السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حسابات المكسب والخسارة فى عودة الأمريكان للشرق الأوسط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وأركان إدارته، منطقة الشرق الأوسط، وهي الأولى للمنطقة منذ توليه منصبه، بداية من إسرائيل والضفة الغربية، ثم السعودية التي تشهد قمتين، أمريكية سعودية وأمريكية خليجية عربية، ستكون لها آثار كبيرة، وقد حققت مكاسب للعرب، وللسعودية، وفوائد للولايات المتحدة الأمريكية، منها مكاسب للرئيس الأمريكي نفسه، وبحثت في ملفات دولية مهمة، حيث تعد السعودية أكبر شريك تجاري عربي لأمريكا في العام الماضي بـ29 مليار دولار، تلتها الإمارات ثم مصر، التي تستقطب نحو 24 مليار دولار استثمارات أمريكية فى مختلف القطاعات، وبلغ حجم التبادل التجاري لها مع الولايات المتحدة الأمريكية 9.1 مليار دولار خلال 2021.

وكان العالم العربي على موعد مع قمة يترقبها العالم لما لها من أهمية بالغة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، تلك القمة التي تجمع زعماء العالم العربي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن سيكون ما بعدها يختلف كثيرًا عما قبلها، فالمجتمع الدولي يمر بمرحلة حرجة في العلاقات والتوازنات الدولية، والوضع الاقتصادي المتأزم الذي بات يشكل عاملًا ضاغطًا على تشكيل السياسات الخارجية.

يبدو أن العرب أرادوا هذه المرة توحيد كلمتهم لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وعدم الخروج من القمة بخسائر تذكر، حيث جرت زيارات متبادلة بينهم قبل أسابيع من القمة لتوحيد كلمتهم أمام الأمريكان، وكذلك توحيد مطالبهم ورؤاهم من أجل العمل معًا لمواجهة التحديات والمخاطر والتهديدات المشتركة والالتزام المشترك بضرورة العمل سويًا من أجل تعزيز الأمن والسلم في المنطقة والعالم، ومنذ نشأة مجلس التعاون الخليجي عام 1981، تم عقد 3 قمم خليجية أمريكية الأولى في منتجع كامب ديفيد الأمريكي في 14 مايو 2015، والثانية والثالثة بالعاصمة السعودية الرياض في 21 أبريل 2016، و21 مايو 2017.

وشارك في قمة جدة التي دعا إليها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى جانب الرئيس الأمريكي، وتضم 9 دول عربية، هم قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الأمر الذي يجعل تلك القمة أكثر أهمية من القمم السابقة.

أول مكاسب العرب ومنطقة الخليج هو عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، حيث قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن واشنطن لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، فضلًا عن عودة أمريكا للمنطقة والتزامها بحماية منطقة الخليج من العبث الإيراني، متعهدًا باستخدام كل الوسائل والقوة لإيقاف إيران عن إرهابها المستمر في المنطقة، كما يبحث أمن الطاقة والأمن الغذائي، وعلى رأسها النفط، واعتراف أمريكي صريح بالدور المحوري للسعودية ومصر والإمارات وبقية دولة مجلس التعاون الخليجي والعراق والأردن، في تحقيق السلام بالشرق الأوسط.

قمة «بايدن» مع زعماء الشرق الأوسط تهدف لبحث قضايا الأمن والتسليح ومحاربة الإرهاب والقضية الفلسطينية، والملف اليمني، وكذلك تداعيات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، والمناخ.

الزيارة أعادت الولايات المتحدة للانخراط على المستوى الدولي، وهو عكس ما كان عليه الحال قبل عام ونصف العام عندما كانت الولايات المتحدة تعاني من العزلة قبل أن ينجح «بايدن» عبر الدبلوماسية والعمل مع القادة الإقليميين وخاصة مصر والسعودية في إنهاء الحرب بين حماس وإسرائيل التي اندلعت في مايو من العام الماضي وخلال الزيارة، وسيعقد الرئيس الأمريكي قمة افتراضية مع قادة الإمارات والهند وإسرائيل ضمن مبادرة تحت اسم «I2U2».

والرئيس الأمريكي وحزبه يواجهان انتخابات بالكونجرس ويرغبان في تقوية جبهتهما عبر توثيق العلاقات مع دولة قوية بالشرق الأوسط، وهي المملكة العربية السعودية ولقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان وتعزيز الشراكة مع الرياض، في الوقت الذي تواجه فيه أمريكا أكبر موجة تضخم تعرفها البلاد منذ ٤ عقود من أجل الاحتفاظ بالأغلبية في الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل.

أجندة «بايدن» مليئة بالملفات السياسية والأمنية والاقتصادية وهو يبحث في جولته الشرق أوسطية عن جالون بنزين يهدئ به روع الناخب الأمريكي الذي لا تعنيه تقاطعات السياسية ومشكلاتها بقدر ما يرغب في ملء تنك سيارته ذات الدفع الرباعي بالوقود ومعدته بالغذاء من أجل أن يحتفظ حزبه بمكانته في الكونجرس خلال انتخابات التجديد النصفي المقبلة.

