الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الحب.. لغز كبير شغل الأدباء والفلاسفة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أبى الطيب: علامات الهوى نحول الجسم وطول السقم وقلة النوم وإدمان الفكر وإظهار الخشوع وإعلان الحنين
آينشتاين كتب لزوجته: الحب فعل إيجابى.. والإنسان فيه ينهض ويتعثر ويخطو ويسير ويتعلم
«تولستوي» لم يجرؤ على البوح بحبه لـ«زينا مولوستوف»
جولى أو هلويز الجديدة.. رواية يرصد فيها روسو مفهومه عن الحب
سيمون دى بفوار: سارتر صار يتكهن بأفعالى فامتلكني



تخلى أوفيد قبل ألف عام عن السياسة والقضاء ليتفرغ لكتابة موسوعته (فن الهوى) وكرس حياته بالكامل ليدرك سر الحب بثلاثية شعرية عن مفهوم العشق وهى (مراثى الحب، علم الحب، دواء الحب)، اعتبر أوفيد الحب هو الحياة وليس زينة لها كما كان يقول الفيلسوف أبيقور. 


وصور سقراط الحب على أنه جنى عظيم ورأى تلميذه أفلاطون أن الروح تصل إلى الخير من خلال الحب. 


وكان أبوالطيب المتنبى مغرما بخولة أخت شقيقة سيف الدولة الحمدانى وهام بها هياما غير محدود ولما استبد العشق به قال: عذلت أهل العشق حتى ذقته.. فعجبت كيف يموت من لا يعشق.


كذلك نجد أن شاعرا مثل امرئ القيس ترك البحث عن ملك ضاع وهام يبحث عن محبوبة هجرته: أغرك منى أن حبك قاتلي.. وأنك مهما تأمرى القلب يفعل.. وأنك قسمت الفؤاد فنصفه.. قتيل ونصف بالحديد مكبل.
ويقول أبو الطيب بن يحيى الوشاء أن أولى علامات الهوى نحول الجسم وطول السقم، وقلة النوم، وإدمان الفكر وإظهار الخشوع وإعلان الحنين.


ويكتب شاعر فرنسا الكبير أراجون: «إنهم لا يصدقون قولى عن الحب، برغم هذا انظروا إلى قد أكون مجنونا، وقد أكون عبدا أحمق، لكنى أعلن لكم بأنى لم أتعلم في الحياة إلا شيئا واحدا، لقد عرفت الحب».
وتخبرنا الكتب عن قصص الحب بين كثيرين من الأدباء والشعراء والفلاسفة منها قصة الغرام التى كانت بين 

فيلسوفين كبيرين هما جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار، وكذلك العلاقة الكبيرة التى ربطت بين الفيلسوف الألمانى هايدجر والفيلسوفة حنة أرندت، فقد رأى هايدجر أن أرندت كانت تبث ما أطلق عليه الفكر العاطفى في كتاباته، وقد قصد هنا لحظة الإلهام التى مثلتها أرندت في حياته، وهو الحب الذى مثل لكليهما لحظة جملت حياتهما، فهايدجر يرى أن لا شيء يقود إلى قلب العالم أكثر من الحب.


وكتب آينشتاين لزوجته: «الحب فعل إيجابي، والإنسان فيه ينهض ويتعثر، ويخطو ويسير، ويتعلم».
ولأن الحياة هى الحب والحب هو الحياة كما يقول المفكر الهندى نيسار كادتا مهراج ظل سؤال الحب هو الشاغل الأكبر للكتاب والأدباء والفلاسفة وهو ما يوضحه في كتابه (سؤال الحب من تولستوى إلى آينشتاين) الذى حاول فيه إحياء قصص الحب التى قرأناها في الكتب حيث حفظها الزمن من التلاشي. الكتاب يأخذ القارئ في سياحة مع الكتب ويكشف لنا عن أن الحب لم يكن حالة عرضية في حياة أدباء وفنانين وفلاسفة كبار لكنه كان نقطة الدخول إلى عالم من الإبداع، وهروبا من الوحدة، للبحث عن ملاذ آمن، يمدنا بالثقة والطمأنينة بأننا لا نواجه العالم بمفردنا.

