الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

مفكرون خالدون «2».. عبد المتعال الصعيدى.. شيخ المجددين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عبدالمتعال عبد الوهاب أحمد عبدالهادي الصعيدي عالم لغوي من علماء الأزهر الشريف وعضو مجمع اللغة العربية وواحد من أصحاب الفكر التجديدي بالأزهر ومن المنادين بالمنهج الإصلاحي في التعليم والفكر المعاصر والعلوم الإسلامية ولد في 7 مارس عام 1894م بكفر النجبا، مركز أجا بمحافظة الدقهلية.
كانت معظم كتاباته عبارة عن مناظرات جسورة، مثلت حصنًا حصينًا للمسلم المعاصر ودرعًا منطقية صارمة في التصدي لجولات الجنون العقائدي الذي تتبناه الجماعات المتأسلمة الأن، وأهم تلك المناظرات المتعلقة بتناقضية العلم والفلسفة مع الدين الإسلامي فتتجه رؤية الصعيدي إلى أن الدين يقصد منه الوصول إلى معرفة الحق بطريق الوحي، والعلم والفلسفة يقصد منهما الوصول إلى معرفة الحق بطريق النظر والعقل، فهما إذن يتفقان في الغاية ويختلفان في الوسيلة، واختلافهما في الوسيلة لا يمكن أن يجعل كلًا منهما يقف من الآخر موقف عداء لأن الغاية الواحدة قد يكون لها وسيلتان تؤديان إليها، وقد يكون لها وسائل متعددة، والوسائل التي تؤدي إلى غاية واحدة تتعاون في الوصول إليها ولا تتنافر، والدين يعترف بأن العقل وسيلة من وسائل المعرفة، والعلم والفلسفة يعترفان بأن الوحي وسيلة لها أيضًا، وحينئذ لا يصح أن يقف الدين موقف عداء من العلم، ولا يصح أن يقف العلم والفلسفة موقف عداء مع الدين، لا من حيث الغاية، ولا من حيث الوسيلة.
ومن الكتب المهمة والخطيرة كتابه «الحرية الدينية في الإسلام»، الذي صدرت منه طبعة جديدة عن مكتبة الأسرة عام 2012، وهو من أجلّ كتبه وأخطرها، على صغر حجمه، وقلة عدد صفحاته، جنبا إلى جنب كتابه الآخر الفريد «حرية الفكر في الإسلام»، وهو الذي عرض فيه لموقف الدين من الحريات بأنواعها العلمية والسياسية والدينية، مبينا أن الإسلام كفل هذا الحريات للإنسان، فقد ميزه بالأمانة أي العقل دون بقية المخلوقات لكي يستخدمه في التفكير والبحث، وإذا أهمل الإنسان في استخدام العقل لم يكن هناك معنى لخلقه فينا، و"الله سبحانه وتعالي منزه عن العبث".
رفض الشيخ الصعيدي، القول بنسخ آيات الحرية في القرآن الكريم، موضحًا أن إكراه المرتد على الإسلام بالقتل أو الحبس داخل قطعًا في عموم قوله تعالى "لا إكراه في الدين" لأن الإكراه في الدين كما يكون في الابتداء يكون في الدوام، وكما لا يصحّ الإكراه على الدين في الابتداء لأن الإسلام الذي يحصل به يكون فاسدًا، كذلك الإكراه على الدين لا يصح في الدوام لأن الإسلام الذي يحصل به يكون فاسدًا.
مدللًا في موقفه ورؤيته إلى أن إجماع الأئمة الأربعة على قتل المرتد قد خرج عليه ابن حزم، فضلًا عن احتكامه إلى الآيات التي تدعم الحريات الدينية في الشريعة الإسلامية.
كان الصعيدي في محور رؤيته مؤمنًا بأهمية الحرية الدينية للإنسان واختيار عقيدته، وتحمّله مسئولية هذا الاختيار، فيقول في "كتاب الحرية الدينية في الإسلام": "فلكلّ إنسان أن يعتقد ما يشاء في الدنيا، وحسابه على الله تعالى في الآخرة، وليس من حقّنا أن نحاسبه بشيء على ما يعتقده؛ لأنّه إنسان عاقل يتحمّل مسئولية اعتقاده، ولا نتحملها نحن عنه".
قدّم عبد المتعال الصعيدي، عام 1937 على صفحات مجلة السياسة، اجتهادًا مميزًا في مسألة الحدود؛ ففي معرض قراءته للنصوص الواردة في القرآن حول السرقة والزنا، يرى الصعيدي أنّ الأمر الوارد في الآيتين: (فاقطعوا )، (فاجلدوا)، هو للإباحة، وليس للوجوب، كما يعتقد علماء المسلمين، ولا ينبغي أن يكون القطع حدًّا مفروضًا وحده؛ بحيث يجوز العدول عنه في جميع حالات السرقة، وفي كلّ الظروف، وكلّ الأحوال التي تتغيّر بتغيّر الزّمان والمكان؛ بل يكون القطع في السرقة أقصى عقوبة فيها، ويجوز العدول عنه في بعض الحالات إلى عقوبات رادعة أخرى، ويكون الأمر كلّه، شأنه شأن كلّ المباحات، التي تخضع لتصرّفات وليّ الأمر.
أفتى الصعيدي بأن الحجاب عادة وليس فريضة، وأنه نزل في حق زوجات الرسول ﷺ وأن الشريعة تركت أمر الحجاب بين الرجل وزوجته وفقًا لمقتضيات المصلحة، وأن الكثير من الرجال يجبرون زوجاتهم وبناتهم على ارتداء الحجاب من باب الغيرة، وليس بهدف التديّن، كما أباح الصعيدي فنون التمثيل والتصوير، معتبرًا أن القرآن قدّم في عرضه صورًا تمثيلية جسّدت الكثير من قصص الأنبياء والرّسول من باب العظة والتعليم.
كما انتهى الصعيدي في مخطوطته "في ميدان الاجتهاد"، بوجوب أن يكون الطلاق مكتوبًا وليس شفويًا، وينبغي أن يكون عليه شهود، كما هي الحال في عقد الزواج، وذهب إلى أن تعدّد الزوجات أصبح مفسدة اجتماعية، وعلى الحاكم تحريمه، إذ إن الحكم الشرعي بإباحة التعدّد كان من قبيل إعلاء المصلحة العامة للمجتمع وللأمة، تطبيقًا للاستقامة والعدل، وليس من قبيل إطلاق الشهوات، واتّباع الأهواء، والمتاجرة بالنساء.