الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جوليان أوفركوات يكتب: الجدل مستمر.. الأمن الداخلى فى فرنسا.. والنقاش الوهمى

الامن الفرنسي
الامن الفرنسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

السلطة السياسية استدعت الشرطة لمواجهة تمرد السترات الصفراء وسط «متغيرات الصراع الاجتماعى»
الأمن الداخلى لفرنسا قضية مهمة ولكن تم تجاهل الجدل حولها خلال الحملة الرئاسية لعام ٢٠٢٢ وسط سخونة المعركة على خط المواجهة فى الحرب الروسية الأوكرانية، وكان هذا بمثابة نعمة سياسية صغيرة لإيمانويل ماكرون سمحت له بتجاوز نقطة الضعف التى كان خصومه السياسيون يودون استغلالها لكن الفرنسيين كانوا فى قلب كل هذه الأحداث!
على الرغم من كل الأحداث والتصريحات الأخيرة خاصة الدروس «التربوية» الشهيرة الأخيرة والتقليل من «الشعور بعدم الأمان»، لم يفقد الفرنسيون الفطرة السليمة خاصة فيما يتعلق بالأمن الداخلى، وتحول التركيز الأمنى - الذى تم تثبيته بحزم على التهديد الإسلامى - نحو تمرد داخلى للغاية، تمرد السترات الصفراء الذين رفضوا بشدة شخصية إيمانويل ماكرون وبرنامجه الإصلاحى الليبرالى ويتم استدعاء الشرطة لإنقاذ السلطة السياسية وتصبح «متغيرات تعديل الصراع الاجتماعى» وذلك بحسب ما ذكره ضباط الشرطة الغاضبون من اتحاد UPNI
رجال الشرطة الغاضبون
زاد مسئولو إنفاذ القانون، الذين تم استدعاؤهم بشكل خاص خلال هذا الصراع الاجتماعى العنيف فى كثير من الأحيان، من التقلبات المزاجية خلال فترة ولاية إيمانويل ماكرون الأولى. لقد أخذوا بداية قوية مع حركة ضباط الشرطة الغاضبين كرد فعل على أعمال العنف فى نهاية عام ٢٠١٦، وبداية عام ٢٠١٧. حتى أن البعض ارتدى السترة الصفراء فى بداية الحركة واستمر الزخم التلقائى فترة جيدة. ولكن، كدليل على ذلك، انتحرت ماجى بيسكوبسكى، التى كانت تدافع بشدة وتمثل رجال الشرطة الغاضبين، بسلاح خدمتها قبل أيام فقط من أول مظاهرة رئيسية للسترات الصفراء فى نوفمبر ٢٠١٨. ومنذ ذلك الحين فصاعدا بدأت حركة الغضب بين رجال الشرطة فى التراجع أمام ما يحدث على الصعيد الإجتماعى.



نقطة خلاف أخرى، لم يكن لدى الشرطة حرفية كبيرة فى التعامل مع كل الأطياف فى قضية بينالا، وأعرب مسئولو النقابات عن استيائهم خلال لجنة التحقيق التابعة لمجلس الشيوخ فى عام ٢٠١٨. ثم نظمت هذه النقابات مسيرة كبيرة فى المنطقة الـ١١ بباريس فى أكتوبر ٢٠١٩.
وسرعان ما تشعر العديد من العائلات الفرعية لشرطة «العائلة الكبيرة» بالظلم، ولا ينقص آخر الحبل.. بمعنى آخر ضباط الشرطة الإداريون والفنيون يضربون ويتظاهرون.. لديهم الحق فى القيام بذلك لأن وضعهم يختلف عن وضع ضباط الشرطة النشطين.
وبعد ذلك تنظم الشرطة الليلية التجمعات. أخيرًا، فى ربيع عام ٢٠٢١، فى ذروة الخلافات العميقة مع الوزير المشرف كريستوف كاستانير، ترفع الشرطة أصواتها مرة أخرى للتعبير عن غضبها من أولئك الذين يحاولون تجاهل هذا الغضب وغناء النشيد الوطنى أمام المحافظات ومكاتب الشرطة. وهنا خرج كاستانير المزعج الذى أراد أن يجعل الشرطة والدرك يركعون فى باحة بوفاو، مرددًا الخبر الأمريكى الخاص بقضية جورج فلويد، إلى أن وصل جيرالد دارمانان وتولى المسئولية خلفا لكاستانير.. هذا الشخص يتمتع بـ"هالة الطفل ساركو»، كأنه ملاك، بالضرورة فهو مؤيد لمطالب رجال الأمن.. هذا الوزير اللطيف يظهر مع قوى الأمن ويداعبهم من أجل الوقوف أمام السترات الصفراء.
