الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مشروع السيسي وبعض مفاهيم العدالة الاجتماعية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ليست مبالغة تاريخية عندما نقول ان "السيسي" واللحظة التي جاء فيها حدث استثنائيًا ومميز في تاريخ هذا البلد تمامًا كما وصف "محمد علي باشا" والظرف الزمني الذي واكبه وجاء به.
لكلا الرجلين مشروع لإعادة صياغة حاضر ومستقبل مصر المحروسة ؛ حيث تتعدد أوجه التشابه والتماثل ليس فقط في أهداف المشروعين وإنما حتى في منهج السعي لتحقيق تلك الأهداف ؛ وإن كنا سنحتاج لـ50 او 100 عامًا حتى يكون هناك حكمًا للتاريخ على محصلة المشروعين.
صحيح أن الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" كان له مشروعه الخاص وبالأحرى رؤيته لتغيير واقع هذا البلد، انطلاقًا من ذات الوعي لدى الزعماء الثلاثة بمكانة مصر وأهمية موقعها الجغرافي أقليميًا ودوليًا ؛ غير أن ما يميز التجربة الناصرية انها بما واجهته من عثرات لأسباب داخلية تتعلق بطبيعة وتركيبة النظام السياسي وأخرى خارجية ارتبطت بشكل النظام العالمي آن ذاك ؛ قد تمثل مرشدًا لمشروع السيسي ليستفيد من دروسها وتحدياتها ونتائجها، بحيث يتفادى عيوبها التي جعلت منها تجربة غير قابلة للتطور، إلا على مستوى الأهداف.
هذه السطور لاتستوعب الاستغراق في عقد مثل هذه المقارنات التاريخية، لكن تستطيع الأشارة سريعا إلى أهم ما أنتجه كل مشروع سعى جادًا لبناء هذا البلد من أفكار ومفاهيم وقضايا باتت ملحة على عقل النخبة والأمة المصرية.
أهم ما نتج عن مشروع "محمد علي باشا" من مفاهيم وأفكار هي فكرة الدولة الوطنية الحديثة وحاجتها الملحة للتعليم ونشر التنوير في مقابل الجهل والتخلف الذي كان يسيطر على واقع الأمة المصرية وبالطبع علاوة على بناء جيش قوي يكون عماد تلك الدولة ؛ فيما كانت قضية العدالة الاجتماعية بمفاهيمها الستينية كانت أهم ما أنتجته التجربة الناصرية أضافة إلى إعلاء الشعور القومي العروبي على حساب الأنتماء إلى هوية الأمة المصرية أقدم الأمم الضاربة بجذورها في عمق التاريخ والسابقة بطبيعة الحال على مفهوم الأمة العربية.
في المقابل يعلن مشروع السيسي أن أحد أهم أهدافه هو أستعادة الهوية المصرية بنقائها وصفائها دونما شوائب أفرزتها ظروف سياسية وتاريخية مرت بها منطقة الشرق الأوسط ؛بيد أن أبرز ما يحاول هذا المشروع أنتاجه مفاهيم مختلفة للعدالة الاجتماعية تبدو كأنها تكافح في مواجه المفهوم الذي خلفته التجربة الناصرية.
المشروع الناصري رسخ مفهوم العدالة الاجتماعية بأعتبارها تعني قيام الدولة بتقديم كل أشكال الدعم للمواطن بشكل أبدي ومهما تغيرت التحديات وتبدلت الظروف بدأ من دعم السلع اللامحدود وتوفير الوظائف في الجهاز الأداري وشركات ومصانع القطاع العام لكل الخرجين حتى إذا لم يكن هناك ضرورة لتعينات جديدة، وصولًا إلى إتاحة مجاية التعليم الجامعي وأعلاء شأنه على حساب التعليم الفني والصناعي على نحو جعلت المصالح والهيئات الحكومية تتكدس بالموظفين من أصحاب المؤهلات العليا فيما تراجع مستوى العمال والفنيين في المصانع وحتى الورش وشيئا فشيئا فقدت البلاد الأيدي العاملة التي تتمتع بمهارة الصنعة او الحرفة.
