السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

الدكتور عبد المنعم سعيد يكتب: الإخوان والتنمية فى مصر (١).. فشل الجماعة فى كسب الرأى العام المصرى يعود إلى عدم وجود مشروع تنموى لديها ينافس المشروع الوطنى المصرى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين فى مصر عام ١٩٢٨ وحتى الوقت الحالى كانت فى حالة صدام دائم مع الدولة المصرية مع اختلاف نظمها السياسية، ملكية وجمهورية، اشتراكية ورأسمالية. ولم يختلف الأمر أثناء الفترة الحالية، حيث لم تتوقف الجماعة عن الهجوم على الدولة المصرية سياسيا بتقليب دول العالم عليها، واستخدام وسائل إعلامية متعددة لتحفيز الشعب المصرى على الثورة ضد النظام السياسى القائم، وعسكريا من خلال التواطؤ مع الجماعات الإرهابية بعد أن فشلت أجنحتها الثورية فى شن العمليات الإرهابية إما على القوات المسلحة والشرطة المصرية، أو استهداف البنية الأساسية للدولة. حجر الزاوية فى السلوكيات الإخوانية خلال الفترة الأخيرة منذ خروجها من السلطة بإرادة الشعب المصرى فى ٣ يوليو ٢٠١٣؛ وفشلها فى كسب الرأى العام المصرى على مدى عشر سنوات، إنما يعود إلى عدم وجود مشروع تنموى لديها ينافس المشروع الوطنى المصرى الجارى، فما كان منها إلى الهجوم المستمر على عملية التنمية المصرية من خلال التشكيك ونشر الشائعات. والحقيقة هى أن الإخوان لم يكن لديهم أبدا مشروع تنموى مصرى يأخذ الحقائق الاقتصادية والاجتماعية فى مصر والعالم فى الحسبان. 
حصاد الثورة التى سميت بالربيع العربى كان مشهدًا للأسف اقتصاديا مرتبكًا، وسياحيًا مضطربًا، واستثمارات لا تتحرك وارتفاع نسبة الجريمة بالتوازى مع حالة انفلات سائدة سواء بالإضرابات أو الاحتجاجات أو الاعتصامات وقطع الطرق وتعطيل الإنتاج بكافة أنواعه. أشارت تقارير معهد التخطيط القومى إلى أن الخسائر المادية التى تكبدتها مصر منذ بدء الثورة في٢٥ يناير٢٠١١ وحتى تخلى الرئيس مبارك عن منصبه فى ١١فبراير قد بلغت ستة مليارات دولار، كما أن تقديرات مراكز الدراسات الاقتصادية وجدت أن الخسائر بلغت ما بين ٦٦ إلى ١١٠ مليار دولار خلال عام واحد، وأن الخسائر فى قطاعالسياحة والطيران وحدها قد بلغت ثلاثة مليارات دولار خلال تسعة أشهر. أكثر من ذلك تمإغلاق٤٥٠٠ مصنع مما أدى إلى زيادة العاطلين عن العمل بمقدار ٢٢٥ ألف شخص، واستمرالانخفاض فى الصادرات خلال عام ٢٠١٢، وحسب أرقام وزارة الصناعة والتجارة الخارجية فإن الإضرابات التى اجتاحت سوق العمل أثرت سلبًا على الصادرات بقيمة ٣٠ مليارجنيه. وكان حجم الإنتاج قد تراجع بصورة غير مسبوقة فى العام ٢٠١١/٢٠١٢ حيث بلغ ٢٤٠ مليار جنيه بانخفاض بلغ٤٠٪ عن العام السابق لأسباب عديدة أهمها عدم الاستقرار الأمنى وكثرة الاعتصامات والمطالب الفئوية، إضافة إلى تحديات عديدة واجهتها الصناعةكان لها أثر كبير فى ارتفاع تكلفة الإنتاج مما أدى إلى انخفاض القدرة التنافسيةللصناعة المصرية ومن أهمها أزمات الطاقة ومشكلة التمويل. وما زاد من حالة التشاؤمآنذاك هو أن حجم الدين الداخلى بلغ ١٩٣ مليار دولار والخارجى ٣٣.٨ مليار دولار دون أى مردود إنتاجى أو تنموى.
