السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

سلوى بكر: المؤسسة التعليمية فى أسوأ حالاتها.. ولا يمكن أن تنتج مثقفًا

جانب من الندوة
جانب من الندوة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما وقَّعت مصر معاهدة «الشرف والاستقلال» عام ١٩٣٦، اعتقد المصريون أن بلدهم تسير بخطى ثابتةٍ نحو بناء دولة حديثة، وعكفوا على رسم الخطط للنهوض بتلك الدولة. 

ورأى «طه حسين» من موقعه كأديبٍ ومفكِّرٍ ووطنيٍّ، ضرورة أن يسهم فى وضع تصوُّر لمستقبل الثقافة فى مصر، مؤكدًا أنها أقرب لدول حوض البحر المتوسط منها لدول الشرق. ومن هنا فقد أثار الكتاب موجةً عنيفةً من الانتقاد لا تقلُّ عن تلك التى واجهت «طه حسين» حين أصدر كتابه «فى الشعر الجاهلى»، وأنكر عليه البعض إغفاله العلاقات بين مصر والشرق، مؤكدين أن المصريين، وإن كانوا غير مرتبطين بدول الشرق الأقصى، فإن هناك تقاربًا ثقافيًّا لا يمكن تجاهله بينهم وبين الشرق الأدنى، ولا سيما العرب. 

من هذا المنطلق استضاف «صالون البوابة الثقافى» نخبة من أبرز المثقفين والكتاب، وهم: الأديبة الكبيرة سلوى بكر، رئيس تحرير سلسلة التراث بالهيئة العامة للكتاب، والناقد الأدبى الدكتور يسرى عبد الله، أستاذ النقد الأدبى بجامعة حلوان، والكتاب الصحفى محمود حامد، مدير تحرير البوابة، وأدار النقاش الكاتب الصحفى محمد لطفى، رئيس القسم الثقافى بجريدة البوابة.

إعادة تعريف الثقافة

من جانبها تحدثت الكاتبة الروائية الكبيرة سلوى بكر عن رؤيتها حول كتاب مستقبل الثقافة فى مصر وهل هذا الكتاب ما زال صالحًا للتطبيق فى هذا اليوم، أم يجب مراجعة بعض جاء به وفقًا لمعطيات العصر الحديث؟ قائلة: «هذا التساؤل كبير وصعب، وهو تساؤل كان من المفترض أن تنشغل به المؤسسات الثقافية، وينشغل به المسئولون عن الثقافة، فالثقافة اليوم ربما تحتاج إلى إعادة تعريف، فمفهوم الثقافة فى حد ذاته أصبح مفهومًا واسعا، ولم يعد المفهوم المتعلق بالإبداع والأدب فقط، والمتغيرات التى تمت على الأرض فى المجال الثقافى هائلة، سواء على المستوى الداخلى أو المستوى العالمى الخارجى.

انهيار المؤسسة التعليمية

وأضافت: كيف نتساءل عن الثقافة قبل أن نتساءل عن التعليم، فواقع التعليم يأتى فى المقام الأول، وعندما كتب طه حسين مستقبل الثقافة فى مصر، كانت وزارة التربية والتعليم تسمى بوزارة المعارف العمومية، والملاحظ أن المؤسسة التعليمية فى مصر كانت دائما ترتبط بالثقافة، وكان قادة المؤسسة الثقافية من رموز الفكر وكبار المثقفين فى مصر، ولذا وجدنا على سبيل المثال مصطفى المنلفوطى يكتب نشيد اسلمى يا مصر، وبيكار الرسام العظيم فى الأصل كان مدرس رسم فى إحدى المدارس، ومن الطبيعى أن يتخرج من تحت يده فنانون، وأظن أنه لا مستقبل للثقافة بمعناها الإيجابى المؤسس ودورها فى بناء الإنسان دون أن نعيد النظر فى المؤسسة التعليمية وعلاقتها بالثقافة فى المقام الأول.

