الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

شنودة أم يوسف؟.. حملة تضامن مع أسرة طفل بالتبنى بعد إيداعه دار أيتام بسبب اختلاف الديانة.. «فاروق وآمال» وجدا الرضيع داخل أسوار كنيسة

الطفل شنودة
الطفل شنودة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 في مزيج من البساطة والفطرة يعيش "فاروق" وزوجته "آمال" في حى الشرابية بالقاهرة، على مدى ربع قرن، حالمين بتلك اللحظة التي يرزقان فيها بطفل ، حاولا وسعى كلاهما بين الأطباء وزارا دور العبادة للتبرك بالشهداء داعين الله أن يرزقهما بالذرية. 

يشاء القدر أن يجمع بينهما وبين طفل رضيع "مجهول النسب" وجداه داخل أسوار كنيسة دون سنّد أو دليل عن هوية هذه الوليد الصغير، لم يبال الزوجان "فاروق وآمال" بشىء سوى بشغفهما وحاجتهما لطفل يفتح لهما أبواب السعادة ويعّيد بريق للحياة بعد سنوات عجاف، فأخذا الطفل ليكون ابنا لهما رسميًا وروحيّا ونفسيّا. 

أربع سنوات عاشها الطفل «شنودة» وفق شهادة ميلاده الأولى، والمقرونة باسم "فاروق وآمال" أبا وأما لهذا الطفل، وتبدأ حياة جديدة لهؤلاء الزوجين مع ابنهما بالروح لا الجسد، ليصبح جوهرة البيت وشعاع نور لهما، كما كانا له حاضنين وحافظين، وظل الأب والأم يرسمان ملامح مستقبل ابنهما بالروح الذي نال سر المعمودية مثل سائر أطفال الديانة المسيحية، ولكن تأتي الرياح بما لا يشته "فاروق وآمال". 

لم يرد على خاطر الأم والأب بالروح لهذا الطفل، أن يأتي يوم يفارق ديارهما أو ترسله الظروف إلى دور الأيتام، بالرغم من أنهما كانا يتنفسان عشقا وحبا لطفلهما الوحيد، وهو ما يشهد عليه جيرانهما وكل من يعرفهما عن قرب، فقد كان "شنودة" قبلة الحياة لبيت مات فى انتظار سماع كلمة «بابا وماما»، حتى جاء بلاغا من ابنة شقيق الأب يقول إن الطفل مجهول النسب، وذلك بسبب خلافات شخصية أو مطامع في ميراث، كما قال البعض. 

 

بين ليلة وضحاها، أخذ الطفل من حضن أمه وأبيه، وترك بيته الذي تربى فيه، ليكون نزيلًا غريبا بإحدى دور الإيواء، غاب "شنودة" باسمه وشخصه عن بيت فاروق، وبات نزيلا باسم يوسف في دور الأيتام، وتبددت على أعتاب النيابة العامة وقراراتها أحلام الزوجين الطامحين فى وصول ابنهما ليكون طبيبا عظيما. 

بالفعل تم إيداع الطفل إحدى دور الأيتام، وإخلاء سبيل السيدة وزوجها لتوافر سلامة النية لديهما، ولكن لم يجد قلب هؤلاء ما يضمد جراحا غائرا يتركه فقدان نسمة الحياة لهم، ووسط أنين وبكاء الرجل وزوجته، تعاطف القاصي والداني، وحدث حراك وتضامن من قبل كتاب وصحفيين وباحثين ومؤسسات حقوقية ومواطنين مسلمين ومسيحيين، يطالبون بقانون الرحمة ورد الطفل لأهله. 

 

حملة توقيع 

 

أطلقت مؤسسة "قضايا المرأة المصرية" حملة توقيع علي بيان تضامن من مئات الشخصيات العامة والأحزاب والمؤسسات والمنظمات الأهلية، تطالب وزارة التضامن الاجتماعي، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس القومي للمرأة، بضرورة تكوين لجنة متخصصة للوقوف على أمر الطفل شنودة مع الاستعانة بالإخصائيين النفسيين والاجتماعيين، وكذلك عمل زيارات لكل من الأسرة والطفل شنودة في الدار التي تم إيداعه فيها وذلك للاطلاع على الحالة النفسية للطفل وأسرته، ومدى ملاءمة البيئة الاجتماعية التي كان يعيش فيها الطفل مع أسرته. 

وطالب البيان بضرورة إعلاء المصلحة الفضلى للطفل، بمتابعة نفسية من متخصصين لحالة الطفل شنودة، لحين البت في طلب إعادته للأسرة مع تصحيح الوضع القانوني وتطبيق نظام الكفالة عليه. 

واستند على النصوص الدستورية وما جاء في المادتين 53 و80 الخاصة بالحقوق والحريات العامة، وعدم التمييز وتحقيق المصلحة الفضلي للطفل، وأنه لا يوجد نص قانوني للحديث عن ديانة الطفل مجهول النسب، بل إن المادة الثانية من قانون الجنسية تضمنت النص على أن كل طفل مجهول الهوية يولد على أرض مصرية، يمنح الجنسية المصرية، بينما لم يرد أي نص قانوني بشأن ديانة الطفل مجهول الهوية، وطالب البيان بسرعة تكوين هذه اللجنة للوصول الى قرار بشأن عودة الطفل لذويه، وإعلاء مصلحته، تطبيقا لنصوص الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية. 

