الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الدكتور جورج شاكر يكتب: حدث تاريخي واختبار حياتي

الدكتور القس جورج
الدكتور القس جورج شاكر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نحتفل في هذه الأيام بميلاد السيد المسيح... ذاك الذى ليس له بداية أو نهاية أيام، لأنه منذ الأزل وإلى الأبد هو الله، إلا أنه تجسد في ملء الزمان يحمل إشراق فجر عهد جديد... ياله من تنازل فاق إدراك العقول.

وُلد من القديسة العذراء مريم وهي لم تعرف رجلًا... نعم! حدث غير مسبوق... إنه العجب العجاب، فلم نسمع عبر التاريخ الإنساني كله مثل هذا الحدث الفريد.

 قد نتساءل كيف... ؟!... والإجابة: هل يستحيل على الرب شيء؟!.  

ميلاده شطر التاريخ إلى قسمين قبل الميلاد، وبعد الميلاد.

 لم يدر بيوم ميلاده سوى بعض من رعاة الأغنام على مروج بيت لحم... لكن اليوم يحتفل بعيد ميلاده الملايين في كل بقاع الدنيا.

 لم يكتب كتابًا واحدًا في حياته لكن إنجيله يملأ الدنيا كلها بكل لغات ولهجات العالم، وميلاده أضحى وحيًا ملهمًا، ونبعًا فياضًا دافقًا لملايين الأقلام عبر الزمان تتحدث عن غنى نعمته وفيض محبته.

في يوم ميلاده كان الاحتياج إلى مكان ليولد فيه... أما اليوم فأجمل القصور والبيوت مهيأة ومكرسة لعبادته.

طوال حياته على الأرض لم يضع حجرًا على حجر ليبنى له بيتًا... لم يكن له أين يسند رأسه... لكن اليوم بدائع فن هندسة العمارة تشيد له أضخم وأفخم الصروح.

أعتقد أنه لم يلتحق بجامعة، لكنه كان وسيظل أبد الدهر المعلم الصالح الخالد.. تعاليمه وعظاته وأمثاله جمعت إلى عمق المعاني وروعتها بساطة العبارة ورقتها، علمنًا أن نحب مَنْ يعادينا، وأن نبارك لاعنينا، وأن نصلي لمَنْ يسيء إلينا.

 تعاليمه السامية ستظل نورًا لسبيلنا ودستورًا لحياتنا.

 لقد عمل قبل أن يعلم... كان يجول يصنع خيرًا، ويشفي كل مرض في الشعب... كم كفكف من دموع... كم حطم من قيود... كم صنع من معجزات خارقة تفوق الوصف والإدراك أبهرت البشرية جمعاء... معجزات لا تحصى ولا تعد.

 لم يسطر قصيدة شعرية واحدة في حياته ولم ينظم لحنًا موسيقيًا واحدًا... لكن اليوم  قصائد نوابغ الشعراء بمصاحبة أعذب الألحان الموسيقية تشكل أروع السيمفونيات التي  تشدو تمجيدًا وحبًا وتكريمًا له.. ولازال إلى اليوم يصنع معجزات فهو هو لم ولن يتغير.

اجتمعت في شخصيته الفريدة المتميزة النعمة والحق... التقت فيه الحكمة والبساطة... كانت له هيبة الأسد مع وداعة الحمل... كان رحيمًا ورقيقًا في غير ضعف، وكان جبارًا وقويًا في غير عنف، وكان عظيمًا ومتألقًا في غير كبرياء.

  إنه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا يلازمنا ويزاملنا عبر رحلة الحياة، في حلوها ومرها... في ورودها وأشواكها... في عواصفها ونسيمها... في الفرح والحزن... في الربح والخسارة... في الرحب والضيق... في الصحة والمرض... في القوة والضعف... في كل مكان وكل زمان... كل الأيام إلى أن يأتي ثانية.

 إنه يسوع  الذي معناه المخلص... أنه يخلصنا من الخطية... الخطية التي تهدر كرامة أي إنسان، وتجعله يعيش في صراع وضياع وفراغ... الخطية التي هي عار ومرار ودمار... الخطية التي أجرتها ونهايتها موت.

 ياه! عندما تجسد الفادي الحبيب وجد الأبواب موصدة في وجهه، لم يجد سوى المزود البسيط... وإن كنا نسمح لأنفسنا بغير حق أن نلتمس بعض الأعذار لسكان بيت لحم فى عدم استقبالهم وترحابهم بالمسيح، فأي عذر نستطيع أن نقدمه اليوم ونحن لا نختبره مخلصًا شخصيًا لحياتنا؟!.

نعم! سيظل المسيح فى دنيانا أمام باب مغلق طالما بقى الإيمان مجرد شعارات جوفاء بغير ممارسة عملية وطالما ظل الحب الحقيقى مجرد أشعار نترنم بها دون تطبيق فعلى فى الحياة اليومية وما بقى الصدق سجينًا خلف أسوار الرياء والنفاق وما بقيت الشجاعة فى الحق مكبلة بقيود الخوف على المصالح والمنافع الشخصية.

كل عام وكل العام ومصرنا الغالية بكل خير وسلام