الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

خبراء: المتطرفون الخارجون من السجون خطر داهم يهدد أوروبا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعدَ أنْ ضربَ الإرهابُ العديدَ من دولِ العالمِ وعلى رأسها دول القارّة العجوز، أمسَت المخاطرُ تؤرّقُ أمنَ الدول الأوروبية وتُهددُ استقرارَها، وباتت الأجهزةُ الأمنية تواجه تحدّيًا تِلْوَ الآخَر، فبعد "العائدين" من داعش، تستعد دوائرُ مكافحةِ الإرهاب الأوروبية لمواجهة خطرٍ آخَرَ يتمثَّلُ في "الخارجينَ" من السجون بعد انقضاءِ مُدَدِ عقوباتِهِم، في تُهَمٍ كانت تتعلقُ بأعمالِ إرهاب، وتلك هى مشكلةٌ إضافية تقعُ على عاتق الأجهزة الأمنية، لاسيما بعد تَزايُد وتيرة الاستقطاب والتطرف، وأعمال العنف داخل السجون، ويكمُنُ الخطرُ الدّاهِم في أنَّ السجن يتحوّل إلى مكانٍ مُحتمَل للمساهمة في نشر الأفكار المتطرفة، فلربما تحوّل الكثيرونَ ممَّن يقضون عقوباتِهم داخل السجون، بين عشيّةٍ وضحاها، إلى متطرفين.
ولكنَّ السؤالَ الذي يطرح نفسَهُ الآنَ؛ لماذا تتخوّف أوروبا من الخارجين من السجون؟ هل لأن السجون قد باتت "حاضنةً" للتَّطَرُّفِ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا قدَّمَت تلك الدول للقضاء على أسبابِ التَّطَرُّفِ داخلها؟ وهل تَمَّ تأهيلُ السجناء نفسيًّا وفكريًّا وسلوكيًّا للتعامل بسلامٍ مع المجتمع المحيط، ممّا يضمن إعادة اندماجهم بين مُكَوِّنات النسيج المجتمعى؟ أم أنها سَعَتْ لعزلِهِم أملًا في تَجَنُّبِ انتشارِ الفكرِ المُتطرِّفِ بينَ السُّجناء الآخَرين؟
وسعت الدولةَ الفرنسية بعد هجماتِ عام ٢٠١٥ الإرهابية لمكافحةِ التَّطَرُّفِ العنيف، ودَعَتْ إلى الحذر واليقظة مع إعلان الطوارئ بالسجون، حيثُ وقعَ العديدُ من حالات الاعتداء ضد القائمين عليها؛ ما دفع الحكومة الفرنسية للعمل على احتواء ذلك التهديد من خلال "خُطّةٍ شاملة" لإدارة تلك السجون، تَهدِفُ إلى الوقاية من التَّطَرُّفِ داخلها، حيث إنَّ نسبة ١٥٪ من المتطرفين كانوا قد قَضَوْا بالفعل فترةَ احتجازٍ في السجن قبل وقوعِهِم في بَراثِنِ التَّطَرُّفِ.
ويَزدادُ خطرُ تَخَطّي الفكر المتطرف إلى الفعل المتطرف عندما يمرُّ الشخصُ المتطرف أولًا بالسجن، وهو الأمر الذى أظهرت صحتَهُ الاعتداءاتُ ضد ثلاثةٍ من مراقبى السجون في سجن منطقة "فيندان لو فاى" بضاحية "نور با دى كاليه"، على بُعْدِ ٣٠ كم جنوب مدينة "ليل"، شمال فرنسا، على يد متطرف بالسلاح الأبيض في سِجن، في ١١ من يناير ٢٠١٨م.
ويضم هذا السِّجن حوالَى مائةٍ من السُّجناء، بعضُهُم متطرفون خَطِرون؛ كالألمانى "كريستيان غانزارسكى"، الذي نفَّذَ الهجومَ على مراقبِى السِّجن، بشفرةِ حلاقةٍ ومِقَصّ، وهو يقضى عقوبةَ سَجْنٍ ١٨ عامًا، ومن المُقَرَّر أنْ يُنْقَل إلى هذا السِّجن صلاحُ عبد السلام، المُشتبَهُ به الرئيسُى في اعتداءاتِ ١٣ نوفمبر ٢٠١٥م، في باريس، بعد محاكمتِهِ في "بروكسل"، في إطار التحقيق حولَ تبادُلٍ لإطلاقِ النارِ خلال هربه داخل العاصمة البلجيكية في مارس ٢٠١٦م.
كما تَهدِفُ الخُطّةُ أيضًا إلى تحديدِ طبيعةِ كلِّ إرهابى وسجينٍ، وتحليل شخصياتِهِم حتى يمكن التعامل معهم داخل السجن وخارجه عند الخروج، ومن ثَمَّ متابعتهم.
