الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

متى تنتهي الحرب الباردة ضد المرأة الناجحة؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 قدمت الدراما العربية المرأة العاملة والمثقفة قديما كنموذج لا تعتني بأنوثتها ولا بيتها، لا هم لها إلا التفوق بالعمل، بينما تفشل في إقامة علاقة إنسانية ناجحة بالتوازي داخل المؤسسة الأسرية خاصة مع الزوج، فهي إما طبيبة أو مديرة أو كاتبة أو فنانة تقدم بصورة سلبية نمطية لا تغري الرجل العربي لكي يقدم على الزواج بها.

ومع تطور المفاهيم عادت هذه الدراما لتقدم نموذجا آخر للمرأة المثقفة الأكثر أنوثة وجمالا عقليا ومعرفيا، وصارت محلا لجذب أنظار الرجال المثقفين، ومع حاجة الرجل للمظهر الاجتماعي البراق اتجه صوب هذا النموذج  للمرأة المثقفة والناجحة،  لتكمل له الوجاهة الاجتماعية في عالم الأغيار الذي نعيشه، ولكن الكثير من هؤلاء الرجال لم يتحملوا الإضاءات التي تحقق لزوجتهم سواء كانت إعلامية او طبيبة او كاتبة وغيرها من مجالات العمل المحترمة التي أثبتت المرأة فيها كفاءة ونجومية. وسرعان ما تدب الغيرة في قلب الزوج من هذه العلاقات الاجتماعية التي حققتها زوجته في ميدان عملها وهي جزء من عملها، فانقلب السحر على الساحر وأفاق الرجل الشرقي  على واقع أن زوجته أكثر تألقا منه، فأخذ يضيق عليها الخناق بالمنع من المشاركة في الحقل الثقافي أو حضور الندوات والمؤتمرات التي تمثل ضرورة في صقل موهبتها  وميدان عملها، ومن ثم تحولت الكثير من البيوت إلى جحيم لا يطاق بين رغبة الزوج في تقييد حريتها  بالعمل، وبين اشتعال الحماس لدى الزوجة في استكمال نجاحاتها ومشروع طموحاتها العملية والادبية.

وللأسف فإن الواقع العربي مليء بالتناحر الزوجي  بسبب هذه الإشكالية نجاح المرأة بعملها وغيرة الرجل الشرقي سواء كان زوجا او أخا، او حتى أب تتحكم به أفكار قديمة لم تعد ملائمة لمعطيات عصرنا، وللأسف فإن  أغلب زيجات المثقفات  تنتهي اما بالنزاع الذي لا ينتهي او بخضوع الزوجة لأوامر زوجها بترك العمل او الحد من الطموح فخسرن أنفسهن  وعشن حياة يائسة بائسة، وتحولت جنة الزوجية الى جحيم لا يطاق، وقد تكون الزوجة هي السبب في هذا الجحيم بعد ان حرمها الزوج من تحقيق ذاتها وأحلامها، فأخذت تنفس جم غضبها لا شعوريا عليه، والكل في هذا السباق كان خسرانا.

واقعيا، هناك الكثير من التجارب لسيدات فشلن في حياتهن الأسرية والعملية بسبب تحطيم الزوج نفسيا لها وتقليله من ذكائها واحتقار موهبتها، ورغم سيدات المجتمع المخملي لا يشعرن بهذه المآسي، وينتقدونني عندما ألقي حجرا على المياه الراكدة في هذه القضية، الا انني تعرفت على الكثير من النماذج الواقعية لسيدات عانين من غيرة أزواجهن من نجاحاتهن وشهرتهن، وحب المجتمع لهن كل في مجال تخصصاتهن وابداعهن.

بل يمكن القول بأن الكثير من النساء يواجهن حربا باردة اما من الاخ الاكبر او الزوج، وأحيانا الاب لاثناء المرأة عن استكمال مشروع نجاحها المهني، وقد تأخذ هذه الحرب شكل العنف بالضرب والاتهام والشك وطمس الطموح بكثير من الارياف والمناطق النائية، وقد يكون بتشويه السمعة في المدن، او هجر الزوج زوجته بل وكيدها بالزواج من اخرى نكاية فيها.

