الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

حلاوة قمحنا.. انطلاق موسم الحصاد الأهم لدى المصريين

حصاد القمح
حصاد القمح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

القمح أو الحنطة أو الحب أو الغلة  كلها أسماء للمحصول الأهم فى حياة المصريين، ارتبط القمح بالمصريين وارتبطوا به عبر آلاف السنين فهو المحصول الأهم والرئيسي بالنسبة لهم، فمنه يصنعون الخبز الذي لا تخلو منه مائدة مصرية ومنه يستخرج التبن علف حيواناتهم، لذا احتفل المصريون بحصاد القمح احتفالًا كبيرًا ونقشوا مراسم حصاده على جدران المعابد وامتدت هذه الطقوس إلى يومنا هذا واستمر الاحتفال بحصاد القمح.

القمح.. ذهب المصريين القدماء

عرف المصريون القدماء زراعة القمح منذ العصر الحجري الحديث، فما إن تبدأ شمس الصيف بوضع سمرتها في الأرض، تُسرع الأيادي المتشققة من تعب دام شهور بحصد المحصول الأهم بالنسبة لهم، فقد  اعتمدوا عليه في طعامهم اعتمادًا كبيرًا، وكان حصاد القمح ليس حصادًا عاديًا عند المصريين القدماء، فقد احتفلوا به احتفالًا عظيمًا؛ خرجوا إلى الحقول والمتنزهات يتناولون ما جادت به أرضهم وكانت هذه الاحتفالات يشرف عليها الملك بذاته.

اعتاد الفلاح المصري على الاحتفال بموسم الحصاد منذ آلاف السنين حتى أنه خصص له عيدا أيام الفراعنة عرف بعيد الحصاد  فقد كان حصاد القمح والشعير فى مصر القديمة من الأشياء المهمة المقدسة المرتبطة بطقوس خاصة يشرف عليها الملك بنفسه فى حضرة "النترو" الكبار " الكائنات الإلهية" لدى القدماء، وأهمها المعبود "مين" رب الخصوبة، فكان الحصاد يتوافق مع الاحتفالات بعيد هذا المعبود.

وعلى جدران المعابد نجد النقوش للنساء وقد عصبن رؤوسهن بقماش الكتان اتقاءً لحرارة الشمس الحارقة، وهن يساعدن في التذرية للأجران، ومن حين لآخر يُسمح باستراحة تحت الأشجار لتناول الطعام والشراب مثلما يفعل المزارعون في وقتنا الحالي، كما صورت النقوش الغربلة والمكيال، وكذلك الصوامع المخروطية.

من "الرامية" إلى الماكينات الحديثة..  تطور آلات الحصاد

تزامنا مع عيد الفطر المبارك بدأ الفلاحون في مصر حصاد القمح أو كما يقولون"الغلة" أجواء احتفالية وسعادة غامرة على الرغم من التعب في الحصاد إلا أنها أوقات فى غاية السعادة فهو يجني محصوله الذي ظل يرعاه ويحرسه طوال ستة أشهر.  

ورصدت عدسات "البوابة" موسم حصاد القمح في إحدى قرى محافظة البحيرة، وأجرت لقاءات مع عدد من الفلاحين للحديث عن موسم الحصاد.

من جانبه؛ أكد الحاج فتحي أن موسم الحصاد يمثل سعادة بالغة للفلاح فهو بمثابة إعلان النتيجة بعد تعب استمر شهورا قام فيها بتجهيز الأرض والزراعة ورعاية النبات حتى يمتثل للحصاد، مضيفا أن موسم الحصاد أصبح أكثر سهولة في هذه الأيام، فقد حضر في صغره الحصاد عن طريق "الرامية" وهي واحدة من الطرق البدائية التي تشبه طريقة الحصاد أيام الفراعنة.

وأضاف الحاج فتحي أنهم كانوا يقومون بحصد القمح عن طريق المنجل أو الشرشرة وهي طريقة تقليدية تستهلك مجهودا ووقتا طويلا بالإضافة للعمالة حيث يحتاج الفدان الواحد عشرة أفراد "للحش" فقط، وبعد عملية الحش  يتركون القمح معرضا للشمس حتى يسهل عملية فصل الحبوب عن "التبن" ثم يقومون بتجميع القمح في مكان واحد.

وتقوم الثيران أو ما يتوفر للفلاح من ماشية بتهشيم الأعواد عن طريق أرجلها أو لوح خشبي مثبت في المنتصف من ناحية، والناحية الأخرى يدور بها الحيوان ليقوم بتهشيم أعواد القمح، وبعد ذلك نقوم  بالتذرية وهذه العملية تحتاج وجود هواء حيث نقوم بنثره في الهواء فيتطاير القش أو ما يعرف بـ"التبن" وتبقى الحبوب، فقد كانت هذه الطريقة مرهقة للغاية وتأخذ الكثير من الوقت، أما اليوم فقد أصبح الأمر أكثر سهولة، فنحن نقوم بالحصاد عن طريق آلات متطورة توفر في الوقت والعمالة.

الفلاح يطالب بأصناف جديدة وعودة الإرشاد الزراعي لتحقيق إنتاجية عالية

يبحث الفلاح عن الطريقة المثالية للوصول إلى أعلى إنتاجية ممكنة، وذلك في ظل تناقص الرقعة التي يمتلكها الفلاح وزيادة الطلب على القمح ليس في مصر وحدها ولكن بشكل عالمي.

