الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأزمة الأوكرانية الروسية والوجه الاقتصادي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما زالت الأزمة الروسية الأوكرانية محل اهتمام وقلق الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، والعالم أجمع، والاتهامات تتبادل بين كل الأطراف، وموسكو ترى في الأزمة أنها من صناعة أمريكية لاستدراجها لحرب، وبوتين يؤكد أنه يعي ذلك.
وكل التحليلات ما زالت تدور في نفس الفلك، فالهدف الاستراتيجي لبوتين- كما أعلنه مرارا-، هو إبطاء توسع الناتو بوقف دخول أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وإضعاف البنية التحتية الأمنية الأوروبية، وأن فكرة غزو كييف ليس واردا بالمرة، ولكنه يطالب بضمانات أمنية وإنهاء توسع (الناتو) في شرق أوروبا والذي تعتبره بلاده تهديدا لها. 
ويبدو أن "الناتو"، قد وجد في الأزمة الأوكرانية فرصة للتحرك، واستغل الغرب قضية نشر قوات روسيا على الحدود الأوكرانية، بالعمل على إحياء الحلف، الموصوم بالخمول، وفقا لوصف سابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العام 2019، بأنه مصاب بـ"موت دماغي"، وكانت الأزمة فرصة لعودة واشنطن إلى الساحة الأوروبية، ومن هنا يطالبان بسحب القوات الروسية المحتشدة على الحدود الأوكرانية.
هذا ملخص الرؤية السياسية للأزمة، فأوكرانيا تطالب باستعادة شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو إلى الأراضي الروسية عام 2014، والتي يرى البعض أن المطالبة أصبحت جزءا من التاريخ، وفقا لتصريح شهير، في يناير الماضي، لقائد البحرية الألمانية السابق قبل استقالته-  "كاي آخيم شونباخ"، خلال زيارة للهند قال فيها حول الصراع بين روسيا وأوكرانيا "شبه جزيرة القرم ضاعت ولن تعود"، مؤكدا على تفهمه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أما عن الجزء الاقتصادي في الأزمة وهو لب مهم جدا في القضية، والذي تخشاه أوروبا خصوصا فيما يتعلق بفرض عقوبات عليها، والتي يمكن أن نصفها بأنها "عقوبات ذاتية" يفرضها الغرب على نفسه.
فبالعودة إلى العقوبات التي تم فرضها على روسيا بعد قرار موسكو ضم جزيرة القرم قبل ما يزيد على 7 سنوات، فالأرقام تشير إلى أن تلك العقوبات لم تؤثر على جوهر العلاقات الروسية مع التكتل القاري، ولا تزال روسيا تحتل المركز الخامس بين كبريات الأسواق التي تصدر لها الاتحاد الأوروبي، وروسيا ثالث الموردين للتكتل الأوروبي بعد الصين والولايات المتحدة. 
ويتفق المراقبون على أن أي عقوبات جديدة من شأنها أن تضر بأوروبا، وهو ما يفسر التردد والتحفظ من دول أوروبية تجاه سيناريو التصعيد مع موسكو، ففرض العقوبات في هذه الحالة سيكون بمثابة معاقبة ذاتية، ولها عواقب كبيرة على الاقتصاد الأوروبي. 
ومن هنا يأتي التحفظ من دول كبرى مثل ألمانيا ودول أخرى، التي ترى أن الارتباط بين روسيا وأوروبا أكبر بكثير من هذا التعاون التجاري والاقتصادي بين الولايات المتحدة وروسيا، ولهذا تحرص على عدم الانجرار وراء واشنطن في الدفع نحو أزمة يتحسس الكل فيها جيبه أولا قبل سلاحه.
ومن هنا يأتي اللعب على طريقة وفر السلاح، للآخرين يخوضون المعركة بديلا عنك، والسعي إلى تكوين ميلشيات تدخل طرفا في عمليات تخريب مع روسيا، إذا ما قامت موسكو بغزو أوكرانيا، وهو أمر ليس وارد وبسهولة.
