الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المطران يوسف توما: "التناول الروحي، ممكن في زماننا"

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال المطران يوسف توما رئيس أساقفة كركوك والسليمانية عبر صفحة الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بخصوص الاحتفال بعيد القيامة المجيد وأتذكر قصة قديمة كنت أعشقها في صغري ضلت عالقة بذاكرتي قرأتها في مجلة أوراقها صفراء (أعتقد أن اسمها كان "رسالة القلب الأقدس") تقول القصة: إن أحد الكهنة كان مبشرا بين شعوب الاسكيمو، في القطب الشمالي، وبسبب المسافات والمناخ البارد كان يتنقل بطائرة خفيفة (ULM) في ثلاثينيات القرن الماضي، فآمنوا كلهم واعتمذوا وتعلموا وتعلقوا بيسوع، بحيث كانوا ينتظرون الكاهن كلما جاء دورهم لكي يعترفوا ويتناولوا وينعموا بفرح الرب. 
في إحدى السنوات تفشى بينهم وباء خبيث بحيث بدأ يقضي عليهم واحدا تلو الآخر، انتظروا الكاهن لكي يعطيهم الأسرار لكنه تأخر ولم يكن لديهم أي وسيلة كي يوصلوا إليه الخبر. فماتوا جميعا.
لمّا حط الكاهن بطائرته واقترب من المخيَم لم يستقبله أحد، فدخل في البيت الثلجي المسمَى إيغلوو (Igloo)، رآهم كلهم ممدّدين مائتين، لكنه لاحظ أن أيديهم كلهم كانت مسدودة على رسالة، ففتحها وقرأ فيها:
"هذه الرسالة هي للأب الكاهن فقط، إنها اعترافنا قبل أن نموت، أبونا حلنا نرجوك باركنا كي يستقبلنا الرب يسوع في ملكوته...".
بارك الكاهن هذه القبيلة المتجمّدة وهو يبكي، وتلا عليهم صلاة الحلة، وقدّس من أجلهم، لقد اعترف هؤلاء وتناولوا روحيا بكل شوق ونعمة. لأن الرب لا تحدّه المسافات ولا الأوقات، وإنما يرى ويقرأ أعماقنا ونياتنا. ويلبي طلبنا بالوصول إلينا، يكفي أن نقطع نحن الخطوة الأولى والبقية هو الذي يقطعها.
المناولة الروحية
إنها ممارسة شاعت في الأزمنة الصعبة من الماضي وارتبطت بظروف مرّ بها المؤمنون وقام بتطويرها عدد من القديسين والروحانيين ومن آباء الكنيسة الكبار. 
المناولة الروحية هي عبارة عن رغبة قويّة باتحاد كياننا مع يسوع المسيح، حتى لو لم يكن ممكنا استقباله من خلال سرّ التناول المقدس، بل من خلال رغبة تنبع من إيمان تحركه المحبة. بل حتى يمكن لمن هو غير معمَذ بعد أن يحظى بالتبرير، فهو يقوم بعمل خيري أو توبة كاملة، ويتضمن الشوق لديه لتلقي المعموذية. أما لدى المعمَذ فتتحقق ثمار المناولة الروحية عن طريق الاعتراف بخطاياه والشوق إلى نيل الحلة. وبالتالي فإن الرغبة الضمنية الواردة في فعل التوبة أو ممارسة الإحسان تكفي لإحداث التأثير الذي يحدث لدى تقبل الأسرار المقدسة.
إن المناولة الروحية تتطلب بشكل أساسي رغبة صريحة بالاتحاد مع يسوع المسيح في أسراره التي وضعها لخلاصنا. هذه الرغبة، التي تفترض وجود الإيمان بالقربان المقدس (الافخارستيا – ذبيحة الشكر)، ويجب أن تكون مصحوبة بالمحبة. وتتحقق المناولة الروحية عبر ثلاثة أفعال رئيسة:
1 - فعل الإيمان بأن المسيح حاضر حقيقة في سرّ القربان المقدس، وهو ينتظر منا تطهير قلبنا كي يصبح مسكنا له.
2 - فعل الشوق بأن يصبح قلبُنا مكانا يرتاحُ فيه المخلص الإلهي، ويمكن هنا بكل ثقة أن نتصوّر اقترابنا من المائدة المقدسة، وأننا فعلا نستقبل البرشانة من يد الكاهن.
3 - فعل الشكر وتسبيح الرب، كما لو أن المرء قد تناول في الكنيسة.
لكي تكون هذه المواقف الثلاثة فعالة، يجب أن يصاحبها لدى المؤمن، تواضعًا فيما يتعلق بعدم استحقاقه لرحمة الله ولطفه اللامتناهي. 
كما يمكن ممارسة المناولة الروحية مرات عديدة، بحسب الرغبة والاشتياق وفي أي مكان نكون. لكن اللحظة الأفضل، خصوصا في أيام الحجر المنزلي هذه، هي بطبيعة الحال المشاركة مع الكاهن في الساعة التي يقدم فيها القداس، وكثيرون باتوا يبثونها على وسائل الاتصال الاجتماعي. لأن حضور القداس روحيا لهو في الواقع أفضل إعداد لهذه المناولة التي تجعلنا نشارك بشكل وثيق وشخصي في تضحية ربنا ومخلصنا. إن المناولة الروحية تتطلب حالة من النعمة، وإذا كانت هناك شعور بوجود خطيئة ما، فإن المرء يمكن أن يشتاق إلى الاعتراف أيضا، إذ من المهم أن يقوم بعمل التوبة من أعماق قلبه، والتعبير عن شعوره بالندم عن الخطيئة المرتكبة، بسبب محبة الله وليس خوفًا من العقاب.
أما بالنسبة إلى مفاعيل المناولة الروحية، فهي مماثلة للمناولة الفعلية للأسرار، ولكن بكثافة أقل. يحصل المؤمن على وجه الخصوص زيادة في النعمة المقدِسة، وتزيد لديه فضيلة المحبة، وتتقوى أواصر الوحدة التي تربطه بجسد المسيح السري، أي الكنيسة. لكن "المناولة الروحية إذا ما تمّت بمزيد من الحماسة يمكن أن تنتج ثمارًا أكثر من المناولة الأسرارية التي قد تكون أحيانا فاترة. 
لقد تمت الموافقة على المناولة الروحية من قبل السلطة الكنسيّة التي اعترفت بأن المرء يمكنه، من خلال التناول الروحي، أن يشارك حقًا في ثمار السرّ المقرّب على المذبح. لذلك فهي ليست ممارسةً اخترعتها الروحانية الحديثة. وإنما هناك العديد من الكتابات القديمة منذ القرون الأولى تعود إلى القديس أوغسطينوس التي كانت بالفعل تحوي على الكثير من الإشارات التي تمت دراستها والتعمق فيها من قبل لاهوتيين لاحقين الذين طوروا التعليم نفسه بحيث أقرها المجمع المسكوني التريدنتيني (1545 – 1563) وكان القديس توما الإكويني (1224 - 1274) قد قبلها ودرسها مختصرا إياها، بأربع كلمات: "دعم، وقوّة وإصلاح وفرح يشعّ من أعماق المؤمن الذي يشتاق روحيا إلى تناول الرب".