وتابعت: المؤسسة التعليمية فى أسوأ حالاتها ولا يمكن أن تنتج مثقفا، لأن المثقف دوره الأساسى هو إنتاج الأفكار التى تعين المجتمع على أن يتقدم، وإذا كنا نتساءل لماذا لا تلعب الثقافة الدور المنوط بها؟ فأظن أن التعليم مسألة أساسية مؤثرة فى الثقافة ونشهد اليوم التردى التعليمى وعزلته عن الثقافة يجعل المستقبل ليس مبهرًا أو يدعو إلى التفاؤل».

إلغاء المؤسسة الثقافية

وحول دور المؤسسة الثقافية قالت: «هناك بعض الأصوات التى تدعو إلى إلغاء وزارة الثقافة التابعة للدولة وترك العمل فى المجال الثقافى للمجتمع المدنى، وأنا أرى أن هذا الكلام (هراء) لأننا فى دولة نامية والثقافة فيها يجب ألا تكون ترفًا، ويجب أن توجه لبناء الإنسان وتنميته، ومشكلة المؤسسة الثقافية أو وزارة الثقافة أنها تدار بموظفين وليس بمثقفين، وأقول دومًا أن هذه الوزارة تدار بموظفين كارهين للثقافة ليس فقط لأنهم لا يفهمون فى الثقافة، بل لأنهم يرون أيضًا أن إنفاق الأموال فى الثقافة هو نوع من العبث، وأن هذه الأموال هم أولى بها، بدليل أن ٧٥٪ من ميزانية وزارة الثقافة تذهب فى صورة مكافآت ومرتبات وهى إشكالية أساسية، ففى فترة من الفترات كانت وزارة الثقافة تعمل على خدمة وتجميل سياسات الدولة، وفى مرحلة أخرى وبالتحديد فى فترة الوزير فاروق حسنى، التى شهدت انتعاش السياحة، فكان يرنو إلى مزيد من انتعاش السياحة عبر الثقافة، فتم اختزال الثقافة فى الفنون البصرية والرقص والغناء، وتم اختزال الرقص فى التنورة، بينما الثقافة فى دورها الحقيقى فى أنها تخدم على الناس والارتقاء بهم وهذا كان يحدث فى الفترات السابقة.

العدالة الثقافية

وأضافت الثقافة فى فترة الستينيات، على سبيل المثال، كانت تحقق ما يسمى بالعدالة الثقافية، فكان يستطيع الفرد أن يدخل السينما أو الأوبرا بقروش قليلة يقدر عليها الطالب، واستمر هذا حتى مشروع مكتبة الأسرة وإن كان هذا المشروع الكبير قد شابه بعض الفساد فى نهايته، فالمؤسسة الثقافية تحتاج إلى فلسفة ويجب أن تدار بمثقفين ونتعامل معها بجدية، لاسيما وأن الدولة تقوم بالإنفاق عليها، وتحتاج إلى أن تكون فاعلة بداخل المجتمع، والدليل أننا إذا تتبعنا أداء بعض المؤسسات مثل المجلس الأعلى للثقافة أو قصور الثقافة والتى أنفقت عليها ملايين الجنيهات، ستجد أنها لا تدار بشكل جيد.

أموال النفط

وواصلت بكر: هناك متغير من نوع جديد لم ينتبه إليه الدكتور طه حسين لأنه لم يكن موجودًا وهو دخول النفط وأمواله على الثقافة فى المنطقة العربية، لافتة إلى الدور الذى قام به النفط أو بمعنى أدق أموال النفط، مشيرة إلى أنه أدى إلى تسطيح الأفكار وجذبها فى اتجاهه عبر أمواله وجعل من يتعامل مع الثقافة معنيا بأشياء لا تعبر عن المجتمع بقدر ما تسعى لإرضاء من يدفع من أهل النفط، مختتمة بقولها: «مستقبل الثقافة موضوع شائك ومعقد ويحتاج إلى حديث طويل».