المحصلة تتحمل الخزانة العامة ما لا تطيق من أعباء الرواتب ودعم كافة السلع حتي وصلنا إلى مرحلة كانت تستدين فيها الدولة المصرية من أجل دفع رواتب موظفيها ودعم أسعار الطاقة والسلع الغذائية المختلفة مما جعلها عاجزة عن الأستثمار في بناء مشروعات زراعية وصناعية جديدة او تطوير الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير السكن المولائم.
 مجمل تلك الأوضاع جعلت الاقتصاد المصري على المحك وكان لابد من ثورة تعيد هيكلته وبنائه على أسس جديدة ومفاهيم معاصرة للعدالة الاجتماعية أختصرت فكرة الدعم المباشر الذي تقدمه الدولة على الشرائح الأكثر فقرًا لتحجيم معاناتها من أثار عملية الاصلاح الاقتصادي التي بدأت بتحرير سعر الصرف والرفع التدريجي للدعم عن أسعار الطاقة وصولًا إلى تقنين بطاقات التموين.
وبدأت الدولة المصرية او بالأحرى مشروع السيسي يقدم مفهوم مغاير للعدالة الاجتماعية كانت أخر تجلياته المشروعات الزراعية والصناعية وشبكات الطرق والمستشفيات والهيئات الحكومية التي أفتتحها الرئيس في مدن ومحافظات الصعيد خلال الأسبوع المصرم.
العدالة الاجتماعية لم تعد تعني توفير السلع المدعومة والوظائف الحكومية على حساب خزانة الدولة وانما توفير فرص عمل اكثر وبأجور أعلى تتيح للمواطن الأعتماد على ذاته في للوفاء بأحتياجاته.
وما شاهدناه في الصعيد يمثل أحد أبرز أوجه العدالة الاجتماعية إلا وهو تنمية أكثر الأقاليم المصرية فقرًا وحرمانًا وتهميشًا طوال العقود الماضية.
بعبارة أخرى يتبنى مشروع السيسي المثل الصيني الشائع " لا تعطينى سمكة ولكن علمنى كيف اصطاد" كمفهوم للعدالة الاجتماعية حتى يحفز المصريين على تنمية مهاراتهم وتعلم ما يتوافق ومطلبات سوق العمل.
اليوم تقترض الدولة المصرية من أجل بناء مشروعات تتيح المزيد من فرص العمل وهذه قمة العدالة، علاوة على تنفيذها أكبر مشروع قومي لتحسين حياة قرى ونجوع مصر "حياة كريمة" وهو وجه أخر لوجوه العدالة الاجتماعية التي التزمت بها الدولة وأعتبرها مشروع السيسي تدشينا للجمهورية الجديدة.
صحيح أننا جميعًا كمصريين نعاني من أرتفاعات الأسعار إما بسبب عملية الإصلاح الاقتصادي، أو بسبب أوضاع الاقتصاد العالمي لكن تلك أقل الضرائب والأثمان التي يمكن لمجتمع في مثل ظروفنا أن يتحملها إذا اراد تغيير واقعه  للأفضل؛ إلا أن إعادة تأهيل وتهذيب البيروقراطية وتحسين مهارات الموظف المصري تمثل أيضًا أحد مصادر الشعور بتحقق العدالة الاجتماعية، فما يزال المصريون يعانون من الروتين والموظف المتعنت وازدواجية اللوائح والقرارات الإدارية التي ترفع كلفة الحصول على الخدمات علاوة على عرقلة الوصول إليها.
والأمثلة في هذا الصدد متعددة ولا يزال المواطن المصري إذا احتاج للخدمة في هيئة او جهة حكومية ما يبحث عن واسطة تسهل له الحصول على ما يحتاجه من خدمات دون عراقيل وهذا الأمر بحد ذاته يفقده الشعور بالعدالة الاجتماعية التي تمتد مفاهيمها وتعدد أوجهها في كل مجالات الحياة.