تولستوي: الحرب شبيهة بالحب.. فتنحوا أيها الكسالى
تحت هذا العنوان يبدأ الكتاب أولى حكاياته إذ يروى عن تولستوى قائلا: كان في التاسعة عشرة من عمره حين كتب في دفتر يومياته: «أن صحبة النساء ضرورة كريهة من ضرورات الحياة، لهذا أتمنى ان أبتعد عنهن ما أمكننى ذلك، من يجعلنا نفقد مزايانا الطبيعية، الشجاعة، والحزم، والعقل غير النساء»، بعد أن ينتهى من كتابة هذه الكلمات يشعر بخيبة أمل تتمكن منه، كان قد صمم أن يعيش في يسنايا بولينا مع عمته، يقرأ ويتأمل لكنه لم يستطع أن يبعد تفكيره في النساء، فقد أسرته فتاة لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها «زينا مولوستوف» دون أن يجرؤ على البوح لها بحبه، وقد كتب في يومياته: «أمن الممكن ألا أعود لأراها أبدا؟ أمن الممكن أن أسمع في يوم ما أنها تزوجت، أم هل أراها ثانية وذلك أكثر مدعاة إلى الحزن، بقبعتها سعيدة، بنفس عينيها المفتوحتين المرحتين والعاشقتين؟».
سنة 1848 يكتب تولستوى رسالة إلى شقيقه الأكبر: «كانت زينا، كما عملت فيما بعد إحدى أولئك الفتيات النادرات، وإن كن قد ولدن للحياة العائلية، ونتيجة لذلك يصممن على إغداق كل كنز الحب الذى يختزنه في قلوبهن على أحبائهن المختارين، والمحزن أننى لم أكن يوما من بين جميع الناس الذين أثاروا اهتمامها».
بعدها يقرر أن ينشر مقالة أدبية يضع فيها مفهومه للحب: «هناك ثلاثة أنواع من الحب: وهي- حب الجمال، وحب التضحية بالذات، والحب الذاتي، ولا أتحدث عن حب شاب لفتاة أو حبها له فأنا أخاف هذه العواطف، وقد كنت سيئ الحظ للغاية في هذه الحياة من حيث إنى فشلت في أن أشهد شرارة واحدة من الصدق في هذا النوع من الحب، إننى أتحدث عن الحب الموجه للجنس البشرى الذى يتركز وفقا لقوة الروح شدة وضعفا على شخص واحد أو على أشخاص عديدين أو ينهمر على الكثيرين وينطوى حب الجمال على حب العاطفة نفسها والإفصاح عنها، لأن الناس يحبون على هذا الوجه يكون هدفهم إثارة محبوبهم، ذلك الشعور السار في الوجدان الذى يلذ لهم التعبير عنه، والناس الذين يحبون مع حب الجمال لا يهتمون إلا قليلا جدا بالمبادلة إلا بوصفها شيئا لا أثر له، وكثيرا ما يغيرون أهداف حبهم، إذا إن غرضهم الأساسى ليس إلا استثارة شعورهم السار بالحب للمحافظة على هذا الإحساس السار في نفوسهم يتحدثون دون انقطاع عن عاطفتهم بألطف العبارات وعن الشخص المقصود بهذا الحب».