والزيارة هدفت أيضًا لتخفيض أو ضبط أسعار الطاقة وترسيخ التحالف ضد إيران خاصة مع بوادر فشل مفاوضات الاتفاق النووي مع ايران والعمل مع دول المنطقة من أجل توفير الأمن الغذائي ومكافحة الإرهاب ومعالجة ظاهرة المناخ ومواجهة الجفاف.

زيارة «بايدن» السعودية ولقائه الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تؤكد مكانة السعودية ودورها في المنطقة، وفي العالمين العربي والإسلامي.

ومن مكاسب الرئيس جو بايدن في زيارته إلى منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة من 13 إلى 16 يوليو إظهار الدعم لإسرائيل أمام الناخب الأمريكي وتعزيز التام الولايات المتحدة الصارم بأمن إسرائيل.

حضور الرئيس الأمريكي قمة مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن ولقاء نظرائه بالمنطقة يعزز الدور الأمريكي على مستوي العالم ويفيد المصالح الاقتصادية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الذي تكافح فيه التوسع الصيني والروسي بالعالم وتأكيد الدور الأمريكي في حل مشكلات المنطقة والقضية الفلسطينية ودعمه القوي لحل الدولتين، وكذلك حل مشكلة الملف اليمني.

الرئاسة الحالية للمملكة العربية السعودية، لمجلس التعاون الخليجي، تعزز العلاقات الوطيدة بين دول المجلس والولايات المتحدة الأمريكية وتعمل علي ضبط أسعار الطاقة، حيث تمثل السعودية رمانة الميزان في سوق النفط كما أن واشنطن تقدر قيادة الملك سلمان وحكمته، باعتباره شريكًا استراتيجيًا مهما للولايات المتحدة كما أن العلاقات بين الدولتين تمتد إلى ثمانية عقود.

الزيارة بحثت عددًا كبيرًا من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، من بينها الوضع في اليمن ودعم الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتوسيع التعاون الاقتصادي والأمني الإقليمي، ومبادرات المناخ، وضمان الطاقة العالمية والأمن الغذائي، والاتفاق علي استراتيجية طويلة الأمد للعلاقات بين المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية.. كما أنه من المقرر أن يلتقي «بايدن» بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في الضفة الغربية، وسيؤكد التزامه بحل الدولتين، وسيبحث سبل الحل السياسي والعمل على تحقيق العيش بكرامة وأمن وحرية وازدهار للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، بينما يشجع الأمريكيون الجهود السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، كما تريد الولايات المتحدة أيضًا، كبح نفوذ إيران في الشرق الأوسط وكذلك كبح تأثير الصين العالمي.

ومثلت الزيارة خطوة ذكية من الرئيس الأمريكي لتعزيز استراتيجية واشنطن لصالح الشعب الأمريكي والمنطقة، لخفض تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على معدلات التضخم في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 6.3% في مايو عن العام السابق.

من جانب آخر كانت  هذه الزيارة فرصة للجانب العربي لطرح قضاياه ورؤاه ومطالبه بشكل مشترك وموحد، عبر اجتماع زعمائه مع الرئيس الأمريكي، في الوقت الذي تستعد فيه واشنطن لصياغة رؤية أمريكية للشرق الأوسط توازن بين المشاركة والانسحاب، حيث يجمع كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري على أنه لا ينبغي إهمال الشرق الأوسط، فضلًا عن تحريك ملفات السلام في كل من فلسطين واليمن وليبيا، ومساعدة الشعب السوري لتوفير الماء والدواء والغذاء والكهرباء، ووقف العبث الإيراني في المنطقة العربية، وتحقيق تقدم جاد في عملية السلام بين الإسرائيليين من جهة، وبين الفلسطينيين والعرب من جهة أخرى، والاتفاق على أرضية مشتركة للعمل العربي الأمريكي الهادف لحل القضايا المعقدة في الشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي.

كما تعد الزيارة مكسبا كبيرا للمملكة العربية السعودية له عدة فوائد سياسية واقتصادية وأمنية حيث تؤكد الزيارة مكانة وقوة المملكة عربيًا وإقليميًا ودوليًا، وأنها تمثل رمانة الميزان في سوق الطاقة والنفط، فضلا عن أنها تدعم رؤية 2030، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كإطار استراتيجي للحد من اعتماد المملكة على النفط، وتنويع اقتصادها، وتطوير قطاعات الخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والترفيه والسياحة، فضلًا عن وضع رؤية مشتركة للتحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب.

وهنا نشير إلى إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال الجولة الشرق أوسطية عن مساعدة بقيمة مليار دولار للأمن الغذائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسط تصاعد أزمة الغذاء على وقع الحرب في أوكرانيا.

وعلى الرئيس الأمريكي تقديم ضمانات قوية وطمأنة بسلمية البرنامج النووي الإيراني وخارطة طريق لاحتواء التهديدات الإيرانية، وتقديم مبادرة عملية لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، تستند على حل الدولتين.