ويؤكد صابر مسعد، في حديثه لـ"البوابة"، أن هناك عوامل مختلفة يتأثر بها المحصول من حيث الإنتاج ومن بين هذه العوامل نوع التقاوي المستخدم في الزراعة  فهناك أنواع تحقق إنتاجية عالية للفدان لكن لا يفضلها بعض الفلاحين الذين يقومون بتخزين جزء من القمح لاستخدامه في طعامهم، حيث تختلف خصائص الدقيق من نوع لآخر فهو يفضل النوع البلدي الذي ورثه عن أجداده وجربه أكثر من مرة وتعود على استخدامه.

ويضيف "صابر"، أن العامل الثاني هو جودة الأرض ومدى ملائمتها للمحصول فعلى حد قوله يجب تغيير نوع الزراعة من مرة لأخرى حتى لا تنهك الأرض، وبجانب جودة الأرض فإن الخدمة المقدمة  من أسمدة وخلافه تلعب دورا كبيرا في عملية الإنتاج، كما أن من الأشياء المهمة في عملية الإنتاج هي الالتزام بمواعيد الزراعة المحددة، فلا يسبق الموعد المحدد أو يتأخر عنه، ويحقق الفدان متوسط إنتاجية من 16 لـ 17 إردبا للفدان.

ويناشد صابر المسئولين الاهتمام بإنتاج السلالات والأصناف الجديدة ذات الإنتاجية العالية بالإضافة إلى قدرتها على مواجهة التغيرات المناخية التي يشهدها العالم وكذلك ملائمتها لخصائص التربة المختلفة بالإضافة لإعادة النظر في مواعيد الزراعة وفق هذه التغيرات، ومن أهم الأمور التي تحدث عنها الفلاحون هو تفعيل دور الإرشاد الزراعي لكي نصل لأفضل نتيجة ممكنة من إنتاج القمح، فقد كان للإرشاد الزراعي دور كبير في تقديم المساعدة والمعلومات للتعامل مع المحصول وكذلك معرفة الآفات والأمراض في وقت مبكر والتدخل لحلها بسرعة.

الغناء للقمح .. ثقافة ممتدة منذ آلاف السنين

الغناء كان وما زال أحد مظاهر احتفال المصريين بالحصاد فهم يغنون للقمح ويتغنون به، فنجد إلى جانب الصور المنقوشة على جدران المعابد أغنيات مدونة  ومن أشهر هذه الأغنيات التي عثر عليها في بإدفو في محافظة أسوان "أدرسي أيتها الثيران فإن التبن سيكون علفا لك، والحب من نصيب أسيادك فليطمئن قلبك" ولعل هذا النص أقدم ما وصل إلينا من الأغاني التي تغنى بها المصريون القدماء في موسم الحصاد.

وعلى خطى الأجداد سار الأبناء فنجد العديد من الأغنيات التي تغنى بها مشاهير الفن مثل الفنان الكبير محمد عبدالوهاب وشادية، ومن الأغنيات المشهورة في الفلكلور المصري «كله على الله .. على الله، القمح أهو طاب.. على الله، طلب الحصاد..على الله، حصاده أتأخر .. على الله، والسبل أتكسر .. على الله بخت العيال .. على الله .. الصيفه حلال.. على الله».

وقدمت الدلوعة  شادية في فيلم "قلوب العذارى"، عام 1958 والذي يعد  مثالا حيا يؤرخ ويصور لنا فرحة الفلاحين واحتفالهم بعيد القمح في تلك الفترة، واشتهرت في الفيلم أغنية "اه يالموني" كلمات فتحي قورة ومن ألحان محمود الشريف، وغناء شادية  ومن أشهر مقاطع الأغنية "ولولا القمح ما كانت حياتنا.. لولا العزبة ما تعيش المدينة.. ولولا الصبر ما نبلغ مرادنا.. بالمجهود ما يشمت حد فينا.. ولولا البسمة على الفلاح ما ناكل.. ولا تنفع سوسة من غير أمينة.. يقول الراوي ميل الحصاد.. يا دنيا حبي فينا ورقصينا".

ولعل أشهر أغنيات القمح في هذا الوقت هي أغنية موسيقار الأجيال " القمح الليلة ليلة عيده يارب تبارك وتزيده" ففي عام 1946م، قامت شركة "بيضا قطان" للإنتاج السينمائي، بإنتاج فيلم "لست ملاكا"، بطولة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وغنى فيه هذه الأغنية  التي انتشرت كالنار في الهشيم بين المصريين، وذلك لأنها مست جزءا من ثقافتهم الشعبية، الأغنية من ألحان محمد عبدالوهاب، والكلمات للشاعر حسين السيد.

ويقول فيها: "القمح الليلة ليلة عيده يارب تبارك وتزيده.. يارب تبارك وتزيده.. لولى ومشبك على عوده والدنيا وجودها من وجوده.. عمره ما يخلف مواعيده يارب تبارك وتزيده.. يارب تبارك وتزيده.. لولى من نظم سيده متحكم بين عبيده.. أرواحنا ملك إيده وحياتنا بيه.. هلت على الكون بشايره ردت للعمر عمره".