روسو: الحب سعى محموم نحو أمل يأتى أو لا يأتي
في هذا الفصل رصد الكتاب تجربة جاك روسو ورؤيته للحب إذ بدأ بمقولة «جاء الإنسان إلى الدنيا وهو يتوق إلى الحب»، بهذه العبارة استطاع رجل سويسرى ولد علم 1712 لعائلة فقيرة، أن يصبح أستاذا في فن الحب. كان جاك روسو في السادسة والأربعين من عمره حين كتب روايته الوحيدة ولم تظهر إلا بعد ثلاث سنوات باسم «جولى أو هلويز الجديدة» بطلة الرواية شابة مثالية تقع في حب معلمها الخاص وحين تختلى بنفسها تكتب: «لقد جعلت السماء أحدنا للآخر لم يكن هناك اتحاد أكثر مثالية من هذا روحانا متداخلتان أيضا بشكل وثيق ولم يعد بوسعهما الانفصال أبدا».
يقع الأستاذ في حب تلميذته الجميلة، ويقرر أن يفاتحها بأشواقه فيرسل إليها خطابا، ولا يطلب به شيئا سوى أن يقول لها إن جمالها سيطر على مشاعره: «ولم لا أفرض أن قلبينا ينبضان بعاطفة واحدة كما يخيل إلى أنه ليحدث أحيانا أن نلتقى أعيننا فجأة فتنهمر من مآقينا الدموع يا حبيبتى جوليا لو لم يكن اتحاد روحينا إلهاما لو لم تكن السماء أعدت كلينا للآخر دو أن يحوجنا الأمر إلى الفرار». 
ويقرر الأستاذ أن يتقدم للزواج من تلميذته إلا أن والدها الأرستقراطى يحرم عليها الزواج من رجل من العامة مصرا على أن تتزوج بدلا عنه من وولمر الغنى وتوافق جولى بالرغم من حبها لسانت برو ويصر المعلم ألا يفارقها ويسعى لأن يصبح معلما لأطفالها وقد علق القراء على تصرف جولى بأنه تصرف منافق وعديم الشرف إذ كيف تتخلى عن الرجل الذى عشقها من أجل آخر أكثر غنى.
لكن الأمر بحسب روسو كان محاولة لمزج تخيلات الرغبة مع براءة الحب وعلى الرغم من أن الرواية تنتهى نهاية مأساوية حيث نجد جولى على فراش الموت تقول لحبيبها الأول وهى تحتضر: «إن الخطوة الأولى نحو الرذيلة هى إخفاء التصرفات البريئة في ذاتها! وليكن شعارك دائما ألا تقول أو تفعل شيئا تجد غضاضة في أن يسمعه الناس جميعا أو يروه».
عندما صدرت الرواية كانت الأكثر مبيعا وأكسبت روسو شهرة واسعة اذ أصبحت حديث المجتمع الأوروبى من السويد مرورا بباريس وصالونات إنجلترا الأدبية.
كان الجميع يتحسر على حب جولى فيما الفتيات المراهقات تنتابهن نوبات بكاء ونشيج كلما قرأن هذا المقطع: «وداعا إذن يا جولى المفرطة الفتنة، غدا سأكون رحلت إلى الأبد. ولكن ثقى أن غرامى العنيف الطاهر لن ينتهى إلا بانتهاء حياتى وأن قلبى المفعم بهذا المخلوق الملائكى لن يهبط بنفسه إلى إفساح مكان فيه لحب ثان، وأنه سيوزع كل ولائه في المستقبل بينك وبين العفة، وأنه لن يدنس لهيبا آخر المذبح الذى عبدت عليه جولي». 
كان الحب بالنسبة لروسو شكلا من أشكال العذاب، ونجده في الاعترافات يكتب: «الحب حيلة معدية رجل كاد يموت من دون أن يعرف ذاته».




