الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

مصطفى طوسي لـ"البوابة نيوز": انتقلنا من الحرب الباردة إلى الحرب الساخنة.. والحل في البيت الأبيض لا مع فرنسا أو ألمانيا .. وبوتين يستغل الضعف النسبي للنفوذ الأمريكي لتغير خارطة التحالفات السياسية

مصطفى طوسى
مصطفى طوسى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مصطفى طوسى محلل سياسي فرنسي من أصل مغربي يعمل نائبا لرئيس تحرير إذاعة مونت كارلو الفرنسية وهو مختص في الشئون الأوروبية، يحدثنا عن تصوراته للأزمة الروسية الأوكرانية، فى حواره مع البوابة نيوز:

**  البوابة نيوز: كيف ترى إدارة الرئيس ماكرون للأزمة الأوكرانية؟

-  مصطفى طوسة: أظهر الرئيس إيمانويل ماكرون في هذه الأزمة انخراطا دبلوماسياً قوياً حاول حتى آخر لحظة أن يقنع الرئيس فلاديمير بوتين بألا يجتاح أوكرانيا والتوصل الى تفاهمات حول الأمن الأوروبي وكان يراهن كثيرا على أن لديه كرئيس فرنسا والإتحاد الأوروبي القدرة على إقناع الرئيس الروسي بان ليس من مصلحة الروس والأوروبيين الدخول في علاقات عنيفة وفي تشنج في العلاقات، ولكن رغم  كل الجهود الماراثونية التي قام بها فشل في هذه المهمة.

ولهذا هناك خيبة أمل كبيرة تخيم على الدبلوماسية الفرنسية الشيء الذي دفعها أيضًا تنخرط في فرض اقصى العقوبات الاقتصادي على روسيا ،ومحاولة تجييش وتعبئة المجموعة الدولية بأنه يجب بذل كل الجهود لوقف بوتين ولإرغامه للعودة إلى المربع الأول والتوصل إلى تفاهمات.

** هناك جدل حول من المسئول عن اشتعال الأزمة الحالية؟ 

-  ربما هناك سوء تفاهم تاريخي حصل في المنطقة لا ننسى أنه في قمة بودابست عام 2008، حيث تعهد حلف الأطلسي والولايات المتحدة بأنها ستضم اوكرانيا الى عائلتها واعضائها، هذا الوعد قرأته موسكو بأنه خط أحمر لا يجب تجاوزه وإلا ستعتبره إعلان حرب أيضا.

 دول الاتحاد الأوروبي قدمت وعدا إلى أوكرانيا بأنها ستضمها إلى الاتحاد الاوروبي أيضًا هذا الوعد رفضته الدبلوماسية الروسية، ولطالما بعثت برسائل حازمة الى عواصم صناعة القرار في أوروبا وأمريكا بأن هذا إشكالية وضم أوكرانيا خط أحمر وإعلان حرب، لذلك حينما بدأت المفاوضات بين موسكو والإدارة الأمريكية والحلف الأطلسي، طلب الرئيس بوتين تعهدات خطية وضمانات مكتوبة بأن الحلف الأطلسي لن يضم اوكرانيا الى اعضائه لكن لسوء الحظ رفض بايدن والحلف الاطلسي الامتثال الى مطالبه الروسية، وهناك من اعتبر قبولها والامتثال او التناغم معها بمثابة الاستسلام للابتزاز والتهديد الروسي والرضوخ له، لذلك تركوا الباب مفتوحا لانضمام أوكرانيا الى عضوية الحلف الأطلسي. 

رغم أن هناك تناقض في العائلة الأوروبية حينما كان بوتين يلتقي في قصره بالكرملن  بالرئيس إيمانويل ماكرون وبالمستشار الألماني أولاف شولتس كان يسمع منهما خطابا بأن عضوية أوكرانيا للحلف الاطلسي ليست مطروحة مطلقاً ونهائياً في هذه الآونة، لكن حينما يطلب منهم تعهدات مكتوبة بذلك كانا يرفضان لان من وجهة نظر حليفهم الرئيس بايدن وحلف شمال الاطلسي أن ذلك يعتبر الإستسلام للقوة والإرادة الروسية وها مرفوض نهائيا ولهذا فنحن الآن أمام سوء تفاهم تاريخي.

روسيا تعتبر ما يقع في حدودها مع الاتحاد الأوروبي يهددها أمنياً، وتوسع وتمدد حلف الناتو شرقاً قرأته موسكو بأنه تهديد حيوي على أمنها القومي لهذا فهي قامت بعملياتها العسكرية في أوكرانيا على أساس فرض واقعاً ومعادلة استراتيجية جديدة يمكن أن تحسن مستقبلاً (شروط التفاوض المستقبلي مع الحلف الأطلسي)، لأنه حتماً سيأتي وقتاً يضطر فيه الفرقاء في المنطقة الى الجلوس معاً على مائدة المفاوضات للخروج بتفاهمات سياسية ودبلوماسية حول الأمن الأوروبي في المنطقة، إذن بوتين يريد عبر مغامرته العسكرية فرض شروطاً جديدة للتفاوض ويأمل ذلك ليرغم الحلف الاطلسي والاتحاد الأوروبي على تقديم التنازلات التي (رفضوها في وقت السلم) ربما بحربه قد يجبرهم بتفهم هذه المطالب الأمنية الروسية.

