الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مطلوب "نخس"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا تكاد تخلو جلسات الأسرة والأصدقاء من حديث عن السمنة والحِميات الغذائية للحد من البدانة، ومن السهل ملاحظة تلك السمنة المفرطة على شواطئ مصر حاليا حيث لا سبيل للتجمل أو التخفي في ملابس البحر! ولابد أن نعترف أننا أصبحنا من أكثر الشعوب التي تعاني من زيادة الوزن. ولقد حزنت أيما حزن على مشهد المصريين –والأجانب في مصر بالمناسبة- الذين يتدحرجون في شحومهم خلال نزهتهم على الشواطئ وغالبيتهم يزيدهم الشعور بالضيق الشديد وزنا على وزنهم الذي زاد بلا شك بسبب عزلة كورونا في البيوت؛ لكن الحزن الأكبر والمؤلم هو بسبب الأطفال والشباب والذين أصبحوا في أحجام تدعو للذعر.
نعم نحن نعاني من السمنة وهذه حقيقة ومطلوب "نخس"! ولهذا الحد لم يعد الأمر تدخلا في الحياة الخاصة عند نقد هذه الوضعية البائسة ولا يمكن وصفه بالتنمر ومحاسبة من ينتقده كما حدث من قبل مع الإعلامية ريهام سعيد وإنما بحثا عن حلول عامة وليست فردية فقط ومن منطلق الخوف على صحة المصريين ومستقبل شبابهم. لذلك فإن هذه الموضوعات لم تعد في رأيي لمجرد الرفاهية أو من باب جمال المظهر والقوام كما أنها ليست فقط للتعاطف مع البدناء بل أصبحت مؤشرا مهما على صحة وسلامة الأشخاص ولا توجد قضية ذات أولوية أهم من صحة مواطني أي بلد، كما لا يجدي طرحها مرة نفعا لتصبح "ترند" ويتم تناولها بجدل مخل وسخرية سمجة وإنما المطلوب تناولها بشكل متكرر وعلى وجه السرعة بجدية وبحلول علمية وواقعية.
في دراسة حديثة لمنظمة الصحة العالمية نشرتها عام 2018 جاءت مصر في الترتيب الرابع عالميا من حيث السمنة بنسبة 34.6%، منهم 55% من النساء؛ وجاء "بدناء المدن" ضعف نسبتهم في الريف. كما أن الشعب المصري هو الأكثر بدانة في أفريقيا وفقا لمسح آخر قامت به إحدى الشركات على المستوى الأفريقي. وقد حذرت دراسة "الصحة العالمية" من خطورة بعض الأمراض الناتجة عن السمنة في مصر حيث لدينا أعلى معدلات لمرض السكري في العالم، كما أن الشباب والأطفال يشربون كميات هائلة من المشروبات الغازية هي الأعلى في دول القارة. ولعل التعامل الصحيح مع السمنة الآن يقتضي أن نعتبرها مرضا يحتاج لعلاج كما أنها تزيد من احتمال الإصابة بأمراض القلب والكبد والجهاز التنفسي والعقم والأمراض التناسلية وارتفاع الكوليسترول وضغط الدم والجلطات وداء السكري وغيرها من الأمراض التي تعيق عمل الشخص بانتظام وتؤثر على مردوده. وتعرف منظمة الصحة العالمية السمنة بشكل علمي على أنه "مرض زيادة دهون الجسم ويكون مؤشر كتلة الجسم أكثر من ثلاثين، أما في السمنة المفرطة فيكون مؤشر كتلة الجسم أربعين فأكثر".
ولا أقول جديدا عند تحديد أسباب السمنة المفرطة التي تتعلق بالعادات اليومية الخاطئة مثل اختيار نوعية وكمية معينة من الأطعمة تحتوي على سعرات حرارية عالية دون أن تكون لها قيمة غذائية كبيرة للجسم بما تتضمنه من وجبات سريعة تندرج ضمنها غالبية المأكولات التي نشتريها من المطاعم والتي تدس بها كميات كبيرة من مكسبات اللون والطعم والدهون، حيث يستخدم "الشيفات" تلك الوصفات باعتبارها "سحر خاص" يساهم في الدعاية والتسويق لزيادة الإقبال على الطعام وبالتالي تتحول الوجبات إلى نوع من الإدمان.