وحَسَبَ مصادرَ حكوميةٍ فرنسية، فإنَّ "الخُطّة الشاملة" الجديدة تعمل على مضاعفة إجراءاتها التقويمية، وإعادة النظر في القطاعات التأديبية، ومناطق العزل الانفرادى للمحتجَزين شديدى الخطورة، مع تعزيز رعاية السجناء الذين أوْشَكوا على الخروج من محبسِهِم، لا سيّما وَضْعهم بأماكنَ مفتوحةٍ، وهذه الإجراءات هى وليدةُ حالةٍ مُتَتابعة من الفشل.
خطرٌ دائِمٌ يُطْلَقُ سراحُهُ
سيوضَعُ هؤلاء المتطرفون "الخارجون" من السجون، خلال الأشهر والسنوات القادمة، على قوائمِ الأشخاص الذين يُمَثِّلونَ خطرًا، والدائمين في دائرة الاشتباه، وسيظلون في نفس درجة خطورة "العائدين" من القتال ضمنَ صفوفِ تنظيمِ داعش بسوريا والعراق، أو الخلايا النائمة، أو الذئاب المنفردة، الذين يَخشى المُحَقِّقون من تفعيلِهِم كقنابلَ موقوتةٍ يمكنُ انفجارُها في أيِّ لحظةٍ، وتنفيذهِمِ هجماتٍ إرهابيةً في أى مكانٍ داخل القارّة العجوز.
ومن جانِبِهِ، صَرَّحَ أحدُ مسئولى مكافحةِ الإرهابِ لوكالة الأنباء الفرنسية قائلًا: "ننتظرُ خروجَ أولِ دفعةٍ من المُدانين بارتكابِ أعمالٍ إرهابية في ربيع هذا العام، أنَّ هؤلاء السجناء الذين قَضَوْا مدّةَ عقوبتِهِم "يُمَثِّلونَ تهديدًا محتمَلًا ومُقلِقًا، يجب علينا أخْذُه على مَحْمَل الجِدِّ".
وأَوْضَحَ: أنه تَمَّت إدانةُ نحو ٥٠٠ شخصٍ في فرنسا، خلال العَقْدِ الماضى، والحُكْمُ عليهم بالعديدِ من العقوبات المُشَدَّدة؛ بتهمة "التآمُر الإجرامى والانتماء إلى شبكةِ مجرمِين على صلةٍ بارتكابِ أعمالٍ إرهابيةٍ"، وسيُطلَقُ سراحُهُم من الآنَ وحتى عام ٢٠٢٠م، أَضِفْ إلى هؤلاء السجناء نحوُ ١٥٠٠ سجينٍ بتهمٍ عاديّة يُشتبَه في تطرُّفهم بدرجاتٍ متفاوتة، وهم على اتّصالٍ مع السجناء المُدانين في قضايا تتعلق بالإرهاب.
ويؤكّد "إيف تروتيجون"، المُحَلِّل في مجالِ مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الفرنسية (DGSE)؛ أنه "بحلول عام ٢٠٢٠ /٢٠٢١م، سيخرج من السجون مئات المتطرفين، الأمر الذى سيُمَثِّل مشكلةً حقيقية"؛ لذا "يجب علينا الحذر تُجاهَ المُطْلَقِ سراحُهم من السجون بتهمٍ تتعلق بالإرهاب، وكذلك تُجاهَ "العائدين" من داعش؛ لأننا لا نملك أى وسيلةٍ لتقويم درجة خطورة هؤلاء الأشخاص، وكذلك لا نملك أى وسيلةٍ لمعرفة تَخَلّيهم عن فكرِهِم المُتَشَدِّد".
قطاعاتُ تقويمِ التَّطَرُّفِ
منذ عامٍ، تَمَّ افتتاحُ قطاعات تقويم التَّطَرُّفِ بالسجن في ثلاثة سجون بمنطقة "إيل-دو-فرانس"، والهدف منها: الوقوف على مستوى خطورة المُحتجَزين على ذِمّةِ قضايا تتعلقُ بالإرهاب، وبمُضيِّ عامٍ، مُرِّرَ على هذه القطاعات نحوُ ١٨٠ محتجَزًا، وفى هذه السنة الواحدة تَمَّ تصنيفُ نحو ٩٠ محتجَزًا لأسبابٍ تتعلّقُ بالإرهاب بمستوى "خطر"، وبعدَ أربعةِ أشهرٍ من المقابلات مع الأخصائيين النفسيين ورجال الدّين، تَمَّ وضْعُ هؤلاء المحتجَزين قَيْدَ العَزْلِ في مراكزِ إقامةٍ جَبْريّة في كافّة أنحاء فرنسا، بينما تَمَّ تسكينُ الآخَرين مراكزَ الاعتقال التقليدية، ولكن في غُرَفِ حجزٍ انفراديةٍ، وتحتَ رقابةٍ مُشَدَّدة.