سيمون دى بوفوار: الشعور بالحب يبرر وجودنا
يرصد الفصل الثالث من الكتاب تجربة الفيلسوفة والكاتبة الفرنسية سيمون دى بوفوار مع الحب ورؤيتها له إذا يقول الكاتب: بين العاشرة والثانية عشرة من عمرها تخبر أختها أنها تعرف الآن «معنى الحب»، كانت في المنتزه عندما لمحت «فتى يمسك حبل الأطفال وهم يلعبون كانت وجنتاه ورديتان وابتسامته متألقة ورقيقة». وقد كانت تلك صدمة انفطار القلب لأنها استشعرت للمرة الأولى أن شعاعا آتيا من ناحية أخرى يمكن أن يمس القلب مباشرة، بعد شهور تحس اهتماما بابن عمتها جاك وهو يكبرها قليلا وقد وصفته سيمون دى بوفوار في مذكراتها «مذكرات فتاة رصينة» قائلة: إن جاك كان فتى جميلا جدا كان عادة يحتقر البنات ولذلك كنت أقدر صداقته كان يعامل الكبار معاملة الند للند وذات يوم قال لي: «سيمون أنت فتاة ناضجة وسرتنى هذه الكلمة أكبر سرور» آنذاك اعتقدت أنها وقعت في الحب وطوال ثلاثة أعوام أصبح جاك الرجل الأول في حياتها. تكتب في مذكراتها أنها وضعت مخططا لحياتها المستقبلية ستتزوج من جاك وتحصل على شهادة الأستاذية. لكنها تكتشف بعد ثلاثة أعوام من قصة الحب الخيالية أن ابن عمها سيتزوج من امرأة أخرى: «عندها فقط أيقنت أنه ليس بإمكان أى شخص أن يكون مسئولا عنى على نحو كامل لا أحد يعرفنى أو يحبنى تماما ليس لدى سوى نفسى فقط».
وعن علاقتها بسارتر تكتب لصديقتها الحميمة زارا: «أعرف هذا الشاب منذ ثلاثة عشر يوما وقد صار يتكهن بأفعالى فامتلكني. يحتاج ذهنى إلى حضوره وينتابنى الانفعال أمام تعاطفه. الشك والاضطراب والنشوة. أريد أن يرغمنى على أن أصير شخصا حقيقيا ويعترينى الخوف».


وعن الشخصية الأشهر التى تتمناه النساء لكنها تخشاه في الوقت نفسه يتناول الفصل التاسع والعشرين قصة كازانوفا المولود عام 1798 واسمه الحقيقى «جان كازانوفا دى سينياليت». 
مات الرجل الذى أوحى إلى العديد من الكتاب والفنانين بشخصية العاشق الماجن عن عمر يناهز الثالثة والسبعين وقد أوصى معارفه وأصدقاءه قبيل رحيله بأن يبقى قبره مجهولا.
في مذكراته يقول كازانوفا إنه أوقع في شراكه 125 امرأة. ظل شكله غامضا برغم العديد من اللوحات الفنية التى رسمت له ولمغامراته حيث لم يحفظ العالم له سوى صورتين غير واضحتين وظل شكله وهيئته لغزا يحير الباحثين حتى عثر عام 1953 وبطريق الصدفة في إحدى المخازن الخاصة بتاجر للصور في إيطاليا على صورة قديمة مكتوب عليها عبارة «جان جاك كازانوفا 1767» وقد تحقق خبراء اللوحات الفنية من أن اللوحة تعود إلى رسام كان صديقا لكازانوفا ويدعى «رفائيل منجز» وقد رسمت الصورة للعاشق الإيطالى الأشهر وهو في الثانية والأربعين من عمره حيث تظهره مصابا بتضخم في الغدة الدرقية جاحظ العينين ذا ذقن مدبب وأنف ضخم وشفتين تنمان عن ميل شهواني، لكنه يملك وسامة محببة هى التى ساعدته على الإيقاع بالنساء.
ومن ضمن ما جاء في مذكرات كازانوفا أنه جرب الحب وهو في الخامسة عشرة من عمره مع فتاة حسناء اسمها «باتينا» كان لها الكثير من المعجبين وكانت هى من جانبها تميل إلى شاب أكبر منها عمرا ولم يجد كازانوفا من وسيلة للوصول إليها سوى أنه أشاع أن الفتاة مصابة بمرض خطير ومعد وهكذا ابتعد الجميع عنها لتصبح أول مغامرة نسائية ناجحة في حياته.
يرى كازانوفا أن الحب يجلب طمأنينة النفس ويكتب في إحدى رسائله إلى أحد أصدقائه: «لقد علمت أن لديك رغبة جسدية قوية نحو ملذات الحب عندما لا تسبب الحزن والغم لأحد لك أن تلبى رغباتك كما تريد». وهو هنا يحصر الحب في الملذات التى يمكن التسامح معها وقبولها. 
ويقول في مذكراته إنه لا يمكن بأى شيء إشباع شهوة الحب فمثلها مثل الظمأ الذى يعانى منه الإنسان في حلمه ولا يستطيع إواءه.