هل فهم إيمانويل ماكرون أخيرًا فى عام ٢٠٢١ أن الوقت قد حان ليشمر عن أكمام قميصه؟ يستقبل أكثر نقابات الشرطة نفوذًا لأول مرة فى قصر الإليزيه فى أكتوبر ٢٠٢٠، لكنه من الواضح أنه لم يتمكن من إقناعهم ومع ذلك، فقد تمكن من إعطائهم اتفاقا محددا لإبقاء قوات الشرطة فى حالة جيدة حتى الانتخابات الرئاسية مقابل قوانين تتناسب مع مؤسستهم.
من بين العديد من أنظمة الأمن الداخلى التى تم إطلاقها مع الكثير من التأخير، فإن قوات الأمن مدعوة لعدة أشهر للجلوس فى الموائد المستديرة وخلال ذلك، سيكون الشعب الفرنسى اليقظ قد اطلع على الكتاب الأبيض حول الأمن الداخلى، والاطلاع أيضا على تقرير ديلارو حول العلاقات بين الصحافة والشرطة، والقانون الذى نوقش فى أجواء مثيرة ومشدودة تتعلق الأمن.
لكن المباراة الرئاسية ٢٠٢٢ موعودة بإقامتها على أرض الأمن الداخلى، كان ذلك مؤكدًا! كان هذا اليقين يغذى الحمى المحيطة بإريك زامور بشكل خاص، وكانت جميع المؤشرات تقريبًا حمراء، سواء من حيث «الشعور بانعدام الأمن» الشهير أو من حيث القتل (جرائم القتل والجرائم الأخرى)، إضافة إلى عدم وجود أماكن سجون وزيادة معدلات الجريمة.. فى حين أن المواطن الفرنسى مرهق، فقد قاموا بحبسه فى المنزل مؤكدين له أنه لا يحتاج إلى كمامة صحية لأنه لا يعرف كيفية ارتدائها، بل وإجباره على ارتداء هذه الكمامة للتجول فى أى مكان سواء كان حديقة أو حتى على الشاطئ.
الحرب شريان الحياة
كل هذا تبدد أمام حرب أوكرانيا وملفها الذى حمله ماكرون للفرنسيين. وهكذا يتم استبدال كل شيء مهما كان ثمنه بصرخة عظيمة من القلب لأوكرانيا لتتنفس القلعة الرئاسية الصعداء.. ومهما كان الثمن وبغض النظر عن التكلفة، يجب أن نضع أنفسنا فى مواجهة هذا الصراع الذى يبدو أن العالم بأسره قد اكتشفه. 
نقابات الشرطة مع المشتركين الغائبين
هل ما زلنا نتفاجأ؟ لا يبدو أن ماكرون تعلم أى دروس من إخفاقاته فى الأمن الداخلى خاصة أن إصلاح الشرطة الوطنية أثار غضبًا غير مسبوق من المسئولين الحزبيين الذين يتبنون وجهة نظر قاتمة للغاية للتقسيم الهرمى الجديد لمديريات إدارات الشرطة الوطنية.
تتمثل إحدى نقاط القوة العظيمة لإيمانويل ماكرون على مدى السنوات الخمس فى الحفاظ على وهم فرنسا الوظيفية والتفاعلية فيما يتعلق بالأمن، خاصة باستخدام الوسائل الإدارية وألعاب الكتابة (يمكن للمرء أن يفكر هنا فى الإحصاءات المتعلقة بمكافحة المخدرات). المصدر الآخر، شبه الغريزى، للرئيس هو معرفة كيفية تفعيل البدائل الصحيحة فى أوقات الأزمات لإيجاد الفرصة التى توفر له الرهان الإعلامى. وهكذا يتم تجريم السترات الصفراء.