 

**لماذا استهان بوتين بوساطة ماكرون واخل بوعده له؟ 

- كتبت الصحافة الفرنسية الكثير في هذا الموضوع وكان هناك لغط وسوء فهم حتى كثرت التعليقات حول طول الطاولة التي استقبل بها بوتين قادة  فرنسا وألمانيا وإيران؛ في الواقع، أنا لا أعتقد أن كانت هناك استهانة إنما كانت هناك مطالب واضحة عبر عنها بوتين لكن لسوء حظه حينما يلتقي بالزعماء الأوروبيين لم يكن في جعبتهم الحلول وإمكانية تقديم الوعد، فلا يمكن لإيمانويل ماكرون أن يقول لفلاديمير بوتين انا أتعهد باسم الاتحاد الاوروبي وحلف الاطلسي أننا سنتجاوب مع مطالبك وبالا نضم أوكرانيا، فلا يمكن أن يقول ذلك.

 إذ يجب عليه الرجوع الى قيادة الحلف الاطلسي التي تبت وتقرر في المسائل لهذا الانطباع بانه استهان او استعمل او سوق او قام بعملية تواصلية عبر هذه الوساطات والزيارات أعتقد ان كلها مبالغ فيه عبر شبكات وسائل التواصل الاجتماعي التي بسطت الأمور عندما اتهمت بوتين بانه استغل هذا الوقت لكي يدخل العالم في لغط كبير ولكي يعطي الانطباع بأنه كان يريد حلاً دبلوماسياً لأن الحل والمطالب الأمنية والشروط  الذي يريد فرضها فلاديمير بوتين لا توجد لا في فرنسا ولا في ألمانيا، وإنما في البيت الأبيض الأمريكي.

والحوار الامريكي الروسي حاليا بابه مسدود،  فلا توجد بينهما أي تفاهمات فأمريكا تريد أن تفرض واقعاً جيو استراتيجياً جديداً على اوروبا، وفلاديمير بوتين يريد أن يغير هذه المعادلة ويعيد عقارب التاريخ الى الوراء ويفرض شروطاً جديدة انطلاقا من قناعة بأن نفوذ الولايات المتحدة في العالم بدأ في التراجع وخير دليل على ذلك طريقة انسحابها من أفغانستان والذي فهمته إدارة روسيا على أنه مؤشر ضعف انطلاقا من تراجع  الدور الامريكي في الشرق الأوسط والخليج وفي أفريقيا وفي المتوسط.

كل هذه المعطيات تشجع الرئيس فلاديمير بوين على المضي قدما في استراتيجية التغيير الجغرافية السياسية الحالية والتي معناها ان يرسخ نفوذ روسيا على الجمهوريات التي كانت تسبح سابقا في فلك الاتحاد السوفيتي وهي توجد الآن في مدار الحلف الأطلسي، وهناك بعض الجمهوريات مثل أوكرانيا التي تصبو وتحلم بالانضمام للحلف الاطلسي.

 

نستطيع القول بأن الرئيس بوتين يستغل الضعف النسبي للنفوذ الامريكي في العالم، لكي يحاول أن يغير خارطة التحالفات السياسية لدول الجوار الاوروبي

** هل عدنا لأجواء الحرب الباردة؟

- بالنسبة لعهد بوتين كانت نوعا من أجواء الحرب الباردة هي التي تخيم على العلاقات الروسية الاوروبية الأمريكية، عندما جاء الرئيس ماكرون الى قصر الإليزيه حاول مرارا أن يفتح حواراً إستراتيجياً مع الرئيس فلاديمير بوتين، استقبله في قصر الاليزيه وفي قصر  قلعة فور بريجونسون التي يقضي فيها الرؤساء الفرنسيين عطلاتهم الصيفية، حاول أن ينطلق من عقيدة أوروبية أن روسيا هي جزء من القارة الأوروبية وأن أمن روسيا يهم بطريقة مباشرة وحيوية أمن أوروبا، وأن أمن أوروبا يجب أن يرتبط بأمن روسيا لكن يبدو أن الرئيس ماكرون فشل في هذه المهمة.

**هل ترى أن العقوبات الاقتصادية كافية لإخضاع روسيا عن مشروعها التوسعي؟

- نعم ، ففي بداية الأمر كانت تريد الولايات المتحدة وأوروبا فرض العقوبات، كانت تعتقد انها كافية لردع الرئيس الروسي عن مغامرته العسكرية لكن يبدو أن الحزمة الأولى التي تبناها دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا لم تكن كافية لذلك أمام التطورات العسكرية الخطيرة التي شهدناها على المسرح الأوكراني والمواجهات العسكرية الدامية التي تجري حالياً في مدن أوكرانيا، أرغمت الدول الأوروبية  والولايات المتحدة الى اللجوء الى عقوبات كبيرة يراد بها أن تكون رادعة لبوتين وعلى رأسها القرار الاستراتيجي والمنعطف الكبير الذي تم اتخاذه دول اوروبا بعزل الاقتصاد الروسي عن منظومة سويفت المصرفية وهذه الخطوة لو تحققت ستوجه ضربة موجعة وقاسية وقاسمة للاقتصاد الروسي والتي سيتكبده خسائر كبيرة وسيحرمه من اموال لكي يمول منظومته العسكرية العنصر الثاني المهم أن بعض الدول كانت ترفض دعم الجيش الاوكراني بالأسلحة النوعية كي لا تشجع الحرب على الاستمرار، لكن مع تطور الأحداث غيرت رأيها.

