الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أحدث إصدارات الحرب الباردة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حالة من الطوارئ أعلنتها جميع الدول في مختلف مناطق العالم، لمواجهة فيروس «كورونا» القاتل القادم من الصين، في ظل تداعياته الخطرة التى تصل إلى حد الوفاة، وهو ما يبدو واضحا في الرقابة الشديدة التى تفرضها كل السلطات على القادمين من بكين، من أجل التأكد من عدم إصابتهم بالمرض، حتى يمكن تجنب تفشيه بين المواطنين، وهو ما يعطى انطباعًا صريحًا بخطورة الأمر، ليصعد إلى مرتبة التهديد الدولى.
فقد سيطر على العالم بأسره حالة من الفزع والرعب مع تزايد الإصابات بهذا الفيروس، رغم أن منظمة الصحة العالمية أكدت في بيان رسمى أن الوضع الوبائى لا يرقى لحدث يثير الفزع والذعر في النفوس، ما يجعل حالة الفزع التى يشعر بها المواطنون وهمًا لا أساس له.
ففيروسات كورونا فصيلة واسعة الانتشار معروفة بأنها تسبب أمراضًا تتراوح من نزلات البرد الشائعة إلى التهاب رئوى وجميعها أمراض لها علاج، ويصاب بها الكثيرون في فصل الشتاء سنويًا ما يضرب فكرة الفزع الشديد الذى شاهدناه بين المواطنين في مصر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية.
الجانب الآخر الذى يؤكد أن مصر آمنة وليس هناك خطر على شعبها من مخاطر كورونا فيروس هى سلسلة التدابير السبعة التى اتخذتها وزارة الصحة والسكان، والتى تعد بمثابة حائط لصد العدوى أو تسرب المرض للبلاد والتى في مقدمته رفع درجة الاستعداد القصوى بجميع أقسام الحجر الصحى بمنافذ الدخول المختلفة للبلاد، ومناظرة جميع المسافرين القادمين من المناطق التى ظهر بها المرض، بالإضافة إلى العزل الفورى لأى حالة يشتبه في إصابتها بفيروس كورونا ‪وتعميم منشور على منشآت الصحة، للتعريف بالحالات والتعامل معها، وإجراءات الوقاية ‪ فضلا عن رفع درجة الاستعداد وإجراءات المكافحة، وتجهيز أقسام العزل بالمستشفيات وتنشيط إجراءات لرصد أمراض الجهاز التنفسى الحادة، ورفع الوعي‪ ومتابعة الموقف الوبائى العالمى على مدى الساعة‪.
وعملًا بمبدأ الوقاية خير من العلاج فيمكن الحماية من مخاطر العدوى بالمداومة على غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون، خصوصًا بعد السعال أو العطس واستخدام دورات المياه، وقبل وبعد التعامل مع الأطعمة وإعدادها، بالإضافة إلى استخدام المنديل عند السعال أو العطس وتغطية الفم والأنف به، ثم التخلص منه في سلة النفايات وتجنب ملامسة العينين والأنف والفم باليد قدر المستطاع.
وتتطلب الوقاية من العدوى لبس الكمامات في أماكن التجمعات والازدحام مثل الحج أو العمرة، مع الحرص على اتباع العادات الصحية الأخرى كالتوازن الغذائى والنشاط البدنى وأخذ قسط كافٍ من النوم وضرورة مراجعة الطبيب عند الضرورة، ومتابعة ما يستجد من معلومات حول المرض من قبل وزارة الصحة.