كما أن هناك مساعى حثيثة من سياسيين ومفكرين وكتاب صحفيين للتواصل مع الجهات التشريعية والتنفيذية لطرح حلول واقعية للخروج من الإشكالية، وهناك لقاءات مع قيادات كنسية ونواب لبحث آليات تصور للحلول المؤقتة ومنها إيداع الطفل بدار رعاية أيتام مسيحية وإعادة شهادة ميلاده التي حررت منذ مهده. 

 

المسيحية والتبنى 

المسيحية تعترف بمنظومة الأبوة والبنوة و"التبني"، حيث إن الكتاب المقدس الذي يمثل الدستور الإلهي للكنيسة، وردت فيه آيات تتحدث عن التبني بصور مختلفة، ومنها: "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي، مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي، مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ". إنجيل متى (25 :35)، "أَبُو الْيَتَامَى وَقَاضِي الأَرَامِلِ، اَللهُ فِي مَسْكِنِ قُدْسِهِ." سفر المزامير (68: 5)، إلا ان القوانين العامة فى مصر لا تسمح بالتبني ولكنها تفتح المجال أمام الكفالة والاحتضان، وفق شروط وضوابط، من بينها تطابق ديانة الطفل المكفول مع الأسرة الكافلة. 

كانت لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس المعروفة بلائحة 1938، تتضمن بابا كاملا عن التبني وضوابط له كما أن هناك أحكاما لمحكمة النقض خلال سبعينيات القرن الماضي أجازت التبني للمسيحيين وفق شرائعهم والقانون الخاص المنظم لذلك، وكذا بالعديد من الكنائس الأخرى هناك باب أو فصل خاص بالتبني والكفالة داخل اللوائح الخاصة بها. 

ومع إيقاف سريان لائحة 38، باعتبارها تتضمن بعض بنود تخالف الكتاب المقدس ولاسيما بعض الأمور الخاصة بالتطليق والانفصال، إلا أنها عادت مجددًا بعد تعديلات أجرتها لجان قانونية تابعة للكنيسة على اللائحة فى 2008، وظل باب التبني قائمًا حبرًا على ورق، واتخذت المسارات المتعاقبة لحين إعداد مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية للمسيحيين إعمالا للمادة الثالثة من الدستور ولكن وفق تصريحات ممثل الكنيسة القبطية في اللجنة – المستشار منصف سليمان – أنه تم الغاء باب التبني من مشروع قانون الأحوال الشخصية المزُمع طرحه للمناقشة بالمجالس النيابية نظرًا لمخالفة ذلك النظام العام للدولة. 

فيما تفتح القوانين العامة الباب للكفالة والاحتضان، وفق ضوابط وشروط محددة وتنسيق مع الجهات المختصة. 

 

محامى الأسرة 

من جانبه، كشف المستشار نجيب جبرائيل، محامي أسرة "فاروق وآمال"، أن لديه شهادات حية من أسر مسلمين مجاورين لأسرة شنودة جاءوا متطوعين للشهادة لتأكيد أن الطفل وجد بالكنيسة وترعاه الأسرة رعاية كاملة وبأمانة منقطعة النظير. 

وأضاف «جبرائيل» في تصريح لـ"البوابة نيوز"، أن القانون يحكم بأحقية التبني وفق ما ورد بالمادة 110 من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس 1938، ويمثل إنكار تلك المادة جريمة عدم تحقيق العدالة، وأن عدم النظر لباب التبني في الكنيسة طوال الفترة الماضية قد يرجع لعدم وجود حالات مشابهة أو حالات اتخذت ذات الصدى الواسع في الساحة الإعلامية. 

وقال: "إن رؤية البعض بأن المادة الثانية من الدستور تجيز القول بأن الطفل مسلما بالفطرة يمثل خطأ وذلك لأن المواد الدستورية تخاطب المُشرع وليس القضاة، ولا يوجد نص قانون واضح يقول إن مجهول النسب مسلم وعلى طريق القياس فإن المادة الثالثة من الدستور تنظم الأمور والشرائع المسيحية ورغم أن الميراث في المسيحية المرأة مثل الرجل إلا أنه في التطبيق القانوني يكون الرجل مثل نصيب الأنثيين، وذلك لعدم وجود قانون ينظم ذلك". 

وأشار إلى أن الطفل وجّد في رواق كنيسة وليس في الشارع أو مكان آخر، ولم تتحرك أي جهة على مدار أربع سنوات لاتخاذ إجراء تجاه الأسرة في شيء لأنهم وجدوه في مكان مسيحي. 

واستطرد: "رفعنا دعوى مستعجلة فى محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار وزارة التضامن بشأن إيداع الطفل أحد مؤسساتها، وإلغاء القرار الصادر بتغيير ديانة الصغير، وإلزام الوزارة برجوع الأمور إلى أصلها، كما تقدمنا بتظلم للنيابة العامة والمحامي العام بشمال القاهرة، لإعادة فتح التحقيق في ضوء المستجدات وشهادة مسلمين بأن الطفل وجد بمكان كنسي". 

وشدد على أن الأسرة توافرت لديها حسن النية حينما وجدوا الطفل في مكان كنسي، ولم يجدوا مفتش الصحة يسأل أو يبحث أو أحد يقول لهم إن هناك خطأ قانونيا.