 


كانت الثورة تعبيرًا عن شتاء مزمن لا يبلغ الربيع أبدًا؛ وكان الإخوان على رأس الفوضى وغياب الاستراتيجية للتنمية والبناء، وما كان لديهم من حديث عن «النهضة» لم يزد عن مشروعات تجارية للتجزئة فى شكل سلاسل من السوبر ماركت. الفكر الإخوانى للتنمية لم يكن يعبر إلا عن إدارة الثورة بامتياز؛ ورغم كثير من المبالغات عن قيام الجماعة بصنع المعجزات، فإن فكر الجماعة لم يخرج عن ثلاث مقتربات شائعة ومعوقة تجاه استغلال الأرض المصرية سائدة فى التفكير العام المصرى. أولها كان هناك من يفضلها بائرة جدباء، فإذا ما اقترب استثمار من جزيرة أو أرض دوت الصرخات فى البرارى حول الاستغلال والغنى الفاحش والصفقات والمال الحرام وبيع مصر. وكانت نتيجة الصرخة فى كثير من الأحوال أن تعود الصحراء إلى أهلها على حالها عفيفة نقية لم يمسسها لا بشر ولا مسكن ولا مصنع، وبقيت الجزر على ما كانت عليه تنتج الشعير وأسماك البلطى أحيانا، والمخدرات فى أحيان أخرى. وثانيها جاء من الفلاحين الذين وجدوا مع السياسات الاشتراكية فى تسعير السلع الزراعية - من أجل الفقراء أيضًا - أن ثمن التراب أعلى بكثير من ثمن الطعام، فجرى تجريف الأرض وبيعها طينًا، وبعد بوارها جرى البناء عليها بعد لم يبق من خيرها وعذريتها ما لم ينتهك. وعلى الرغم من الإجراءات الصارمة والعقوبات المقررة على مخالفات التعديات بالبناء على الأراضى الزراعية، إلا أنها لازالت قائمة، سواء فى الحضر أو الريف، ولكنها تتزايد فى الريف. وثالثها جاء من الفقراء الذين قرروا أن يحصلوا على الأرض بطريقتهم الخاصة، ومعها مصادر المياه والكهرباء والصرف الصحى، ووضعوا كل ذلك فى حالة نقية من الفوضى سميناها بعد ذلك بالمناطق العشوائية. والحقيقة أنه لا يوجد إحصاء دقيق لعدد المناطق العشوائية فى مصر، حيث اختلفت التقديرات حول عددها ما بين ١٢٢١ و١١٧١ منطقة، يسكنها حوالى ١٥ مليون نسمة، منهم ٦.١ مليون فى القاهرة الكبرى. لم يكن فى الكتاب الإخوانى لا قبل الثورة ولا بعدها، فى وجودهم فى السلطة أو بعد الخروج منها، لا فكر ولا خيال للتعامل مع هذه الموضوعات الحيوية لنمو الاقتصاد المصرى. 
ما حدث فعليًا أن مصر اختارت طريقها منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣، من خلال خارطة طريق سياسية وأمنية حكيمة، ومسار اقتصادى واجتماعى صعب. تستند هذه المسيرة إلى عدد من المحركات ممثلة فى «رؤية مصر ٢٠٣٠»، والخطوات التى حدثت فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ حينما دخلت مصر مرحلة جديدة فى سياستها الخارجية وحماية أمنها القومى، تبدأ بحقيقة أن البناء الداخلى وبناء عناصر القوة هى حجر الزاوية فى حماية مصر وتحقيق أهدافها الاستراتيجية فى تعبئة البيئة الخارجية لدعم الداخل المصرى. والحقيقة الثانية أن التركيز على البناء يصحبه سياسات خارجية تقوم على التعاون وحد أدنى من المواجهة. الحزمة التى تضمنها برنامج الرئيس عبد الفتاح السيسى فى برنامج ولايته الثانية شملت التعليم والصحة والثقافة، وكلها تهدف إلى «الحداثة» ليس فيما يتعلق ببناء الدولة الحديثة والمجتمع الحديث، ولكن من خلال «التفكير الحديث» و«المعاصر» فى نظر الإنسان، والمنافسة، والابتكار والإبداع. لم يكن لدى الإخوان لا رؤية ولا مشروع مقابل وإنما كان لديهم من خلال تنظيماتهم السياسية، ووسائل إعلامهم التى تحركت بنشاط بين إسطنبول فى تركيا والدوحة فى قطر، ولندن وجنيف وباريس فى أوروبا سوى التشكيك فيما بات ينمو على الأرض المصرية عند تطبيق الرؤية فى الواقع المصرى المعاش. وعندما كانت باكورة العمل المصرى إنشاء قناة السويس الجديدة من خلال تعبئة الوارد المالية المصرية، فإن مشاركة المصريين كانت ٦٤ مليار جنيه مصرى استخدم منهم ٢٠ مليارًا فى إنشاء القناة خلال عام واحد بدلًا من ثلاث سنوات، وما زاد على ذلك استخدم فى إنشاء محور قناة السويس للتنمية الذى بات يساهم فى بناء القاعدة الصناعية المصرية، ويقوم بربط الوادى المصرى والدلتا المصرية بسيناء من خلال ٦ أنفاق أسفل القناة عدت وقتها أكبر مشروع هندسى فى العالم. ماذا كانت تفاصيل المشروع الوطنى، وماذا كان رد الفعل الإخوانى، سوف يكون موضوع المقال القادم.