ولكن بعيدًا عن التداعيات الصحية الخطيرة من تفشى المرض، تبقى هناك العديد من الأبعاد الأخرى، التى لا يمكن غض البصر عنها، خاصة إذا ما نظرنا إلى توقيت انتشاره، والذى يتزامن مع توقيع المرحلة الأولى من الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بشأن خلافاتهما التى طفت على السطح منذ صعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى سدة البيت الأبيض قبل 3 أعوام، على اعتبار أن اختلال الميزان التجارى بين البلدين، من وجهة النظر الأمريكية يرجع في الأساس إلى تلاعب صينى سواء بعملتها، أو عبر تقديم منتجات مصنوعة بمواد أقل جودة من نظيرتها الأمريكية، وبالتالى يمكن بيعها بأسعار أرخص، وإغراق السوق الأمريكية على حساب المنتج الأمريكى.
وهنا يمكننا القول إن انتشار الفيروس الخطير في الصين، يعد بمثابة مرحلة حاسمة في الصراع الأمريكى الصينى، حيث إنه يقدم نقاط إضافية لواشنطن في صراعها التجارى مع بكين، من خلال مزيد من الإجراءات الأمريكية المتوقعة تجاه كل ما هو قادم من الصين، سواء من الأشخاص أو المنتجات، بذريعة المخاوف من تفشى المرض بين المواطنين الأمريكيين، وبالتالى التنصل من التزامات واشنطن رغم التوصل إلى اتفاق مبدئى، يفتح الباب أمام جولة جديدة من المفاوضات بين الجانبين.
ولعل الحديث عن الجولة الجديدة من المفاوضات بين واشنطن وبكين، يمثل مخاوف كبيرة للعديد من المتابعين، في ظل توقعات كبيرة تدور في معظمها حول صعوبتها، نظرا لكثرة القضايا الخلافية، خاصة فيما يتعلق بمسألة القيمة الحقيقية للعملة الصينية (اليوان)، حيث إن الولايات المتحدة تتهم الحكومة الصينية بالتلاعب في قيمة عملتها، والاحتفاظ بها في قيمة أقل من قيمتها الحقيقية، مما يمكنها من غزو الأسواق العالمية، وفى القلب منها السوق الأمريكية، وبالتالى يبقى الفيروس القاتل فرصة أمريكية لفرض مزيد من الضغوط خلال التفاوض مع المسئولين الصينيين لإجبارهم على تقديم المزيد من التنازلات.
وبعيدًا عن الخلافات المباشرة بين واشنطن والصين، يمثل انتشار كورونا فرصة جيدة للولايات المتحدة لاستعادة قدر كبير من مكانتها الاقتصادية، باعتبارها القوى المهيمنة على العالم، بعدما تمكنت بكين من زعزعة العرش الاقتصادى الأمريكى لسنوات طويلة، في ظل ما قد تؤدى إليه الأزمة الحالية من تراجع في النمو الاقتصادى الصينى، في الوقت الذى تحقق فيه واشنطن نموًا اقتصاديًا ملموسًا منذ بداية عهد ترامب، وهو ما يرجع في جزء منه إلى تشجيع المنتجات الأمريكية، عبر فرض إجراءات حمائية على الواردات القادمة من الخارج، سواء من الدول الحليفة، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبى أو اليابان أو كوريا الجنوبية، أو الخصوم، وفى مقدمتهم الصين.
يبدو أن أزمة انتشار «كورونا» تحمل في طياتها منحة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ليحقق المزيد من المكاسب، التى يمكنه من خلالها الترويج لانتصار جديد، يكمن في نجاحه استعادة القوة الأمريكية وهيمنتها سياسيًا واقتصاديًا، أمام المواطن الأمريكى، ليعلن، قبل انطلاق الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل، أنه وعد «بجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، فأوفى في نهاية المطاف على كل المستويات خاصة بعدما فعله في القضية الفلسطينية وتقزيم مساحة الأرض الخاضعة ظاهريا للسلطة الفلسطينية والواقعة فعليا تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلى خاصة وأن الصفقة نصت بأن الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح والسيادة وبالتالى فقد قدم ترامب كل القرابين للوبى الصهيونى في الداخل الأمريكى للحصول على دعمهم كعادة كل من سبقوه في سباق الرئاسة الأمريكية.