الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداعات|| "إنها أنا".. قصة قصيرة لـ سلمى رمضان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أتذكّر المرّة الأولى التي حدّثتني بها الفتاةُ في المرآه محدّقةً إليّ..
قالت لي دون أن تنطِق: "دعينا ندمّر بعضنا ونهرُب من مستقبلٍ مليء بالشكوك والريبة".
ترددتُ قليلاً قبل أن أطلبَ منها الاقتراب، بدا وكأنها جاثمةٌ هناك.. على بعدِ مترين منّي.. تتّخذ القرفصاء بزاوية المرآه الأقل إنارةً، وتتخفّى بين الحين والآخر داخل الإطار.
عيناها متخفّيتان تحتَ غرّتها فاحمة السواد، يداها راجِفتان ولا تكفّان عن سحبِ قميصها ليغطّي كامل قدميها..
أقول: "لا بأس.. بإمكانكِ الإقتراب.. سأحيطكِ بذراعيّ.. بإمكاننا أن نبكي سويّة؛ ومن ثمّ سنُشعل النار في الستائر، نهرب الى العليّة، ونرقصَ بمجونٍ حتى تلاشي الظُلمة.."
تقول: "ومن ثمّ نقفز".
أقول: "ومن ثمّ نحلّق".
تقول: "بل سنهبط، إلى الهاوية".
وقبل أن اعترض، تنهضُ إلى أعلى، فتنكشفُ ساقاها المهجّنتانِ بقميء الدم، تراكماتٌ من الدمِ الجاف يعتليها دمٌ مُسالٌ يلمع و يفورُ بغزارة..
تغزو تدرجات الأزرق والأرجواني باقي أجزاءِ جسدها.. ترمي بخنجرِها على الأرض، ترفعُ رأسها قليلاً، تباعدُ ذراعيها وتركضُ نحوي، برشاقةِ طيفٍ يعومُ في الجو ويبتلعُ كل ما يتجاوزه كثقبٍ أسود..
لحظة أن تفقّدني بؤبؤ عينِها اليسرى شبِقاً إليّ، أدركُ إنها أنا.. أنا الحقيقة.. صرخت، غطّيت رأسي بكلتا يديّ.. وزحفتُ خارج الغرفة.
منذ ذلك اليوم، وأنا لا أقوى على النظر في المرآه لمدّةٍ تتجاوز الثانيتين، وإن حدث وفعلت
أراها مجدداً.. تهمسُ "تخليتِ عنّي.. تخلّيت عنّا"
أشيحُ بناظريّ عنها. أقول "لستُ مستعدّةً للموت".
تقول: "لا يلائمك التنكّر بالحياة".. بالمناسبة، ما زلتِ معتمةٍ رغم كلّ تلك الالوان الزاهية، ربّما تنجحين بخداعِ الجميع.. ربّما نجحتِ فعلاً بتجنّبي لدهرٍ من الزمن
لكن يا عزيزتي.. سيغسِلك الحنقُ يوماً ما".