الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

كيف تلاعب المودودي والإخوان بمفاهيم الدولة الوطنية؟

المودودي
المودودي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يقتصر دور الباكستاني، أبو الأعلى المودودي، على تأسيس الفكر المتطرف للجماعات الإسلامية، الذي استقى إرهاصاته الأولى من حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، وإنما امتد أيضا لوضع أركان فكرة حملت خطورة شديدة على تماسك المجتمعات، وصولا إلى تهديد صريح للدولة الوطنية، وهذا أيضا ما سار على نهجه سيد قطب منظر جماعة الإخوان الأكبر.

سيد قطب

وبينما حظي تعريف الدولة الإسلامية، بخلاف منع التوصل إلى تحديد جامع مانع له، لا سيما في ظل تنوع المفاهيم المتعلقة بهذا المصطلح، بحسب ما تتبناه كل جماعة من أفكار، فإنه مع تقدم الزمن صار الوصول إلى تعريف معضلة غير قابلة للحل، والفضل في ذلك لفكر المودودي وجماعة الإخوان، الذي موّه عمدا على معنى الدولة فأثر على مفهومها، طارحا مفاهيم مغلوطة لمعاني النصوص الدينية، وصولا إلى ضرب أساس قيام الدولة الوطنية.  
وأدى هذا في النهاية إلى إشكالية كبرى، هي أن الفكر الإسلامي المنبثق من أدبيات المودودي، والإخوان، يحقّر فكرة الدولة الوطنية القائمة على الحدود والجنسية، معليا في المقابل من فكرة اللاحدود، والاعتماد على التقسيم الأثير لديهم (ديار الكفر، وديار الإسلام)، بحثا عن تفجير صراعات بين الفئات الاجتماعية المتلاصقة داخل المجتمع الواحد، يستطيعون أن ينفذوا منها إلى الهيمنة على الجميع فارضين أجندتهم، التي تمحو الهوية الوطنية للمجتمعات.

تعريف الدولة


لا يمكن معرفة التأثير المدمر لفكر أبي الأعلى المودودي، ومعه جماعة الإخوان، على فكرة الدولة الوطنية، دون إلقاء الضوء على التعريف الصحيح لها، فالنظرة المتأنية لتاريخ نشوء الدول، يؤكد أنها "مجرد نمط ارتضاه المجتمع لتنظيم آلية الحكم، في قالب سياسي أولا ثم اجتماعي، يعبر عن الثقافات التي يتمتع بها المجتمع، بناء على تجاربه سعيا وراء الوصول إلى النموذج الأكثر كفاءة في لتنظيم العلاقة بين المؤسسات داخل هذا المجتمع".
ولما كانت المجتمعات ـ منذ قديم الأزل ـ تحتاج إلى الدين لتنظيم العلاقات بأنواعها بين البشر، صار إيجاد التوافق بين أساسيات الحكم في المجتمع، وأحكام الشريعة التي يستمدها من الدين السائد فيه، عملا ضروريا حتى تستقر الحياة وتنمو في اتجاه إيجابي داخل هذا المجتمع.
ومن هنا اختلط الدين بالدولة، فنشأ الخلاف حول الأفكار الدينية الواجب اتباعها بما يضمن عدم التصادم بشكل يدفع المجتمع إلى التحلل من الدين بالكلية، أو الخضوع للأفكار المتطرفة التي يروج لها بعض المغالين أمثال المودودي وقطب وغيرهما.
وزاد من صعوبة إيجاد إطار واضح للعلاقة بين الدين والمجتمع بحيث لا يقف أحدهما عقبة في وجه الآخر، ظهور فكرة الحاكمية التي ابتدعها أبو الأعلى المودودي، ومن بعده سيد قطب، اللذين حاولا استخدام هذه الفكرة ـ الحاكمية ـ لبسط هيمنة غير مسبوقة لأفكارهما على المجتمع فيكبلانه ويقودانه إلى حيث يريدان دون مقامة. 


