشرة  طلبات برزالة ودون أن يعزم هو أو يطلب، وتاتي ساعة الحساب فيبلمون هكذا ويجلسون كالجثث المحنطة فأمر يفجر الدم من الشرايين...

وأختصارًا لما كتب يوسف إدريس.. بعد أن طال هذا الموقف إختنق  الأستاذ توفيق الحكيم حتى بدأ جسده يتفصد عرقا، وأحس  أنه حالا سيموت، واخيرا جدا وبصعوبة شديدة، بدأ يحس وكأن الروح تعود، ووجد نفسه يرى، وكان ما رآه ظلاما، وحين أوقد النور وجد نفسه  فى حجرة نومه حيث لا قعدة ولا جرسون ولا حساب..

 ولم يصدق ان ما حدث لم يكن الا حلما مزعجا الا بعد أن قام وتحرك وأشعل النور وأطفأه مرات ليتأكد.. وتأكد حينئذ أن ما حادث كان مجرد كابوس كاد أن  يقضي عليه.. وعلى الفور أحس براحة حقيقية تتصاعد من صدره وانتابه فرح غامر وكأنه أخذ البراءة أو نجا من موت محقق..

وحينئذ فقط استعاذ بالله من الشيطان الرجيم حتى لا يتكرر الكابوس، وقرأ آيه الكرسي زيادة في الاحتياط، وغير الجنب الذي كان ينام عليه وأراح رأسه من جديد على المخدة ثم ابتسم ابتسامة كلها سعاده ونشوى.. وفي براءه الاطفال نام.

الأغرب من قصة الكاتب المبدع  يوسف إدريس وعدم الإعتراض عليها من المفكر الكبير توفيق الحكيم هو أننى سألته ألم تتضايق من اتهامك بالبخل؟

وفوجئت بأكبر كتاب مصر فى العصر الحديث بقوله لى: والله  مسأله البخل هذه مسألة لا أعرفها، شائعات طلعت وصدقتها، وربما تكون حدثت.

أعدت عليه  سؤالي بصيغة أخرى  لكى ينفى الأستاذ توفيق الحكيم   هذه الشائعات قلت له: أريد أن أنفرد بموقف  تذكره لي تكون فيه كريما؟  فإذا به يقول لى مفيش، أنا لا أذكر أي موقف!

ولصراحته الشديدة سألته سؤالا  آخر كانت إجابته عليه سببا لمعركة إعلامية بين جريدة الاهرام وجريدة أخبار اليوم.

الأسبوع القادم بإذن الله أنشر السؤال الذى سبب هذه المعركة والإجابة التى فجرتها.