الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

جبران خليل جبران.. شاعر المهجر

جبران خليل جبران
جبران خليل جبران
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"أنا أعلم أن القليل في الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل، نحن نريد الكثير، نحن نريد كل شيء، نحن نريد الكمال". 

تلك إحدى رسائل الشاعر والكاتب والفيلسوف والعالم الروحاني جبران خليل جبران الراحلة الأدبية مي زيادة، يعد جبران رسام وفنان تشكيلي، ونحات عُثماني من أدباء وشعراء المهجر، الذي مولده يعد ضجة في شمال لبنان يوم 6 يناير 1883 ببلدة بشري، يوم مميز لشعراء المهجر ومحبي الأدب العربي، جبران ارتقي بإبداعه إلى عرش مجد لم يصل إليه سوي القليل، ويعتبر جبران من رموز عصر نهضة الأدب العربي الحديث، وخاصة في الشعر النثري .

وهاجر جبران مع والدته إلى أمريكا عام 1895، سُجن والده بتهمة اختلاس وصُودرت أملاكه، وأُطلق سراحه في 1894، وفي 25 يونيو 1895، قررت والدته الهجرة مع أخيها إلى أمريكا وتحديدًا نيويورك مصطحبة معها كل من جبران وأختيه، سكنت عائلة جبران في بوسطن، وبدأت أمه العمل كخياطة متجولة، بدأ جبران بالذهاب للمدرسة في 30 سبتمبر 1895، ووضعه مسؤولو المدرسة في فصل خاص للمهاجرين لتعلم الإنجليزية، كما التحق أيضاً بمدرسة فنون قريبة من منزله مع أسرته، ونمت مواهبه الفنية وشجعتها "فلورنس بيرس" معلمة الرسم في المدرسة. 


بقي جبران في بيروت سنوات عدة قبل أن يعود إلى بوسطن في 10 مايو 1902، وقبل عودته بأسبوعين، توفيت أخته  بالسل، وبعد سنة، تُوفي أخيه بنفس المرض، وبعد كل هذه الصدمات وتوفيت أمه بسبب السرطان


في عمر الخامسة عشر، عاد جبران مع عائلته إلى بيروت ودرس في مدرسة إعدادية مارونية ومعهد تعليم عال يدعى الحكمة، وبدأ تنفيذ مجلة أدبية طلابية مع زميل دراسة، ثم تم انتخابه شاعرًا للكلية.

أسس جبران الرابطة القلمية مع كل من ميخائيل نعيمة وعبد المسيح حداد ونسيب عريضة، وكانت فكرة الرابطة القلمية هي لتجديد الأدب العربي وإخراجه من المستنقع الآسن كما يروي "إسكندر نجار" في كتابه الذي ألفهعن جبران ويحمل اسم (جبران خليل جبران).

تفاعل جبران مع قضايا عصره، وكان من أهمها التبعية العربية للدولة العثمانية والتي حاربها في كتبه ورسائله، وبالنظر إلى خلفيته المسيحية، فقد حرص على توضيح موقفه بكونه ليس ضداً  للإسلام الذي يحترمه ويتمنى عودة مجده، بل هو ضد تسييس الدين سواء الإسلامي أو المسيحي.

كان جبران ميالًا منذ الطفولة إلى الوحدة والتأمل وأحلام اليقظة، وظل في مراهقته منطوياً على نفسه، وكان سريع البديهة ومتواضعًا وطموحًا.

امتلك جبران أسلوباً أدبياً تميز به كثيراً عن غيره من شعراء وأدباء عصره، حيث كان أسلوباً مبتكراً وجديداً غير مألوفاً وصفه البعض بالغموض، كما وصف جبران باسلوبه مجموعة من زملائه في المجال الأدبي مثل مي زيادة وصلاح لبكي وغيرهم.

ليس جبران نابغة (إبداعياً) ولا هو كاتب عابر لا تتعثر به النظرة التاريخية لتطور الكتابة العربية الحديثة، اذ إنه كاتب عربي، أعطى نتاجاً أدبياً عادياً ومات، دون أن يحصل على التقدير المناسب في حياته.

لم يلتزم جبران بلونٍ أدبي وحيد، فكتب في جميع الألوان الأدبية، حيث نظم  الشعر وألف الرواية والقصة القصيرة، وكتب كذلك المقالة التي تميزت بتنوع موضوعاتها ما بين الاجتماعي، والسياسيِ والفكريِ والفلسفي، كان جبران من الذين أبدعوا في فن الرسالة، فترك مجموعة من الرسالات التي تعج بالأساليب الأدبية والمواضيع المتنوعة، وأما بالنسبة للموضوعات والأهداف التي كانت يدور حولها أدب جبران فهي متنوعة، كان جبران في كتاباته يتبع اتجاهين، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على عقائد الدين، والآخر يتبع الميول ويحب الاستمتاع بالحياة النقية، ويفصح عن الاتجاهين معاً في قصيدته "المواكب" التي غنتها المطربة اللبنانية فيروز باسم "أعطني الناي وغني "،كما يتميز أسلوب جبران بالرومانسية.

