السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جنون الخوف وفك الحظر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بالرغم من فك الحظر الذي دام شهورا، فإن مراسم افتتاح مستشفيات العزل العامة بتقسيماتها العديدة التي تطالعنا بها نشرات الأخبار لا تدعو للإطمئنان، بل هي نذير خوف، هذا الخوف الذي بدأ يسيطر علينا بشكل جنوني إما بالمغالاة في التدابير الاحترازية والوقائية من الفيروس وفرض المزيد من العزلة، أو يفرض سيطرته بشكل آخر كعدم المبالاة من كل شئ وضرب الحائط بكافة التعليمات والخروج لممارسة الحياة وكأن شيئا لم يكن.
يدفعنا الخوف أيضا الى ممارسة سلوك غريب علينا، وهو الفضول عند سماع خبر وفاة أي شخص، يأكلنا الفضول كي نسأل هل مات بكورونا أم أن الوفاة طبيعية؟ وربما لا نصدق اذا كانت الاجابة أنها طبيعية ونبرر بأنهم يكذبون لتتم مراسم الدفن دون مشاكل وحتى لا يبادر الجيران أو المحيطين برفض دفن المتوفي في مقابر القرية. 

الخوف ربما سيصل بنا في مرحلة ما الى الاحباط أو الاكتئاب لأن الحياة التي أحببناها ربما تختلف أو تتغير مفرداتها تغييرا تاما، وربما أثرت الوحدة تأثيرا سلبيا على الحالة الذهنية، أو تكون أشباح العزلة التي فرضت علينا طوال الأربعة شهور الماضية قد لفت حول رقابنا حبال الهلاوس والتوقعات السيئة، فماذا لو لم يتوصل العلم الى لقاح يقضي على هذا الفيروس المستجد؟ هل ستستمر حياتنا بهذا النمط؟

الخوف أيضا ربما يظهر القسوة الكامنة في أعماقنا، القسوة الراقدة تحت اللمسات الحانية والأحضان الدافئة التي كنا ننعم بها في الزمن الماضي، القسوة النائمة بفعل الحب الحقيقي والمشاعر الجياشة، والمختبئة تحت الترف والمعاملات المتسمة بالود، المشاعر التي تلاشت مع الكمامة والمطهرات والتباعد الاجتماعي، القسوة التي ارتداها مارد أسود لا يعرف سوى الجحود والأنانية والبطش، ولا يكشف عن وجهه القبيح إلا إذا تعرض لضغط هائل، وبالطبع لم يكن هناك أنسب من كورونا ليستيقظ المارد الأسود ذو الزوائد الدودية مرتديا عباءته الكامنة في أعماقنا. 

كل ما نستطيع التمسك به الآن هو الأمل، واليقين بأن الغد أفضل، صحيح أن شيئا مما اعتدناه لن يعود كما ألفناه، لكنه اليقين بأن العزلة التي فرضت علينا قد منحت الكون فرصة للتنفس وإعادة تجديد خلاياه المهترئة وغلق ثقوبه السوداء، اليقين بأن كل شي يحدث بسبب، والسبب هو استمرار الحياة يشكل أفضل.

وربما كان من الأجدى أن نتوقف عن متابعة إحصاءات المصابين والمتوفين، وأن نختزل الوقت في الانصات بشغف الى الموسيقى والأغاني الجميلة، والاستمتاع بالقراءة والتأمل والكتابة، وأن نستبدل ساعات القلق في شحذ حواسنا بجمال اللحظة التي نحياها والتي بكل تبعاتها لن تعود، وربما حان الوقت أن نخبر من نحبهم أننا نحبهم دون مواربة فقد لا نراهم غدا، فالحب وحده هو القادر على أن يهزم الخوف.