فإذا كانت هذه الزوجة كاتبة،طبيبة او عالمة فيزياء او كيمياء ويتطلب عملها حضور ندوات ومؤتمرات والمشاركة في الحياة الثقافية لاكتساب مزيد من الخبرات ولتسويق منتجها الفكري والعلمي، فانها تواجه مشكلات جمة من الزوج الذي يكيل لها النقد والتجريح وينتقص حضورها في البيت ويقلب عليها طاولة الاتهامات.

بل وكما سمعت من إحدى الصديقات بأنه يقوم بابتزازها بالمقارنه إن حضرتي مؤتمرا لماذا لا تسمحي لي بمحادثة الفتيات العابثات!! او ان ارسلتي تقارير العمل الى مديرك لماذا لا تسمحي لي بأن أراسل فتيات الفيسبوك والتيك توك!! او اذا انتي مصرة ان تحضري الندوة الفلانية لماذا لا اذهب انا للسهر !؟ او اذا كنتي تريدين النشر عن منتوجك الفكري فلماذا لا انشر انا صوري وانا أستحم على الشاطئ!؟

فعندما سمعت منها هذه المقارنات لم يسعني الا ان احارب بسلاحي الوحيد وهو القلم 

فكيف تبتز المرأة الشريفة بمقايضتها بترك عملها او انحراف زوجها واساسا هذه السيدة لا تغيب عن المنزل سوى ساعتين عمل بمعنى انها غير مقصرة في بيتها ابدا هذا اولا وغير منحرفه اخلاقيا هذا ثانيا وتعاملها مع الناس بناء على العمل وفي اطار محترم هذا ثالثا والتعامل هذا ضروري من اجل استكمال نجاحها ومسيرتها وطموحها ومستقبلها الذي تعبت عليه هذا رابعا 

فكيف تكون المقارنة بين العمل الجاد والمحترم مقابل عبث عبث عبث !؟

فتكون حجة الزوج احيانا كلام المجتمع والاقاويل والاشاعات فالشجرة المثمرة هي فقط من ترمى بالحجارة ومن هو الذي عمل شيئا مؤثرا بحياته ولم يسلم من الاقاويل حتى السيدات والرجال الذين لم يعملوا طوال حياتهم تعرضوا للتنمر والشائعات والاقاويل فما بالك بالناجحين والمعروفين وذلك لأسباب تشمل الغيرة والتنافس المهني واحيانا مجرد انعدام ضمير وفضاوة ناس وبخصوص السياسين يكون اغتيال شخصية او تسقيط سياسي وبخصوص المشهورين تكون لزيادة المتابعين واللايكات والتفاعل مع الصفحة او الجريدة او حتى حساب شخصي وهمي مدفوع الثمن ومدفوع الهدف، وأحيانا غيرة امرأة من امرأة أخرى. 

لسنا بصدد الأسباب وإنما نعرضها لتأكيد الظلم الذي تقع عليه المرأة الشرقية ان ارادت ان تنجح في هذا المجتمع المريض.

وبالعودة للزوج الذي تزوج من امرأة ناجحة، فالسؤال هنا إذا كان لا يحتمل هو زوجة ناجحة وطموحة فلماذا أقدم على الزواج منها وهو يعلم شهرتها ونجاحاتها؟ ولماذا يعمد الى طمس مكتسباتها بعد الزواج والقضاء على احلامها -رويا وتباعا علنا وخفية- باستكمال مشروع حياتها العملية؟  للأسف الشديد فان الكثير من النساء المبدعات المحترمات  يتعرضن لتشويه صورتهن ظلما وعدوانا  وهذا أمر لم يعد مقبولا.

قد يكون الرجل محقا في غيرته علي زوجته اذا كانت تعمل بمجال تكتسب شهرتها فيه من جسدها او شكلها واستخدام اي شي يشير كونها انثى، وغيرها من المهن التي لا تأبه للعيب الاجتماعي وهنا يحق للزوج ان يقيد حركة زوجته حفاظا على كرامته ورجولته.