تحتَ المراقبَةِ
كما يرى "إيف تروتيجون"، أنَّ الحَلَّ الوحيدَ هو: "البدء في متابعة العمل على شبكات المعلومات والتواصل؛ مَن يُقابِلون؟ مَن يُهاتِفون؟ ماذا يقولون؟ ما الرسائل النصية التي يَتَلَقَّوْنها؟ من أجل التحقق من اتصالاتهم (...) كثيرًا ما يقال: إنَّ السِّجنَ هو مدرسةُ الجريمةِ وخليّةٌ للتَّطَرُّفِ".
ومن جانبِهِ، يؤكِّدُ "آلان جرينارد"، المتخصص في العلوم الإسلامية، والمُحاضِر في جامعة "لييج"؛ أنه "من النادر وجودُ إصلاحٍ داخل السجون، بالنسبة لشخصٍ يحمل منظومةً فكريّة تُضيف إليه، بالإضافة إلى التزامه الإجرامي، بُعْدًا آخَرَ".
تَرَدّى أوضاعِ السجونِ الفَرَنْسيَّةِ 
شهدت وضعيّةُ السجونِ الفرنسية تأزُّمًا في السنوات الأخيرة جعلَ المنظماتِ الحقوقيّةَ تَدُقُّ ناقوسَ الخطرِ وَسطَ تَصاعُدِ الغضبِ والحركاتِ الاحتجاجية للعاملين فيها؛ فشهادات المسجونين عن أوضاعهم داخل السجون تتركُ الانطباعَ بأنَّ الحياةَ داخلها أصبحت لا تُطاق، فعلى سبيل المثال: "إيريك إسنيادى"، سجينٌ قضى ٣٠ سنة من حياتِهِ خلفَ القضبانِ، ليتحوّل بعد خروجه إلى ناشطٍ من أجل تحسين أوضاعها، هذا السجين شهد ٥٤ انتقالًا من سِجْنٍ لآخَرَ، واستقرّ في أكثرَ من ثلاثين سِجنًا منها لبعض الوقت، ويُعَبِّرُ عن الوضع في السجون الفرنسية قائلًا: "قرّرتُ وأنا في السِّجن الكفاحَ من أجل الحصول على حقوقى وتحسين ظروف معيشتي، لكني لم أكن أريدُ الخروجَ من السجن مُعَوَّقًا"، مضيفًا: أنَّ "السجونَ اليوم هى انعكاسٌ للحياة في مجتمعٍ يتدهور، وبالتالي: فكلُّ شىءٍ فيها يتدهور بنفس الوتيرة"، وكان "إيريك إسنيادى" محظوظًا؛ لأنه لم يعرف ظاهرة اكتظاظ السجون الحاليّة، التى يتقاسم على إثرها أربعةُ مساجينَ زنزانةً لا تزيد مساحتها عن عشرةِ أمتارٍ مُرَبَّعة... ولعِدّةِ سنواتٍ أيضًا".
ويرى محللون أنَّ تأهيلَ وإعادةَ إدماجِ المتطرفين داخل السجون أمرٌ مُعَقَّدٌ للغاية، يتطلّب تَضافُرَ كافّةِ الجهود، وكذلك العديد من التدابير التى من أهمها: ضرورة إعادة التأهيل الفكرى والأيديولوجى والدينى، إلى جانب التأهيل النفسى والسلوكى، مع الأخذ في الاعتبار الدوافع العامّة؛ كالتهميش الاقتصادى والاجتماعي، بالإضافة إلى العمل على الدَّعْمِ النفسى وبَثِّ الثقة في النفس لديهم، وتنمية قدراتهم العقلية والعَمَليّة.
كما يُشَدِّدُون على ضرورةِ تدريبِ وتأهيلِ القائمين على السجون، خاصّةً الذين يتعاملون مباشرةً مع السجناء؛ لتزويدهم بالمهارات اللازمة لكيفية التعامل معهم، ولِلَفْتِ أنظارهم إلى أنَّ السِّجنَ مكانٌ للتأهيل وإعادة الإدماج والإصلاح، وليس فقط للعقاب وسَلْب الحريات، مع ضرورة تدريبهم على الحوار والخطاب الدينى الذي يجب أن يُستخدَم في التواصل مع السجناء داخل السجن، كما يجب أن تعمل إدارة السجون؛ من خلال الاستعانة بالأئمة المتخصصين، على تصحيح المفاهيم الخاطئة المُترسِّخة لدى السجناء المتطرفين؛ الأمر الذى سيدفعهم إلى تَخَلّيهم عن مواقفهم وأفكارهم المتشددة، وتعمل كذلك على الإشراف على مسابقةٍ ثقافية تدور حول إعدادِ الأبحاثِ والدراساتِ المُفَنِّدَةِ للفكرِ المتطرف.
افتتاحُ قطاعات تقويم التَّطَرُّفِ لقياس خطورة المُحتجَزين في فرنسا.. وخطة حكومية لتحليل شخصيات الإرهابيين والتعامل معهم داخل السجون وخارجها محللون: إعادة التأهيل الفكرى والأيديولوجى والدينى ضرورة.. ولا بد من الدَّعْمِ النفسى وبَثِّ الثقة وتنمية القدرات العقلية والعَمَليّة.