الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الأخبار

داعية: الإيثار رحمة من الله أسكنها قلوبَ المؤمنين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكد الدكتور أسامة فخري الجندي مدير عام المساجد والداعية بالأوقاف أن الإيثار أعلى درجات السخاء، وأكمل معاني العطاء، قيمة الإيثار، وهي قيمة إسلامية رصينة حثّ عليها الإسلام، ورغّب فيها، ودعا إليها.
وقال في مقالته الرمضانية الثانية عشر تحت عنوان:" ا الإيثار رحمةٌ من الله (عز وجل) أسكنها قلوبَ المؤمنين
"، إن الإيثار في أدق معانيه: هو أن تُقَدِّمَ غيرَك على نفْسِك في النَّفْعِ والدَّفْعِ، أي في النفع له، والدفع عنه ؛ ولذلك يعود أثر هذا الإيثار على الفرد والمجتمع، أما أثره على الفرد فهو تدريب لك على قيم البذل والعطاء والسخاء والجود والإنفاق وحب الخير، وفي المقابل يقضي على الأنانية والشح والبخل وما شابه هذه الأخلاق المذمومة، قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].
وتابع: أما أثره على المجتمع فهو أن الإيثار يرسّخ قيم الحب والرحمة والتكافل والتعاون وفقه الشعور بالآخر وما شابه هذه الأخلاق المحمودة، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة:2]؛ بما يصنع معه مجتمعًا مترابطًا منسجمًا طاهرًا يحبُّ بعضُه البعض، وكأنه كالجسد الواحد الذي أراد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يُرَسِّخَه ويغرسَه فينا، حيث الإيثار رحمةٌ من الله (عز وجل) أسكنها قلوبَ المؤمنين، ويتجلى في إجابة دعوةٍ مِن أرملة، أو دعوةٍ مِن محتاج، أو دعوةٍ مِن مكروب، أو دعوةٍ مِن مهموم أو مغموم، أو كربة تفرِّجها على مديون ومعسر.
وأكمل: الإيثار هو أن تُحِبَّ لأخيك ما تُحِبُّه لنَفْسِكَ، وهو دليل على قيم النُّبل والمروءة والوفاء، فكم مِن أيدٍ لأهل الإيثار سَخَتْ آناء الليل وأطراف النهار، فغُفِرَت معها ذنوبُ العمر، ومُحِيَت بِها سيئاتٌ وخطيئات!
وقال الجندي، إن النفس البشرية مبتلاة بالشح، والله عز وجل يقول: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ) [النساء:128]، فهذا التعبير القرآني المعجز يفيد أن الشحَّ ملازمٌ للنفس البشرية حَاضِرٌ فيها، فلا يوجد أيُّ تَصَرُّفٍ إلا والشُّحُّ ملازم للنفس البشرية فيه ومعه، فلو خطر في بالك مثلًا أنك تريد اليوم أن تتصدق، فإنك سترى الشحَّ حاضرًا يقول لك أخِّرْها، فالشح موجود في القلوب، ولكن بعض الناس يغلب شحَّه وبعضهم يغلبهم الشحًُّ، لذلك حين تتصدق وتنفق وتعطي وتجود فإن التأثير المباشر لذلك هو أنك تغلبت على الشحّ الذي في قلبك، قال تعالى: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) [الليل:18]، فالإيثار له تأثيره الخاص على القلوب؛ لأن كلَّ عَمَلٍ تُقَدِّمُه له وَاردٌ على القلوب، وحين تكونُ من أهل الإيثار، فإن وَارِدَ ذلك على قلبك هو حُبَّ الآخر وإرساء القيم الإنسانية التي تحمل معنى الحب والرحمة والتعاون والإحسان وما شابه هذه الأخلاق والقيم الإنسانية.
وأردف: جاء (أَنَّ سيدَنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخَذَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، فَجَعَلَهَا فِي صُرَّةٍ ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ: اذْهَبْ بِهَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، ثُمَّ تَلَكَّأْ سَاعَةً فِي الْبَيْتِ حَتَّى تَنْظُرَ مَاذَا يَصْنَعُ بِهَا. فَذَهَبَ بِهَا الْغُلَامُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: اجْعَلْ هَذِهِ فِي بَعْضِ حَاجَتِكَ، فَقَالَ: وَصَلَهُ اللَّهُ وَرَحِمَهُ، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ يَا جَارِيَةُ، اذْهَبِي بِهَذِهِ السَّبْعَةِ إِلَى فُلَانٍ، وَبِهَذِهِ الْخَمْسَةِ إِلَى فُلَانٍ، حَتَّى أَنْفَذَهَا. فَرَجَعَ الْغُلَامُ إِلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ فَوَجَدَهُ قَدْ أَعَدَّ مِثْلَهَا لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَتَلَكَّأْ فِي الْبَيْتِ سَاعَةً حَتَّى تَنْظُرَ مَاذَا يَصْنَعُ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: اجْعَلْ هَذِهِ فِي بَعْضِ حَاجَتِكَ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَصَلَهُ، وَقَالَ: يَا جَارِيَةُ، اذْهَبِي إِلَى بَيْتِ فُلَانٍ بِكَذَا وبئت فُلَانٍ بِكَذَا، فَاطَّلَعَتْ امْرَأَةُ مُعَاذٍ فَقَالَتْ: وَنَحْنُ! وَاللَّهِ مَسَاكِينُ فَأَعْطِنَا. وَلَمْ يَبْقَ فِي الْخِرْقَةِ إِلَّا دِينَارَانِ قَدْ جَاءَ بِهِمَا إِلَيْهَا. فَرَجَعَ الْغُلَامُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَسُرَّ بِذَلِكَ عُمَرُ وَقَالَ: إِنَّهُمْ إِخْوَةٌ! بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) [الزهد والرقائق لابن المبارك]
ونبه إلى قمة الإيثار الذي يتعلق برحاب ومعيّة النبوة المشرفة، فعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقُلْ: يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلاَمَ، ثُمَّ سَلْهَا، أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ، قَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي فَلَأُوثِرَنَّهُ اليَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ، قَالَ: لَهُ مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ. [البخاري].
وشدد الداعية بالأوقاف على ضرورة تحقيق القيم الجمالية في الكون من خلال خلق الإيثار، وكُونوا كالجسد الواحد الذي أشار إليه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قوله: "مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى " [مسلم]، والمعنى: أنك ترَى المؤمنين في تراحُمِهم: بأنْ يرحَمَ بعضُهم بعضًا وغايتهم هي الحق (عز وجل)، لا بسببٍ آخرَ، وتوادِّهم، أي: تواصُلِهم الصانع للمحبَّةِ؛ كالتَّزاوُرِ، والتَّهادي، ورفع الغم أو الكُرَب، وتعاطفِهم بأن يُعينَ بعضُهم بعضًا، كما يُعطَفُ طرَفُ الثَّوبِ عليه ليُقوِّيَه، كمثَل الجسدِ بالنِّسبةِ إلى جميعِ أعضائِه، إذا اشتكى عضوٌ منه تَداعَى له سائرُ جسدِه، أي: دعَا بعضُه بعضًا إلى المشاركةِ بالسَّهرِ؛ لأنَّ الألمَ يمنَعُ النَّومَ، والحُمَّى؛ لأنَّ فقدَ النَّومِ يُثيرِها.