 فعلى سبيل المثال أرسلت ألمانيا أكثر من 1000 صاروخا مضادا للدبابات وبقطع ستيندر للجيش الاوكراني وهذا الدعم العسكري من شانه تغير موازين وقواعد الاشتباك العسكري الروسي في اوكرانيا وتجعله ربما قد يتحول الى مستنقع للجيش الروسي قد يدفع ثمنه باهضاً على المستوى الخسائر الحربية، لحد الساعة تضغط المجموعة الدولية على موسكو وبوتين عبر العقوبات الاقتصادية والدعم العسكري النوعي لمساعدة الجيش الاوكراني على مقاومة الجيش الروسي والذي يحاول ان يغير نظام فلودومير زلينسكي في كييف وينصب نظاما عميلا له متماشيا ومتناغما مع متطلباته الامنية في المنطقة

**كيف ترى التصعيد النووي الذي لوح به بوتين؟

- هذه مفارقة خطيرة أن يلوح بوتين بالتصعيد النووي ، هو لم يهدد به ولكن قال بأنه يستنفر قواته النووية وأعتقد بأن هذه الرسالة السياسة واضحة المعالم كانت ردا على لجوء الاوربيين الى نظام استبعاد روسيا من نظام السويفت والى تجهيز الجيش الاوكراني بقطع حربية ذات جودة عالية وفعالية دخلنا في منطق المزايدات الرسائل التي تبعث إلى مراكز القرار العسكري الأوروبي والامريكي مفادها أن روسيا مستعدة للدخول الى ترسانتها الردعية النووية لكن في المقابل وبنفس الموازاة مع هذا التصعيد الروسي هناك تفاؤل أيضا لأن الوفدين الأوكراني والروسي يجتمعان حاليا على حدود بيلاروسيا من اجل بدء مفاوضات قد تؤدي الى انفراجات سياسية او ترك قنوات دبلوماسية واتصال وحوار بين الجانبين رغم الحرب.

 نحن نشهد في نفس الوقت هناك تصعيد خطير حول الترسانة النووية في الاقليم ولكن ايضا توجد قنوات اتصالات سياسية ومحاولة اجراء حوارات تفاهمات وهذا ينتمي الى منطق الحرب والسلم الذي يتبعه حاليا فلاديمير بوتين عندما يقرر في نفس الوقت أن يبعث برسال واضحة للعالم بانه قادر على اللجوء الى ترسانته النووية الرادعة ولكن في نفس الوقت هو يفتح حوار سياسي مع خصمه الاوكراني.

*كيف ترى دور تركيا والصين في الأزمة؟

- هاتان الدولتان لهما مواقف متميزة من الأزمة وممكن يؤثران إيجابيا، فتركيا عضو في حلف الأطلسي فإذا أرادت ان تغلق مضايق الدردنيل والبوسفور وتصعب تحرك العسكري الروسي في المنطقة لكنها لم تقم حتى الساعة بذلك مكتفية بلعب دور الوساطة بين أوكرانيا وروسيا لكن ماذا ستفعل اذا تلقت تعليمات من حلف الاطلسي هل سيقبل رجب طيب أردوغان ويمتثل للإرادة الحلف أم سيرفض، وهو يتمتع بعلاقات صداقة شخصية مع بوتين؛  نعني تماما حينما قرر المجلس الاوروبي تجميد عضوية روسيا فيه امتنعت تركيا عن التصويت لأنها ارادت الاحتفاظ بشعرة معاوية مع روسيا وأوكرانيا وتفضل لعب دور الوساطة.

أما البلد الثاني الذي قد يلعب دورا مهما هي الصين التي تدعم سياسيا بوتين لكنها لا تريد حربا شاملة قد توجه ضربة موجعة للإنتاج الاقتصادي والاستقرار العالمي لهذا هناك من يعول على أن تتحدث الصين بلهجة صارمة وجدية وحاولت اقناعه بالتراجع عن مخططاته العسكرية فهي البلد الوحيد الذي يملك وسائل التأثير الإيجابي على روسيا. 

 لكن المشكلة أن لدى الصين نفس أهداف روسيا خصوصا من صالحها أن يتم اضعاف الحلف الاطلسي لكونه عدو ومنافس كبير لها فالجميع يتساءل أي أجندة وأي توقيت يمكن تصور تدخل الصين في هذه الأزمة لمحاولة خفض التوتر في المنطقة ومحاولة حماية السلم والاستقرار العالمي.