يضاف لتلك العوامل المسببة للسمنة قلة الأنشطة البدنية وعدم ممارسة الرياضة وبالتالي انخفاض معدلات الحرق في الجسم. وفي ظل عصر السرعة والكسل العام من السهل التكيف مع عادات يومية غير صحيحة والاستمرار على أنماط معيشية أكثر رفاهية حيث يتم استبدال المشي بقيادة السيارات، وكذلك استبدال الأنشطة اليدوية والبدنية بالأجهزة الكهربائية والتكنولوجيا الحديثة والمساعدة المنزلية، واستبدال الغذاء الصحي المنزلي بالوجبات الجاهزة السريعة المشبعة بالزيوت المهدرجة والدهون. ولا يمكن أن ننسى العوامل الوراثية المساعدة على السمنة حيث تلعب الجينات دوراً مهماً في احتمالية انتقال السمنة المفرطة من الوالدين إلى الأبناء، بالرغم من أنه ليس من الضروري أن يصبح الأفراد الذين لديهم قابلية للسمنة بسبب الجينات الوراثية أشخاصا بدينين بشرط أن يهتموا بغذائهم الصحي والمناسب لنشاطهم وسنهم. لكن في صورة انتقال تلك العادات السيئة في الطعام ومع العوامل الوراثية تتحول الأجيال إلى السمنة المفرطة جيلا بعد جيل. وقد حدد مسح محلي في عام 2018 السبب الرئيس للسمنة لدى المصريين وهو سوء التغذية، وليس العكس؛ فالشعب يعتمد بشكل أساسي على الخبز مرتفع السعرات، إضافة إلى الأرز والمكرونة والسكريات التي تمنحهم إحساساً بالمتعة والشبع.
ومن المظاهر التي تستدعي التحرك السريع على مستوى وزارة الصحة هي أمراض التقزم والأنيميا مع معاناة من السمنة في نفس الوقت لدى الأطفال خاصة في الصعيد. وقد حذرت دراسة أولية للمجلس القومي للبحوث من وجود تلك الأعراض المرضية لدى أطفال الوجه القبلي؛ ومن المعروف أن محافظات الصعيد هي أكثر فقرا واحتياجا من محافظات الوجه البحري، لذلك يتطلب الأمر إجراء المزيد من الدراسات المعمقة على عينات أكبر لاتخاذ سياسات مستدامة لمعالجة ذلك الخلل في السلوك الغذائي. فالاعتماد على الأرز والعيش والبطاطس في التغذية يحتاج لتعديل ضروري من خلال العودة إلى التوازن بين البروتين الحيواني والألبان والخضر والفواكه مع النشويات. كما أنه من ملاحظاتي الخاصة خلال زيارتي لمناطق بالصعيد علاوة على مظاهر الفقر وجود نمط استهلاكي جديد نسبيا على هذه المناطق مدفوع بالدعاية في اتجاه أنواع من البطاطس المعبأة المعروفة تجاريا والحلوى الرخيصة والمياه الغازية المتنوعة والتي أصبحت متوفرة بكثرة لدى البقالين، حتى في القرى والنجوع، ويحبها الأطفال خاصة مع نقص في التوعية الصحية والاستسهال لشراء تلك المواد والتي أصبح الصغار يعتمدون عليها في يومهم. وهذا يدعونا للتفكير من جديد في وضع التعويض المناسب لما ينقص الأطفال من بروتينات مهمة لنموهم ضمن الوجبات المدرسية لإصلاح الخلل الخطير في الغذاء سواء بسبب الفقر والاحتياج أو السلوك الخاطئ. كما أن تصميم حملات لرفع الوعي بالغذاء الصحي والسلوك الغذائي السليم من خلال وسائل الإعلام المختلفة مهمة قومية حاليا ليس فقط لإنقاذ أطفال الصعيد وإنما للاهتمام بصحة المواطن المصري. ولا أقصد بالتوعية أو ابتكار محتوى أو برامج كتلك التي نشاهد منها بالعشرات حاليا في القنوات المختلفة للدعاية لعمليات التخسيس بمسمياتها الغريبة من تدبيس وكبس وحبس المعدة والموجه أساسا لمن يستطيع دفع آلاف الجنيهات في تلك العمليات والأدوية، ولكن المقصود هو خلق ثقافة غذائية يمكن أن تتراكم عبر آليات اقتصادية واجتماعية مع الطبيعة الجغرافية وتساهم في تشكيلها التوعية بأنواع الغذاء الصحي السليمة والمتوفرة في حقول الفلاحين وبيئتهم الأصلية مع التركيز على تغذية المرأة الحامل وأبنائها الرضع والأطفال باعتبار أن تأسيسهم بشكل سليم سيؤدي بالضرورة إلى مواطنين أصحاء الأبدان والعقول. كما أنه من الضروري أن تعيد وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني التربية الرياضية إلى المناهج بقوة ووعي وأن تستثمر في صحة الأجيال الصغيرة وتعيد الحياة لدوري المدارس وبطولاتها التي كانت تعد حافزا رائعا للكثيرين لعله يقلل من وقت وخطر الجلوس أمام الحاسوب والتليفون المحمول بما يتضمنه من ترفيه يضر بالعقل وأكل سريع يضر بالصحة ويشجع على السمنة المفرطة.