كان جبران من أحد الأدباء العرب القليلين الذين كانوا لهم إنجازات باللغتين العربية والإنجليزية، حيث حقق نجاحاً كبيراً في التأليف باللغة الإنجليزية، وأصدر عدداً من الكتب وصل إلى الثمانية، وذلك خلال ثمانية أعوام، كما تميز أسلوب جبران الأدبي بسلاسة الألفاظ، والبساطة في التعبير، وتوظيف كل الصيغ والأساليب اللغوية، والإكثار من استخدام الاستعارات والمجازات، ولعل أهم ما يميز أعمال جبران الأدبية الإبداع في فن التصوير،  فنجد الكثير من الصور الفنية الجميلة الخيالية المليئة بالمعاني والعبارات العميقة تتغطى على أعماله الأدبية، لأنه فنان ورسام كان في البداية يصور الفكرة ثم يبدع في صياغته.

بالنسبة لجبران الشاعر فإنه لم يتبع الأسلوب الشعري التقليدي المحافظ المعروف في زمن العشرينات، فأسلوبه الشعري يلاحظ منه تأثره بالثقافة والأدب الغربي، كانت قصائده تطرح مجموعة من الأفكار، اذ عكس فيها الظلم والعبودية في المجتمع، ودعا جبران إلى الحرية والتمرد والقضاء على العادات التي تقضي على حقوق الإنسان وتكبله من التمتع بالحياة، وكان للرومانسية نصيب في أشعاره، قصائد جبران كانت تدور حول أكثر من موضوع كالوقوف على الأطلال، والوصف، والحكمة، والتقرير.

يعد تاريخ جبران يزخر بالمولفات منها :"الأرواح المتمردة"، و"دمعة وابتسامة"، "الأجنحة المتكسرة"، "العواصف"، البدائع والطرائف"مجموعة من مقالات وروايات تتحدث عن مواضيع عديدة لمخاطبة الطبيعة"، "عرائس المروج"، "نبذة في فن الموسيقى"، " المواكب"، "نصوص خارج المجموعة"، "مناجاة أرواح".

يوجد الكثير من الفنانين التي تغنو بمؤلفات جبران كالفنان الأمريكي اللبناني جبريل عبد النور لقصائد جبران ألبومًا كاملًا، كما غنت الفنانة فيروز قصيدته المواكب باسم " اعطني الناي وغني "، وكما غنت له مقاطع كاملة من كتاب" النبي" بالإضافة لقصيدة  "الأرض "، كما غنت فرقة (Mr. Mister) قصيدة "الأجنحة المتكسرة"، كما عزف له فنان الجاز الأمريكي جاكي ماكلين مقطوعة موسيقية بأسم "النبي".

كما تم إستلهام افلام من أعمال جبران "الأجنحة المتكسرة"، استلهم الفيلم من كتاب يحمل نفس العنوان "الأجنحة المتكسرة"، من إنتاج المخرج المصري ذو اصل لبناني يوسف معارف، أُنتج في البداية في لبنان باللغة العربية وبعد نجاحه عرض في الدول الأجنبية باللغة العربية مع الترجمة الإنجليزية، فقدت أشرطة التسجيل خلال الحرب الأهلية اللبنانية ثم وجدت نسخة منها لاحقًا بعد الحرب،و" النبي" من إنتاج المخرج "جاري تارن" وبطولة "ثاندي نيوتن" استلهم من كتاب "النبي" والفيلم عبارة عن مقاطع تجسد نصوص الكتاب، "النملات الثلاث" فيلم درامي قصيرو، استلهم من كتاب "المجنون" لجبران إخراج غابريل سومن.

يعتبر الحب عند جبران شراكة وتناغم روحي وكينونة أطلق بعض الباحثين على مفهوم الحب عند جبران اسماً خاصاً ألا وهو الحب الجبراني، اذ اعتبروا أن سمات الحب الجبراني مغايرة لكل ما هو عصري متصل بالحب.

كان للمرأة دور كبير في حياة جبران، بل وتكوين شخصيته الفكرية والفنية، وقد تجلى ذلك واضحاً في جميع مؤلفاته، إذ تعددت العلاقات الغرامية التي أقامها جبران خليل جبران أبرزها: مي زيادة، و جوزفين بيبودي ، وحلا الظاهر ، وسلطانة ثابت ، وماري هاسكل ، وإميلي ميشال ، وشارلوت تايلر ، وماري قهوجي ، وماري خوري ، وجيتريد باري ، وبربارة يونج ، وماريتا لوسن ، وهيلانة غسطين.

توفي جبران في مستشفى بنيويورك في 10 أبريل 1931وهو عن عمر 48 عاماً، كان سبب الوفاة هو تليف الكبد والسل، وكانت أمنية جبران أن يُدفن في لبنان، وقد تحققت له ذلك في 1932،دُفن جبران في صومعته القديمة بدير مار سركيس في لبنان، الذي تحول إلى متحف عُرف لاحقاً باسم متحف جبران، أوصى جبران أن تكتب هذه الكلمة على قبره بعد وفاته:
 " جبران خليل جبران أنا حي مثلك، وأنا واقف الآن إلى جانبك، فاغمض عينيك والتفت، تراني أمامك"