على أى حال، إيمانويل ماكرون ماهر ورشيق كما نقول الآن فى عالم الأعمال. لكن هل يستفيد الفرنسيون من كل ذلك؟ فى الوقت الذى تنظم فيه الأحياء نفسها فيما يتعلق تهريب المخدرات فيما تغرق «جزر الهند الغربية الفرنسية» فى أعمال عنف غير مبررة وتهريب أسلحة، بينما نستعد لتنظيم كأس العالم للرجبى (٢٠٢٣) والألعاب الأولمبية ( ٢٠٢٤) بعد سنوات قليلة فقط من وقوع أخطر الهجمات الإرهابية على أرضنا، هل من الممكن تصديق أن هناك نقاشا وطنيا حقيقيا حول الأمن والهجرة فى شمال أفريقيا وأفريقيا والشرق الأدنى ؟
من انهيار الخدمة العامة إلى إغراء الخصخصة
قبل كل شيء، يجب أن نلاحظ ما تقترحه هذه الحكومة، والذى يبدو أحيانًا خاليًا من الفطرة السليمة خاصة عندما يصرخ رجال الشرطة بسبب نقص الموارد والقوى العاملة إلا أن الدولة وعدت بتوظيف لم يسبق له مثيل (دون ذكر موظفى الخدمة المدنية الذين يتقاعدون أو يغيرون وظائفهم)، فهم مطمئنون إلى أن احتياطى المواطن فى الشرطة سيجعل من الممكن القيام بذلك. ومع ذلك، نتجنب ذكر الأزمة المهنية العميقة التى يمر بها قطاع حراس السجون (وزارة أخرى تواجه صعوبة، وزارة العدل)، والتى تكافح من أجل التوظيف وستبدو دائمًا قليلة الحظ فى العثور على مرشحين.
بالنسبة للأولمبياد، ذهبنا إلى حد السماح لشركات الأمن الخاصة بتوظيف الطلاب بترخيص مؤقت، بعد تدريب معجل لمدة ثلاثة أسابيع، وسيتعين الاعتماد عليهم لتأمين المواقع الأولمبية ومناطق المشجعين.
من جانبها، تظل نقابات الشرطة على أهبة الاستعداد وبدأت فى تجهيز مخالبها للجولة الثانية من إصلاح المعاشات التقاعدية التى توقفت بسبب الحلقة الصحية الطويلة لفيروس كورونا فى عام ٢٠٢٠. وفى ١٠ يناير، فى منشور يحذر التحالف: «ليس واردًا أن تعمل الشرطة لفترة أطول! نحن لا نلمس الوضع الخاص للشرطة، سنرد إذا كانت هناك ضرورة لتوازن القوى! » النقابيون فى الشرطة لا ينسون أنفسهم ولا ينسون أعضاءهم، فهم يعرفون الطريق ويقفون فى الصف الأول لتخمين المعارك الاجتماعية المقبلة».
لكن الفرنسيين منحوا التفويض لإيمانويل ماكرون وفرنسا ليست مشتعلة. سيكون من السخف الادعاء بخلاف ذلك. لذلك، يجب على الفرنسيين أن يظلوا يعانون ويعانون فى صمت (ربما أمام سقوط ما اعتبروه أمرًا مفروغًا منه: جمهورية هادئة وشبه مزدهرة نسينا فيها أحيانًا إغلاق باب منزلنا. فرنسا التى لم يتساءل فيها المرء مرتين عما إذا كان بإمكان أطفاله أو زوجته التجول بحرية فى الطريق العام دون خوف على سلامتهم الجسدية. فرنسا التى لم نثق فيها بالموظفين المدنيين فى ظل التهديد الحالى من قبل القطاع الخاص للخدمات العامة، فرنسا التى نثق فيها. على هذا النحو، كان من الممكن أن تكشف رشاقة إيمانويل ماكرون عن حدودها بالفعل.. ربما لم يكن المواطن الفرنسى أيام جاك شيراك معولمًا كما كان يأمل المقيم الحالى فى الإليزيه.. فهل يهتم بكل ذلك؟

معلومات عن الكاتب 
جوليان أوفركوات.. باحث فرنسى متابع جيد للأحداث داخل المجتمع الفرنسىويتناول فى هذا المقال التطورات المتلاحقة من مظاهرات وأحداث وينبه إلى ضرورة الاهتمام بالأمن الداخلى