أدلة دامغة


وكما يرفض أبي الأعلى المودودي في أدبياته وبشكل صريح، الاعتراف بالحدود بين الدول، فإن النهج ذاته سارت عليه مختلف جماعات التطرف المتأسلمة، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، التي لم تقم وزنا للوطن أو الجنسية. 
ومن أبرز الأدلة على مركزية تلك الفكرة لدى الإخوان، هو ورودها في الوثيقة التي وضع فيها حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان، القواعد الأولى لجماعته، التي حملت عنوان: "إسلام الإخوان  المسلمين"، وهي رسالة مؤتمره الخامس، وتضمنت: "الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن، وجنسية، ودين، ودولة، وروحانية، وعمل، ومصحف وسيف"، رافضا بذلك فكرة الوطن المعتمد على الحدود الجغرافية.   
الأمر نفسه عبر عنه المودودي بقوله: "الوطن هو البلد التي تطبق الإسلام"، وذلك بالطبع وفقا للمنظور الذي يراه المودودي وجماعته صحيحا، وهو ما عبر عنه أيضا سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق"، الذي أفرد فيه لمسألة الدولة والوطن فصلا كاملا بعنوان: "جنسية المسلم وعقيدته"، حيث قال: "جاء الإسلام ليقرّر أنّ هناك وشيجة واحدة تربط الناس في الله فإذا انبتّت هذه الوشيجة فلا صلة ولا مودة.. وأنّ هناك حزباً واحداً لله لا يتعدد، وأحزاباً أخرى كلها للشيطان وللطاغوت".
ثم خلص إلى القول: "لا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله... ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التي تجعله عضوا في الأمة المسلمة في دار الإسلام، ولا قرابة للمسلم إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله".
المقارنة بين ما ورد بأفكار المودودي وعموم الجماعات الإسلامية التابعة لفكره، وأيضا الإخوان وما انبثق منها من أفكار لسيد قطب وغيره من منظريها، وبين ما ورد في القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، يكشف عن حقيقة واضحة، وهي أن شكل الدولة في الإسلام ليس له نسق ثابت، أو ماهية محددة يمكن اعتبار ما عادها غير إسلامي.
وفي ظل حقيقة تنضح بها جميع أدبيات المودودي وقطب، ومفادها أنهما حاولا طرح شكل واحد للحكم، يعتمد على كونهم المفوضين من الله لفهم مراده، والحكم بما أنزله وفق فهمهم له، ليكون ذلك ستارا للسيطرة على المجتمعات، وتبريرًا لما يمارسونه من جرائم، كما لجؤوا لصناعة فتاوى تحلل اعتداءاتهم على حريات المواطنين. 

أرشيفية

نظام الحكم


نقطة أخيرة تؤكد أن نظام الحكم لا علاقة له بالإسلام، مادام ارتضته جماهير المجتمع، وهي أنه بعد انتهاء الخلافة الراشدة، لم يكن المسلمون راضون عن تطبيق معاوية بن أبي سفيان لفكرة الملك العضود ـ الوراثي ـ  وما اختلف معاوية رضي الله عنه، مع الإمام الحسين بن علي ـ رضي الله عنه ـ إلا لأن معاوية خرج عن نسق الخلافة الراشدة، في استبعاد مبدأ الشورى الذي اعتمده الراشدون الأربعة لاختيار خلفائهم.
ويطرح هذا سؤالا مهما: أي شكل لنظام الحكم ذلك الذي يرضي المودودي وقطب ومن على شاكلتهما؟ هل هو النظام الذي اعتمده الراشدون الأربعة الأوائل؟ أم ذلك الذي أسس له معاوية بن أبي سفيان من ملك وراثي عضود لم يكن مرضيا للمسلمين في بادئ تطبيقه؟
ومع إضافة أن أول أساس لطريقة الحكم جاء على يدي الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، ولم يضعه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، إذ لم يكن المجال يتسع لذلك حينها، فنجد بالتالي أنفسنا أمام حقيقة أن نظام الحكم لم يكون وحيا من السماء، ولم يكن شيئا غير قابل للتعديل والتطوير، دون أن يتهم أحد هذا التطوير بأنه مناف للإسلام، وبالتالي يبقى سعي الجماعات المتطرفة إلى هدم فكرة الدولة الوطنية، لم يكن إلا لإعلاء هيمنتهم على المجتمعات، وفرض فأكارهم دون غيرها.