الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أفواه وأرانب !

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
القضية السكانية هي عنوان لمشكلة معقدة على مدى عصور متتالية في مصر منذ فيلم "أفواه وأرانب" عام 1977 لفاتن حمامة ومحمود ياسين ونسخته الإذاعية، ثم المسلسل التلفزيوني بنفس العنوان عام 1978 بطولة عفاف شعيب وصلاح قابيل، ناهيك عن حملات التوعية في الثمانينات وأشهرها "حسنين ومحمدين"، وفي التسعينات حملة "الرجل مش بس بكلمته.. الرجل برعايته لبيته وأسرته"، ثم وصولا إلى حملة "السند مش في العدد" في الوقت الحالي.
هل هذه الحملات على امتداد أربعة عقود أو أكثر لم تصادف أهدافها أم أن هناك أبعادا أخرى خافية في هذه المعضلة؟
لا أريد تكرار حديث المسؤولين الذين يتصدون لظاهرة الانفجار السكاني في كل العصور ويحذرون من الأرقام المفزعة والحقائق المؤلمة لكنها مازالت غير مقنعة للمستهدفين بدليل عودة ظاهرة الإنجاب الكثير بمجرد تعرض البلاد لتقلبات أو توقف حملات التوعية مثلما حدث بعد ثورة يناير.
الدخول في عقول الناس ومعرفة كيف يفكرون قد يقود إلى سياسات أكثر تأثير. ولعل حديثي مع الناس خاصة الأكثر إنجابا واحتياجا في محافظات الصعيد خلال عملي سابقا مع وزارة التضامن يؤكد عددا من الحقائق. أولا، الناس يعرفون مصلحتهم ويرون من خلالها مصلحة الوطن وليس العكس. ومصلحتهم يرونها في إنجاب الأبناء لضمان مصادر دخل عديدة، حيث إنهم يطلقون الأطفال للعمل في أي نشاط لجني المال الذي يصب في جيب رب الأسرة والذي ينفقه بدوره سواء في احتياجاتها أو أحيانا احتياجاته ومزاجه وتعدد زيجاته أو في شراء المزيد من الأرض والممتلكات. ويصبح الأبناء منذ الطفولة المبكرة مسئولون عن توفير إنفاق الأسرة بدلا من العكس. ثانيا، سنفترض أن بعض الأسر لا تعرف حتى الآن أن عمل الأطفال ممنوع بالقانون وأن الأطفال لا بد أن يتعلموا أولا وأن تعليمهم وتربيتهم على النحو السليم هي مسؤوليتهم قبل أن تكون مسئولية الدولة، فهل نتوقع إذا ما وصلتهم المعلومات أن يتوقفوا عن الإنجاب ويكرسون جهودهم للرعاية السليمة للأبناء؟ الإجابة في رأيي بالنفي!
ثالثا والأهم، هناك أفكار ومعتقدات اجتماعية ودينية متوارثة منذ الأزل ولم تتغير وتشكّل أيضًا محورًا مؤثرًا على الناس وقراراتهم حول تنظيم الأسرة والنسل. وقد تسللت تلك الأفكار عبر عقود طويلة من جماعات دينية وقادة اجتماعيون متشددون- في غياب نموذج ثقافي وتنموي بديل ومتكامل- لترسيخ معتقدات خاطئة قائمة على أن "العيل يجيب رزقه معاه"، مدعين أن هناك مؤامرة ضد المسلمين لإيقاف تفوقهم البشري على العالم الغربي وما يمثله من خطر عليهم! كما يستخدمون قول الرسول صلى الله عليه وسلم " تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" لكنهم لا يذهبون إلى أبعد من ذلك ولا يتحدثون على كيف يباهي الرسول الكريم بالمسلمين الأمم وهم فقراء يعانون الخصاصة والجهل والأمراض.
والسؤال الآن ما العمل لخفض معدلات الخصوبة والزيادة السكانية التي تتعدى مليونين ونصف المليون سنويا؟
لا شك أن متابعة حملات التوعية بتنظيم النسل أمر ضروري لتغيير الثقافة والمعتقدات بكل الطرق بل لا بد أن تكون مستمرة وذات محتوى قائم على تعديل السلوك مع المراجعة والتقويم بشكل دائم، ومراعاة الحكومة لاستدامة البرامج وتوفير وسائل تنظيم الحمل مجانا مع إحكام المراقبة على سلاسل التوريد ورصد ما يلزمها من ميزانية سنوية. ومن المهم أيضا أن ينضم إليها شركاء رئيسيون واختيارهم من قادة الفكر الديني والثقافي والفني والرياضي والشخصيات العامة المستنيرين ومن خلال دور حقيقي وليس دورا شكليا حتى يكون تأثير هؤلاء عمودا فقريا في تحقيق النتائج المرجوة، لأن صوت المتطرفين مازال في المجتمعات المحلية أقوى من صوت العقلاء وتفسير الإسلام على هواهم يجد طريقه بشكل أسهل إلى آذان وعقول الناس البسطاء.
ولا بد من الرهان دائما على رفع وعي الناس لأنه يصنع الفارق. ومن الضروري بناء قناعات جديدة مبنية على مصلحة الأبناء بأن إنجاب طفلين وتوفير التربية والرعاية والصحة اللازمة لهما يعني صناعة شخصين يُعتمد عليهما في المستقبل، وهذا أفضل من إنجاب أفواه وأرانب يكونون عبئًا على الأسرة وعلى المجتمع.
olfa@aucegypt.edu