كثير من التصريحات والتحليلات تشير إلى هذا القلق، فرئيسة المفوضية الأوروبية "أورزولا فون دير لاين" أكدت في يناير الماضي بأن "العلاقة التجارية (مع روسيا) مهمّة بالنسبة إلينا"، ثم يؤكد تحليل اقتصادي أوروبي من "بلجيكا" على أن احتمالية فرض عقوبات ضد روسيا فبالنسبة لأوروبا، سيكون هذا سيف ذو حدين وستؤثر على أوروبا، كما أن تأثير العقوبات المضادة سيكون في المقام الأول في أوروبا. 
ومن هنا نرى هذه المحاولات من دول بينها فرنسا وألمانيا بالعمل على نزع فتيل الصراع بالوسائل الدبلوماسية نظرا لتداعياته الخطيرة على أوروبا، فألمانيا تعتمد على إمدادات الغاز الروسي، بينما الولايات المتحدة بعيدة عن هذا المأزق، فرغم قلق برلين، فهي بين استفزازات بوتين التوسعية من جهة واتجاه الحلفاء الغربيين للرد على موسكو من جهة أخرى، فموقفها الواضح "ألمانيا" ليس مرتاحا بالمرة في هذه الأزمة. 
صحيح أن مطمح ألمانيا تجاوز الأزمة، حفاظا على مصالحها، وفقا لاعتبارات سياسية أمنية واقتصادية، إلا أن البعض يرى في ذلك هو بمثابة البحث عن مستحيل، أو كما يطلق عليه محللون بأنه "يبحث دون جدوى، عن مربّع الدائرة" وفقا لمثل ألماني يقول "الدائرة لا يمكن أن تتحول إلى مربع أبدًا".
ولا شك أن الغاز الروسي الجانب الأهم في الأزمة، فهو يمثّل أكثر من 40% من واردات الغاز الأوروبية وأي خلل في إمداداته بسبب عقوبات غربية محتملة، ستكون له تأثيرات مباشرة على تكلفة الطاقة وبالتالي على كامل الاقتصاد الأوروبي وقدرته التنافسية، بل وعلى أسعار الطاقة بالنسب للمواطنين العاديين.
ورغم أن اللقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في واشنطن، كان الهدف الرئيسي منه سعي أمريكا دراسة "تأمين استقرار الإمدادات العالمية للطاقة"، إلا أنه من المستبعد أن تستطيع قطر تعويض الغاز الروسي لوحدها، علاوة على أن صادراتها من الغاز المسال مرتفعة التكلفة، بخلاف اربتاط الدوحة بعقود إمدادات طويلة المدى مع الدول الأسيوية.
وتسعى قطر إلى مساعدة واشنطن لإقناع عملاء الغاز المتعاقدين معها لإعادة تحويل بعض الإمدادات إلى أوروبا في حال أوقفت الأزمة الأوكرانية الإمدادات الروسية إلى القارة العجوز.
حتى أن تلويح واشنطن بإقصاء روسيا من إجراء معاملاتها المالية بالدولار، أو "عزل النظام المصرفي الروسي"، باستبعادها من نظام "سويفت" (Swift) للتعاملات المصرفية العالمية والذي يضمّ 300 مصرف ومؤسسة روسية، عارضته دول أخرى، لأن روسيا سوق مهم لصادراتها.
بإختصار الأزمة ليست بهذه البساطة، فهي أزمة معقدة، وبها الكثير من التشابكات، التي تضر بمصالح ليس دول أوروبا بل بمنطقتنا العربية وفي الشرق الأوسط.. وهذا موضوع يحتاج لرؤية أخرى.. فقرار الحرب ليس نزهة، بقرار أمريكي أو روسي منفردا، لفتح صراع مفتوح.