الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عيد ميلادي الـ (69) من البوابة نيوز إلى بوابة بيروت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لو غاب كل شيء من ذاكرتي سيتبقى أول عيد ميلاد أحتفل به
من البوابة نيوز إلي بوابة الحلم بيروت، شاطئان للحياة يفيضان في قلبي بحب يمحو مرارة الأوجاع وعبق السنين 
في طريقي للبوابة وفي زحمة الأمل وعطر الأحباب.. يمضي العمر وخطوات السنين تدب بأقدامها على وقع الأيام، التي عشتها مع الرفاق وما تبقى من رحيق العمر الجميل مع عبد الرحيم علي وعادل الضوي ومصطفى بيومي في المنيا عاصمة القلب.

أنتظر أن تأتي إليّ ذكريات المنيا، فطفت علي السطح بيروت.

السابع من مارس عيد مولدي التاسع والستين، لا أتذكر في طفولتي أن احتفلت بتلك الذكرى، كانت ذكرياتي تركض أمامي هذا المساء، تسبق ظلي، ينبثق من خيالها ذكرياتي، وتنساب منها سنوات العمر الجميل.. كنت مقاتلا في المقاومة الفلسطينية، وانتقلت من صور إلى بيروت قمت بزيارة الفنان الراحل عبد المنعم القصاص، عمى عبد المنعم بوجهه النبيل وشاربه الفضي مثل قديس من قديسين العصور الوسطى، بالروشة في بناية أمام الصخرة الشهيرة كان مقر مجلة اليسار العربي، ومواجهة لمقر مجلة الكرمل، اصطحبني عم عبد المنعم إلى جاره الشاعر محمود درويش، الحلم يطل من عيون القصيدة، هناك كان الشاعر الفلسطيني الغزاوي معين بسيسو، الذي تكحل بطمي النيل وزنازين أبو زعبل، والشاعر عبد الرحمن الخميسي، حجر كريم متعدد الألوان، لم أصدق نفسي أنني أشارك هؤلاء العظام في مكان واحد، وما لبثت إلا جاء الكاتب مصطفى الحسيني ودخان لفافة تبغه الفرنسي «جيتان» تسبقه، والقائدان الفلسطينيان ماجد أبو شرار، وأبو إياد، وكأنهما أشجار برتقال من يافا يمضيان نحو الوطن المقبل من أعماق الجرح وأحلام الشعراء العشاق، والمخرج السينمائي فؤاد التهامي كأمير يتحدث، والمفكر ميشيل كامل عبق الثقافة اليسارية المصرية، أربع ساعات قضيتها مستمعا لكل هؤلاء العظام، وكأنني انتقلت من كوكب الأرض إلى كوكب بعيد، يطل من بين عيون جبال الأوليمب والآلهة أبناء زيوس.. غاب كل شيء من ذاكرتي إلا مغادرتنا للمكان، وكان البدر البيروتي يبحث عن صوت فيروز من بعيد يتسلل من بين هدير موج البحر، ويختبئ من القذائف الطائشة خلف السحب، وصوت عم عبد الرحمن الخميسي الجهوري يجلجل: إلى أين يا عبد المنعم تأخذنا الأيام؟ يبتسم عم عبد المنعم وهو يرد إلى المنزل حيث لدينا مفاجأة.

كانت بيروت حينذاك جدارنا الأخير، في التغريبة الأولى لليسار المصري، السادات يوقع اتفاقات السلام، والعقل المصري لا يستوعب ما حدث، مصر العظيمة تتهم بالخيانة!!
ما بين اتهام الحاكم واتهام الوطن جرح ينزف لا تضمده بيانات الإدانة، ومقالات الشجب، أشعر بانكسار بين ضلوعي يرتجف قلبي مثل الرجفة الدامية في ليلة إعلان هزيمة يونيو 1967، آه يا جرحى المكابر.. وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافرا» الشعر مخدر ولكنه ليس دواءًا، كان الشباب المصري يتوزع ما بين حركة فتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية، كنا نرى في مقاتلة العدو دواءً لجراح السياسة، وصلنا المنزل بالطابق الرابع عشر، تركنا المصعد وجلسنا في شرفة المنزل، فجأة خرج عم عبد المنعم ومعه تورتة وشمعة، ونظر لعم عبد الرحمن الخميسي قائلا: اليوم عيد ميلاد رفعت «الاسم الحركي لي حينذاك»، سالت دموعي، لست أدرى لماذا؟ ربما لأنني تذكرت حبيبتي خلود شتلة تبغ جنوبية تطل من فوهة بندقية، ربما لأني تذكرت أمي وكنت أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي، ربما تذكرت رفاقي في حزب التجمع غبريال زكى ومحمد سعيد والدكتور رفعت، بالتأكيد لأن التجمع تلخص فيه كل شيء؛ العائلة والوطن والتحقق والهزيمة، ولا يزال التجمع في العينين، أراه من خلف الذكريات، ضعفت الرؤية ولكن العينين مبصرتان، يا إلهي! كل هذا الحزن لي، من يرفع عنى مر هذا الكأس، 41 عاما ولا يزال الحب جرحه لم يندمل، ورائحة البحر مازالت في أنفي، وطعم الذكريات يطل من بين وجه عم عبد المنعم بوجهه النبيل وشاربه الفضي مثل قديس، ورأس الخميسي التي تشبه رأس زيوس يطل من خلف الأوليمب، وشمعة تتوهج مع ضوء القمر وكأنها التجمع في الزمن الجميل، ورحيق سنوات الصبا تطل من بين عيون الحلم:

"سكروا الشوارع عتموا الشارات/ زرعوا المدافع هجروا الساحات/ وينك ياحبيبي بعدك يا حبيبي

صرنا الحب الضايع صرنا المسافات/ اشتقنا للأيام السعيدة أيام السهر عالطريق/ عجقة سير وماشوير بعيدة ونتلاقى بالمطعم العتيق/ يا هوا بيروت يا هوا الأيام ترجعي يا بيروت ترجع الأيام".