الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سقطات الإعلام الغربي في الحرب الأوكرانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

سقطات الإعلام الغربي في الحرب الأوكرانية
لا تميل التغطيات والتحليلات حول الحرب الأوكرانية للحديث بشكل مباشر بشأن اليهود الأوكرانيين، بما في ذلك الرئيس نفسه فولوديمير زيلينسكي. هذا الجانب حساس للغاية في الميديا الغربية، لكنها تستميت في التمرير- بين الأسطر- لكل ما يريد اللوبي الإسرائيلي ترويجه عن صورة اليهود في أوكرانيا والذين يمثلون ثالث أكبر جالية يهودية في أوروبا وخامس أكبر جالية يهودية في العالم وذاقوا الويلات عبر تاريخهم.
وليس هدف هذا المقال بث روح العنصرية ضد اليهود، حيث إن المبدأ هو احترام اليهود وجميع الديانات والتفريق بين اليهودي، وبين الإسرائيلي الذي ينفذ السياسات الاستعمارية للصهيونية العالمية، بل إن الهدف هو فهم التشابك في المصالح والأيديولوجيا التي تستفيد من الحرب، خاصة باستخدام "كارت" اليهود فقط عندما يروق للعالم الغربي تصويرهم كضحايا. وتهب وسائل الإعلام الغربية لتحفيز مشاعر التعاطف وتوجيه النداءات لإنقاذ "مئة طفل يهودي من القصف الروسي الغاشم" حيث كانوا في إحدى دور رعاية الأيتام في أوكرانيا. وفجاة يأتي المشهد التالي فنرى طائرات "إسرائيلية" تنقلهم إلى "مطار بن جوريون" فيصفق العالم لهذا التصرف الإنساني "الرائع". وتستمر المشاهد لنرى طائرات تُقل لاجئين أوكرانيين يهودًا، فروا من الحرب، في إطار عملية لإنقاذ "مئات اليهود في أوكرانيا". ويعلو التصفيق أيضا في حماس وعاطفة جياشة لهذا التحرك "الإنساني" من قبل هذا الكيان، دون أن يتساءل أحد من المجتمعات، التي تدعي التحضر والدفاع عن الحقوق ونبذ العنصرية، عن باقي الأطفال الأيتام الذين تُركوا في الملاجىء الأوكرانية أو كبار السن الذين عجزوا حتى للنزول إلى المخابىء في محطات المترو.
وليس المغزى هنا إبداء اعتراض على إنقاذ هذا أو ذاك، فكلهم مهددون بالموت بقطع النظر عن دينهم أو عرقهم، لكن المفارقة التي تدعو للتوقف عندها تتمثل في أن القلب لا يرق لمشهد إسرائيل وهي تقتل الأطفال الفلسطينيين ولكنه سرعان ما ينزف حزنا عندما يكون هناك طفل يهودي على مرمى من دبابة روسية. 
بعض وسائل الإعلام الغربية لم تكتف بذلك بل أفردت مساحات ضمن تقاريرها الحية لتسليط الضوء على خطة الحكومة الإسرائيلية لمتابعة نقل أكثر من 15 ألف مواطن أوكراني "يهودي" حتى نهاية الشهر الجاري، وما يستلزم ذلك من سياسات لاستيعاب المزيد منهم لتيسير إقامتهم. والمفارقة العجيبة أنه يتم حاليا تهيئة منازل داخل المستعمرات التي انتزعت إسرائيل أراضيها من الفلسطينيين وهجّرتهم دون أن يذرف العالم دمعة عليهم أو يحرك ساكنا، بل ويتم استضافة وزيرة الداخلية في الكيان الاستيطاني للتعبير عن ترحيب حكومتها باليهود الأوكرانيين وشرح الخطط المُعدّة لدعمهم وتسكينهم واستعجال استكمال بناء المنازل في المستوطنات. ولم يوقفها المذيع هنا ولا المذيعة هناك للسؤال عن تلك المستوطنات وماذا فعلوا بالسكان الفلسطينيين أصحاب البيوت والأرض الأصليين!  
وبحسب المؤتمر اليهودي العالمي، يوجد 840 ألف يهودي في أوكرانيا حتى عام 1959، انخفض عددهم إلى أقل من النصف بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانفصال أوكرانيا في التسعينيات، حيث انتقل الغالبية إلى إسرائيل بينما ذهب الباقي إلى دول أوروبية. ومن يتابع بعض التقارير في وسائل الإعلام الأمريكية نراها تمرّرُ فقرات طويلة عن الاضطهاد والسياسات التمييزية المعادية لليهود والمذابح التي ارتكبت في حقهم طيلة ألف عام. ولا يخلو أي تقرير تقريبا من الإشارة إلى كون الرئيس "الصامد والمثير للإعجاب" ينتمي إلى أسرة يهودية، وكيف أن "النازيين" قتلوا العديد من أقاربه خلال ما يسمى بالهولوكوست وكيف كان جده الوحيد من بين أربعة إخوة نجا من الموت خلال الاحتلال الألماني لأوكرانيا. 
وانتقدت أقلام شهيرة على سبيل المثال في مقالاتها بمواقع أمريكية الرئيس الروسي بوتين الذي "يظهر بمنطق أعرج من خلال تبرير غزو روسيا لأوكرانيا تحت دعاوي نزع النازية عن دولة يقودها رئيس يهودي يدافع عن الديمقراطية". كما حرص بعض الكتاب الأمريكيين على دسِّ محفّزات عاطفية كالسم في العسل، في سياق التذكير بدور الرئيس الأوكراني "الذي يعرف جيدا معنى الظلم والمعاناة من تاريخ جدوده اليهود"، وكيف اكتسب اهتمامًا واسعًا لأول مرة في الولايات المتحدة بعد أن حثه الرئيس دونالد ترامب، في مكالمة هاتفية بعد فوزه في الانتخابات الأوكرانية، على بدء تحقيق فساد حول هانتر، نجل جو بايدن، الذي كان عضوًا في مجلس إدارة شركة غاز أوكرانية واستخدم نفوذ والده في جمع ثروة تدور حولها شبهات فساد جراء التعاون مع روسيا والصين.
ويبقى العالم يتابع رقص بعض وسائل الإعلام الغربية التي دأبت على اقتناص الفرص لتلقين الدول النامية دروسا في أصول العمل الإعلامي وأخلاقياته وما يجب وما لا يجب دون أن تنتبه عمدا إلى الكثير من إخلالاتها خاصة عندما يتعلق الأمر بتغطية حروب ومنازعات يكون فيها المواطنون الأبرياء دون سواهم ضحايا للمصالح المتصارعة. فمتى تكف هذه الأبواق عن بث تلك الإيديولجية الكريهة وتقوم بدورها الحقيقي في كشف لعبة السياسة التي تقف بمدافعها على جثث الضحايا الأبرياء، لا فرق في ذلك بين أداء صاحب الحزام الأسود وممثل الأدوار الكوميدية في المسلسلات التلفزيونية.. كلاهما يتقن لعبة الاداء وكلاهما في الحرب مجرم يحصد الأرواح دون النظر إلى دينهم أو عرقهم.