الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العيش المشترك.. بهجة الحياة فى مصر الجميلة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مع هذه الأيام الجميلة التى نعيشها جميعاً، تتوارد على خاطرى مشاهد عديدة تجسد معنى الوحدة الوطنية وحب البشر والعيش المشترك وكل تلك القيم النبيلة التى تميز مجتمعنا وسوف تظل فينا مهما حاول أعداء الحياة، لتبقى تلك المشاهد، وغيرها كثير، خالدة فى الذاكرة، لا يمكن أن تغيب فى يوم من الأيام.

(1)

كنا نملك بيتًا كبيرًا تحيطه حديقة زاخرة بكل صنوف أشجار الفاكهة، ويتصدر البيت "فسقية" تمتلىء بالورد البلدى بلونه الأحمر الفاقع.. وفى الخلف مجموعة من الحجرات.. كانت خالتى فهيمة تسهر الليالى مع أمى فاطمة، خاصةً خلال النصف الثانى من شهر رمضان.. تجهزان معًا عجين الكحك والبسكويت والبتى فور، ليبدأ الفرن في استقبال الصوانى، فيخرج كل ذلك شهيًا نلتهم بعضه وتحتفظ أمى بأكثره في صفائح مجهزة لهذا الغرض، استعدادًا لعيد الفطر المبارك.. كنا بالفعل أسرة واحدة.. لم نشعر يومًا بذلك الفيروس الذى ظهر بعد ذلك وحاول تفتيت الوطن، فلم أشعر في يومٍ من الأيام أن خالتى فهيمة مسيحية أرثوذكسية، ولم يكن غريبًا أن تلجأ أمى، عندما شعرت بضعفٍ ما، إلى خالتى فهيمة لترضع وليدها الذى هو أنا كما علمت منهما بعدما كبرت، فصرنا، أنا وأبناء خالتى فهيمة، أخوة في الرضاعة ولكن الأهم من ذلك كنا وما زلنا أخوة في الإنسانية.

(2)

قبل أن يبدأ أسبوع الآلام، الذى احتفل به المصريون منذ أيام، كان حوش بيتنا يمتلىء بسعف النخيل، ليتوافد الكثير من المسيحيين فى البلدة التى كنا نعيش فيها "القنطرة شرق"، ويأخذ من يشاء ما يشاء إحتفالاً بأحد السعف مع ابتسامة لا تفارق والدى تسبقها عبارة "كل عام وأنتم بخير".. أما صباح عيد الفطر، فقد كان يتوافد كل أهالى البلدة من بلدياتنا أهل قنا وسوهاج، بعد زيارة المقابر لتناول الإفطار من الكعك والبسكويت وخلافه.

ومع أول أيام عيد الفطر لا بد أن يكون الغذاء وجبة من الأسماك.. لكننى مازلتُ أذكر ذلك الفسيخ الذى تلتهمه كما لو كنتَ تأكل شيئاً أقرب إلى "الزبدة"، فقد كان صناعة منزلية، تسهر على تجهيزه أمى مع خالتى فهيمة أيضاً، قبل رمضان بأيام قليلة، ويتم دفنه ملفوفاً بشيكارة نظيفة فى حديقة المنزل، ويتم استخراجه ليلة العيد وتجهيزه لمائدة يوم أول أيام الفطر.

(3)

فى يوم من الأيام.. كنا قد انتهينا من إعداد صفحات العدد الجديد من جريدة «الأهالى» فى أول أيام شهر رمضان الكريم، ولم يكن ينقص صفحة رمضان إلا وضع مواقيت الإفطار والإمساك.. بحثتُ على مكتبى عن إمساكية تعيننا على استكمال الصفحة فوجدتُ مظروفًا وصلنى للتو بداخله عدد من الإمساكيات مع دعوة كريمة للإفطار على مائدة المحبة بشبرا، مرسلة من جمعية «السلام» القبطية، وبتوقيع القمص صليب متى ساويرس رئيس مجلس إدارة الجمعية.. لقد كان، رحمه الله، رمزًا مصريًا أصيلًا من رموز الوحدة الوطنية فى مصر، فهو أول من أقام مائدة للإفطار الرمضانى فى كنيسته بشبرا، وبدأها عام 1969 إلى أن تلقف الفكرة قداسة البابا شنودة الثالث، فأقام بانتظام مائدة الوحدة الوطنية فى الكاتدرائية بالعباسية.

لم يكن ذلك غريبًا على القمص صليب متى ساويرس الذى يقول ضمن الكثير من مقولاته الخالدة: «مصر هى المعلم للمحبة والإخاء.. ذُكِرَتْ فى الكتاب المقدس ما يزيد على 500 مرة وخمس مرات فى القرآن»، و«الإسلام يقدم السماحة لكل إنسان فالشرع يقول لا إكراه فى الدين، ويقول الرسول: من آذى ذميًا فقد آذانى»، و«الاسم الأنثوى الوحيد الذى ذكر فى القرآن كان اسم مريم، فالإسلام أعطى عهودًا ومواثيق لنصارى نجران، وعمرو بن العاص آمن البابا بنيامين وأعاده لكنائسه».

ولعل كثيرين شاهدوا مع بدايات رمضان الحالى، ذلك الفيديو الذى نشره على صفحته على الـ"فيسبوك"، أحد الشباب وقد ظهر الصليب مرسوماً على ظهر كف يده اليمنى بينما يسير وسط شارع تملأه زينة رمضان يتوسطها فانوس مضيء، ونسمع "وحوى ياوحوى.. إياحا" يتردد صداها فى هذا الفيديو الذى يختصر فى مغزاه معانٍ كثيرة جميلة ومفرحة.

هكذا هى مصر دائمًا، وهكذا كان وسيظل شعبها الطيب الأمين، وسوف تظل هكذا ولو كره الكارهون من أعداء الحياة سلفيين كانوا أم إخواناً.. مصر عصية على التفتت وباقية تصنع البهجة وتبتكرها، وتبحث عن كل ما يشع فرحاً وسعادة تغمر قلوب الجميع.. وكل عامٍ وكل مصر بخير وصحة وأمان.