الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التأصيل عند قادربوه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعترض الباحث العديد من المشكلات فى تتبع أصول أساطير وفلكلور منطقة خلال الزمان والمكان، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أو صعوبات، أولها قلة الجهود التى بذلت فى هذا الحقل، سواء فيما يتصل بالبحث فى المصادر الأولى أو المصادر الأم، يوكد هذا الباحث الرصين عبد السلام قادربوه (1936-1988) فى مبحثه المهم (أغنيات من بلادي) عن نشأة وتطور الأدب الشعبى فى ليبيا، وهو مبحث تاريخى تأصيلى لم يقاربه أو يلامسه أى ممن اشتغلوا مبكرا على المتن الشعبى المحدد بمنطقة معينة، وبمرجعية تاريخية بحثا فى الأصول والمنابع رغم جهودهم الموثقة للشواهد فى الثقافة الشعبية المادية واللامادية، كعمر المزوغى، وأحمد النويرى، عدا محاولة بكر تحسب للباحث قادربوه فى تقصدها سؤالا بحثيا وبفرضياتها التاريخية والجغرافية والسيسيولوجية، ولن نستثنى انتماءه وعيشه الحياة بتلك البيئة، وأنه يكتب عما يعرف. فحتى تناول محمد القشاط فى دراسته (الأدب الشعبى فى ليبيا 1968م)، لتاريخية المأثورات بتقسيم: ما قبل العصر العثمانى- العصر العثمانى- العصر الإيطالى- عصر الإدارة البريطانية والفرنسية - عصر الاستقلال، بدت عائمة وشمولية فى فروضها التى لم تعزل المراحل التاريخية، وتأثير خصوصيات من عبروا غازين أو مسالمين متعايشين، مؤثرين ومتأثرين بالسياق الاجتماعى والثقافى، وقد أشار شوقى عبدالحكيم إلى هذه المسألة، مشيرا إلى أن لا قيمة للفلكلور ما لم يتحدد تاريخه ومنبته الجغرافى وهجراته وما طرأ عليه من تغيرات من خلال الزمان والمكان، وذلك ما احتذاه باحثنا بتسليطه الضوء على الكثير من الاحداث والشواهد التى مرت بها المنطقة الشرقية من ليبيا، بالرجوع إلى أثر أقدم المدونات التاريخية، منتصف القرن السابع قبل الميلاد مع نزوح بعض من يونان جزيرة ثيرا إلى منطقة الجبل الأخضر، حينها لتؤسس المدن الاغريقية (نواة المدن الخمس)، وفى إلمامة بحثية معمقة واضعا افتراضاته وما نتج عنها مرتبطة بالتحليل التاريخى ونتائجها، عنده أن الإغريق تقوقعوا فى مستعمراتهم فابتعد الاهالى عنهم وتأثيرهم الثقافى بدا منعدما، وحذا البطالمة والرومان حذو الإغريق فى اعتبارهم المواطن الليبيى من الدرجة الثانية فى موطنه. وفى تصوره أن ولادة الأدب الشعبى فى منطقة الدراسة حدثت بعد منتصف القرن الهجرى الاول، ويستنتج أن القرن الخامس الهجرى كان البداية الحقيقية للتأريخ للأدب الشعبى فى ليبيا وتونس أيضا، مردها دخول الإسلام والهجرة الهلالية والسليمية والأخيرة التى يسرد بعضا من قصة مسيرتها رائدهُ فى ذلك د. عبدالحميد يونس فى مؤلفه «الهلالية فى التاريخ والأدب»، كان من مفاعيلها سيادة العربية لغة ودين وعادات وعنصرا، ولاحقا استوعب الأدب الشعبى ذخيرة هائلة من الثقافة العربية الإسلامية، والأنماط التعبيرية المختلفة، كما لا يستثنى مجموعة الاصطلاحات البربرية الأصيلة، وبعضا من موتيفات الأساطير الإغريقية والرومانية (مبارزة حيوان أسطورى - إحضار فاكهة الحياة) وكميات متفاوتة من ثقافات الشعوب التى اتصلت بالشعب الليبى كمستعمرين، وهى على التوالى: التركى، الإيطالى، الفرنسى، الإنجليزى، الأمريكى، وأسانيده أن كثيرًا من الأمثال والحكايات هى عبارة عن تراجم حرفية لمصطلحات وأمثال وحكايات تنتمى إلى تلك الشعوب.