الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تامر أفندى يكتب: الزعيم حكاية من ديارنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كنا على مشارف دخول فصل الصيف، وكنت أشعر بأن ديارنا التى من الطين هى الأخرى تخلع من عليها "هلاهيل" الشتاء، وتفتح أبوابها للشمس، ولأنه لم يكن حينها مراوح ولا أجهزة تكييف، كنا نرش الجدران بالماء لنتنفسه هواءً باردًا فى الليل، كان أبي يعود من عمله مع غروب الشمس، فنبدأ أنا وشقيقتي الكبرى الإعداد للقاعدة الليلية بعد صلاة العشاء حيث نفرش الحصير ونضع المضاجع المحشوة قش أرز وندس براد الشاى فى "قصعة النار"، بعد أن نشترى من الخالة نور قرطاسين للشاى والسكر بكوزين ذرة. 
لسنوات كان الراديو وحكايات الجدة عن أمنا الغولة سمرنا، حتى دخل ضيف جديد بيتنا حينما اشترى والدى تلفزيونا وأهداه صديقه القادم من السفر جهاز فيديو "شريط صغير" لأننى اكتشفت فيما بعد أن هناك "شريط كبير"، بعدما جُبت القرى لأستبدل شريطًا دون جدوى. 
كان صديق والدى مغرمًا بممثل اسمه عادل إمام، يتحدث عنه كثيرا حتى إن كل شرائط الفيديو التى أعطاها لأبى كانت كلها له وأذكر منها: "غاوى مشاكل، شعبان تحت الصفر، الحريف، عنتر شايل سيفه، خمسة باب، مين فينا الحرامي، والهلفوت وغيرها من الأفلام ومسرحيات شاهد ما شفش حاجة والواد سيد الشغال".
كان الفنان عادل إمام هو النجم الأوحد الذى تسلل إلى الديار وبات ضيفها كل ليلة حتى أن الجمع بدأ يزيد يوما بعد يوم إعجابا بذلك الحريف ابن الطبقة الفقيرة الذى يسخر من حاجته وقلة حيلته ويشكو دون نحيب.. يشكو وهو يبتسم ويلقى الإفيهات، صغير الجسد الذى لديه الحيلة والذكاء والقوة التى لم نعتدها غير فى أصحاب البنية القوية. 
جسد عادل إمام فينا التضاد فرأى كل واحد فينا نفسه منصور فى خمسة باب وعادل فى الغول وحسن سبانخ فى الافوكاتو، جسد هجراننا لأرضنا ولهثنا وراء الغربة بعد الانفتاح بخدعة "الساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب" فى عنتر شايل صيفه، كان نموذجا لصاحب صاحبه فى "سلام يا صاحبي" ومتئدا على جرح الفقراء رغم غلاف الكوميديا فى الهلفوت، فالمجمل أن سعادة عرفة الفقير وقتية، وأن الوردة التى منحتها له الحياة خلسة ستموت، هى نفسها الحياة التى من الممكن أن تهدى ممدوح في" زوج تحت الطلب" حبيبة عن طريق الصدفة، تعطيه قضمة عيش من مطابخ الأثرياء الذين رفضوا فهمى البسيط فى حتى لا يطير الدخان.
عادل إمام نجح فى خطف قلوبنا وعقلنا لأنه لم يمثل يوما بل كان واقعا.. كان حكايتنا فى البحث عن عمل.. فى ظروفنا المعيشية فى علاقاتنا الأسرية.. فى غرامنا وأوجاعنا وانتصارنا فى طهرنا وكذبنا ونقائنا وشهامتنا وشقاوتنا حتى فى حبنا للجنس الآخر وعربتدنا التى نخفيها أحيانا عن غيرنا وفى تطلعاتنا للعب مع الكبار وسرقة لحظات السعادة حتى وإن كنا فى خيمة.. فى عشقنا للنساء.. فى خيالنا وتخيلاتنا فى علاقتنا بالانس والجن والجنس والحب والكيف والزيف والصدق والكذب والدين. 
فى ديارنا القديمة حكايات كثيرة عن عادل إمام عشقناها صغارا ولم نمل من إعادة ذكرها وتكرارها كبارا، فحتى وقتنا هذا أقابل أصدقائى الذين عشقوا الزعيم فقلدوه حتى فى "الجاكيت الجينز" و"تسريحة الشعر" والمشط الصغير الذى كان يضعه فى جيب بنطاله الخلفى ويخرجه فى العراك على أنه "مطواة" فيجرى من أمامه فيصفف به شعره بابتسامة حفرتها السنوات فى ذاكرة أجيال وأجيال، فتحية حب لكباكا المناطق الشعبية، يوسف المنسي، شمس الزناتي، حنفى الأبهة، بركات.. صاحب المولد الذى اثبت عمليا أن خفة الظل اهم من الوسامة، وأن ثمة تفاصيل كثيرة فى الحياة يجب أن تعاش وفى قلبك سلاح الابتسامة. فالإنسان يعيش مرة واحدة.