الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الزواج في زمن كورونا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل تدفع أزمة كورونا إلى تغيير عادات المصريين في الزواج؟ 
في ظل القيود المفروضة بسبب جائحة كورونا والتي منعت التجمعات والحفلات لم يترك شباب في مصر ودول كثيرة هذه الأزمة تضعف روحهم وتطفىء شعلة الحب في نفوسهم واتجهوا إلى إتمام الزواج مع تغيير في الخطط وعلى نحو جديد وبطرق مبتكرة. 
استغنى البعض عن الزفة و الفرقة الموسيقية والقاعة والبوفيه والمعازيم.. وتزوجوا على الانترنت رافعين شعار«الحب لا ينتظر رحيل الفيروس»! وقام أفراد أسرهم وأصدقائهم بتسجيل الدخول أليكترونيا ليحضروا افتراضيا ويشاركوا «العرسان» فرحتهم، بينما اختصر البعض الآخر قائمة المدعويين لتشمل أقرب المقربين من الأسرتين مع الالتزام بارتداء أقنعة الوجه للجميع حتى للعريسين، وتم توزيع القفازات، وإهداء زجاجات الكحول عليها إسم العروسين، والتأكد من أن احتفالهم «صديق» لشروط التباعد الاجتماعي. 
ليس هذا بعرس وفق قواعد السلامة فقط بل إنه يوفر تكلفة ضخمة على الشباب وعائلاتهم ربما كانت ستحول دون إتمام فرحة العمر. فلطالما كانت تكاليف ليلة العمر تسرق فرحة العرسان وتحرق جيوبهم وتخرب بيوت عائلاتهم! 
على جانب آخر، فإن جائحة كورونا أثرت في المقابل سلبيا على صناعة الزفاف وفقًا لمسح أجرته وكالة بلومبرج ، التي توقعت انخفاضا كبيرا على مبيعات المصوغات الذهبية والأجهزة الكهربائية والأثاث المنزلي. وتظهر الاستطلاعات أن 6.5 ٪ من الأزواج ألغوا حفلات زفافهم، وأكثر من 50 ٪ أجلوها إلى وقت لاحق من العام الجاري 2020 أو العام المقبل2021 ، بينما 43 ٪ ليس لديهم خطط للقيام بأي شيء حتى الآن. 
كنت أتناقش ذات صباح مع زملائي الصحفيين في مجلس تحرير الجريدة حول إمكانية تصميم حملات توعية تمس القضايا الحيوية، ونطق أحد الشباب الموهوبين بحماس وبعد طول صمت أن أهم حملة تهم جيله حاليا هي إصدار «قانون تجريم النيش». وضحك الجميع آنذاك، لكن الفكرة برغم طابعها الساخر من الوضع الذي يعاني منه المقدمون على الزواج تلخص الهم والوجع الذي يشعرون به تجاه المبالغة في الجهاز والشبكة والمهرعلى حساب قلة الإمكانيات وضيق مساحات الشقق وارتفاع أسعارها. 
ولعله من رحم الوجع ولدت حملات أخرى مؤخرا أطلقها الشباب «الذكور» على مواقع التواصل الاجتماعي أشد قسوة وأكثر عنصرية من «تجريم النيش» مثل «خليها تعنس»، 
و«خليك في حضن أمك». وردت الفتيات بحملات مقابلة بغضب مماثل «ربنا نجدها نوسة». والحقيقة أن عبارة العنوسة كريهة ولو جاز لنا استخدامها للدلالة على تأخر سن الزواج فإنها تنطبق في مصرعلى الذكور كما الإناث، بل إنهم يقترون من الضعف في فئة الشباب حيث أن عدد غير المتزوجين من الرجال فى الفئة العمرية من 35-39 عاما قد بلغ 271.304 ألف شاب، مقابل 150.544 ألف شابة فى ذات الفئة العمرية حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2017 . كما سجل معدل الزواج تراجعا عام 2018 مقارنة بعام 2017 من 9.7 لكل ألف ساكن إلى 9.1 لكل ألف ساكن. 
كما أثرت أعباء الزواج على ارتفاع معدلات الطلاق حيث يودع الزوجان أحلامهما السعيدة بمجرد بدء حياتهما معا وسرعان ما تتحول تلك الأحلام إلى كوابيس بسبب الديون والأقساط التي قد تقودهما إلى محاكم الأسرة. وهناك 150 ألف حالة طلاق سنويا غالبيتها لشباب لم يتخط عتبة الأربعين، بينما توجد 10 ملايين فتاة تأخرت عن الزواج في الفئة العمرية من 35 عاما إلى 70 عاما. 
ومما لا شك فيه فإن زيادة الأعباء الاقتصادية على كاهل الشباب تدفعهم إلى صرف النظر عن فكرة الارتباط وتكوين أسرة كلما تقدمت بهم الحياة بما يعنيه ذلك من تبخر أحلام الحب والدوافع النبيلة للعمل والإنتاج بشغف وكفاح. 
وإذا كانت أزمة كورونا تلقي بهموم إضافية على الشباب من تضييق فرص العمل وسط المخاطر الصحية فإنها في المقابل تحمل في طياتها بصيصا من الأمل ينبئ باحتمال تغيير في سلوك المقدمين على الزواج ومن قبلهم عائلاتهم يتضمن التحلي ببعض المرونة في إتمام الزفاف بأقل التكاليف. أتمنى أن يلتقط الأزهر الشريف والكنيسة والجمعيات الأهلية هذه الفرصة لإعادة طرح مبادرة مهمة كان قد دعا إليها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في مستهل العام الحالي لمواجهة غلاء المهور وتكاليف الزواج. وهذا الوقت هو الأنسب لتجديد هذه المبادرة في ظل تأثير أزمة كورونا على تراجع الإقبال على الزواج خاصة وأن استمرار المغالاة تُدمر الأسرة قبل بنائها، وتتسبب في عدم قدرة العديد من الشباب والأسرعلى هذه تحمل تلك التكاليف وبالتالي تؤدي إلى تأخر سن الزواج وكثرة المشكلات المترتبة على ذلك. 
لعل وعسى تكون أزمة كورونا رحيمة بقلوب الشباب فتدفع إلى تغيير تدريجي في عادات الزواج والأهم في عقلية العائلات وإدارتها لمواردها حتى لا تتسرب السنوات من عمر الشباب وتذبل المشاعر من أجل «النيش وغرفة الأطفال» التي ينتهي الأمر بالصراع حولها ومن تكون من نصيبه أمام محاكم الأسرة!