أما المرأة المحترمة التي تعتمد على ثقافتها وخبراتها العلمية او العملية كل في مجال التخصصات المختلفة فلماذا تتعرض للمضايقات الاسرية والتقييد من حركتها وتطلق عليها سهام النقد الاجتماعي  اللاواعي لمجرد انها تسعى جاهدة لتحقيق طموحاتها.

أعرف الكثير من الكاتبات اللواتي يجدن معارضات شديدة من قلب بيتها لعملهن في هذا الحقل، وهذه المضايقات تصدر عن الأب والأخ  ثم لاحقا الزوج، فهي تحارب عندما تشارك بندوة او ترسل مقالا لرئيس تحرير لنشر اعمالها، او تلتقي بالمجتمع الثقافي تبدي رأيها بقضية معينة.

احدى صديقاتي حديثة الزواج تعاني الأمرين من زوجها بمنعه لها من المشاركة في الحياة الثقافية، حيث يطالبها بعدم حضور ندوات او ورش عمل وما شابه، فاذا استجابت لطلبه، فلن يحضر لها أحد تدشيت كتاب لها او حتى مناقشته بندوة خاصة بها، ولن تجد منفذا للظهور. مثل الصديقة وغيرها تعاني من ثقافة ذكورية تخشى على المرأة من ان يتحرش بها السفهاء، وان حمايتها من الاوغاد يعني ملازمتها لبيتها دونما تفاعل انساني خارجي ؟ انا اعتقد ان حمايتها هي اثباتها نجاحها واحترامها في ذات الوقت لان المحترمة لا يمكن ان يتجاوز عليها احد الا قلة نادرة اشبهها بالذباب الذي لا يميز بأن يقف على رأس العالم الفقيه او رأس السفيه فهو لا يميز بين المراة الصالحة وغيرها فيحاول 

و لكن بالمقابل المراة القوية تعرف كيف تحمي نفسها جيدا 

ولا أملك من الرد علي الذرائع البالية الفكر، سوي اعتقادي بأن المرأة المحترمة التي اختارها الزوج بعد تيقنه من أخلاقها، لن تقبل بأي حال ان يتحرش بها السفهاء، فالمرأة الشريفة تصون كرامتها وعفتها أينما رحلت وحلت.

وازمة رجلنا الشرقي الذي نحترمه  ونجله انه لا يزال يبحث صورة جدته، كنموذج للمرأة صاحبة الفضيلة والأخلاق الكريمة، بينما هو قد يجد في زوجته هذه الفضائل ولكنها مكتسية ثياب العصرنة، لأن القيم والفضائل الاخلاقية ثابتة لا تتغيير بتغير الحوادث والدهور، فمحلها القلب والتنشئة  السليمة.

أظن اننا في أشد الحاجة الى تغيير هذه الثقافة الذكورية التي تضع المرأة المبدعة في أي  حقل معرفي وثقافي  في سجن أوهام الحماية الاجتماعية من أوغاد البشر، بينما هي في حقيقتها تعكس عدم ثقة الزوج في نفسه بعد ان نضجت تجربة زوجته وشع ابداعها وحققت به نجومية أخافت الزوج من ان يفقد قدرته في السيطرة النفسية على زوجته.

ولعلي هنا أشفق احيانا على الرجل الشرقي لانه ورث ميراث مرير جعله مهما تثقف وتعلم لايجد في المرأة الا جانبها الانثوي الذي يجب ان يحافظ عليه دون ادراكه لوعي المرأة نفسها في الحفاظ على نفسها واسرتها كما تربت.

واظن اننا في أشد الحاجة الي تغيير هذه المفاهيم في ما يدرسه الأبناء في المدارس والجامعات، وما تبثه وسائل الإعلام علاقات غير سوية، والاستفادة من المؤسسات الثقافية والدينية في تقديم النماذج النسوية المحترمة التي سجل التاريخ  صفحاتها ليستعيد الرجل ثقته بنفسه وبالمرأة.

وهنا ادعو الرجال للتحرر من سجن خوفهم الداخلي، فليس بقهر الزوجة وتحطيم نجاحها تحافظ على أسرتك، بل الحب والتفاهم والاحترام المتبادل تصان عروش الأسر، وبالثقة المبتادلة بين الزوجين لا مجال لطرف فاسد او مفسد.