الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

ألكسندر ديلفال يكتب: إستراتيجية الخلافة الجديدة لأردوغان وأطماع تركيا في النفط والغاز والمستعمرات العثمانية السابقة في البحر المتوسط

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

وافق البرلمان التركي يوم 2 يناير على نشر قوات في ليبيا لمساندة حكومة فايز السراج الموالية للإسلاميين في طرابلس ضد الجيش الوطني الليبي الذي يقوده خليفة حفتر المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا ومصر. إن وصول مقاتلين إسلاميين إلى ليبيا قادمين من سوريا هو خبر سيئ بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لأنه سيكون في مقدرة العديد من الجهاديين الاختلاط بالمهاجرين والوصول إلى الأراضي الأوروبية... يسعى أردوغان ، الذي يري فيه الإخوان المسلمين خليفة المستقبل، لتحقيق أهدافه الإمبريالية والسيطرة على الولايات العثمانية القديمة (قبرص، اليونان، العراق، سوريا، ليبيا، تونس). تطمع تركيا بشكل خاص في الاستحواذ على احتياطيات النفط والغاز الهائلة في ليبيا وشرق البحر المتوسط ​​تحت ستار الدفاع عن المسلمين والأقليات التركية المضطهدة.

بعد أقل من ثلاثة أشهر على عمليته العسكرية الثالثة في شمال سوريا والتي أسفرت عن مقتل الآلاف من الأكراد الذين تخلت عنهم الولايات المتحدة ونزوح مئات الآلاف منهم، يكرر أردوغان سياسه التدخل العدواني هذه المرة في ليبيا. يطوق الرئيس التركي للخلافة العثمانية التي أعلن أنه سيعيدها عام 2024 بعد مائة عام من إلغائها من قبل أتاتورك العلماني الذي يبغضه الإسلاميين. يريد أردوغان توسيع العمق الاستراتيجي لبلاده داخل المستعمرات العثمانية السابقة باسم الدفاع عن المسلمين والأقلية التركية. هذه الدبلوماسية العدوانية التي تهدد سوريا وليبيا منذ اندلاع الربيع العربي، لها تاريخ طويل في قبرص، حيث يمنع الجيش التركي بالقوة حكومة نيقوسيا الشرعية من إجراء عمليات تنقيب عن النفط في الجنوب في حين أن تركيا لا تملك هذا الحق فهي سلطة احتلال غير شرعية في الشمال (37٪ من الجزيرة) منذ عملية أتيلا عام 1974. ومنذ اكتشاف احتياطيات الغاز الضخمة في البحر المتوسط في بدايات هذا القرن ظهر العداء بين تركيا واليونان حيث تدعي أنقرة امتلاكها جزر بحر إيجة، كما ظهرت أيضا خلافات مع قبرص والدول العربية المطلة على شرق المتوسط ​و الغنية بالنفط والغاز


القومية الإسلامية، حرب الطاقة والخطط الانتخابية الداخلية

تركيا هي بلد عبور الغاز والنفط العربي والخليجي والروسي من منطقة القوقاز وبحر قزوين. تطالب أنقرة بحصة في احتياطيات الغاز الضخمة التي تم اكتشافها في السنوات الأخيرة قبالة سوريا ولبنان وقبرص واليونان وإسرائيل ومصر وليبيا وتعارض اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين هذه الدول. لذلك تريد تركيا إعادة ترسيم حدودها البحرية وتقوم بأعمال حفر غير قانونية قبالة قبرص استنادا لما تسمية "حقوقها التاريخية" في بحر إيجه وذلك على حساب اليونان. كذلك يمنع ألاسطول التركي الشركات الفرنسية والإيطالية والقبرصية من التنقيب عن الغاز في جنوب قبرص. وهو سلوك استفزازي لم يسبق له مثيل إدانة الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الماضي دون جدوى، فقد أعلنت أنقرة أنها ستستمر في أعمال الحفر والتنقيب... ياله من موقف مذهل من جانب دولة تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي!

في تصريح يكشف عن رؤيته العدائية قال أردوغان : "لقد قمنا بتعزيز الأراضي التي نسيطر عليها ويمكننا الآن إجراء عمليات استكشاف مشتركة ولا يجوز لأي طرف دولي آخر، دون إذن مسبق من تركيا، إجراء عمليات استكشاف في المناطق التي تغطيها هذه الاتفاقية. لا تستطيع قبرص ومصر واليونان وإسرائيل بناء خطوط أنابيب للغاز دون الحصول أولًا على إذن من تركيا".

إن الشعار الذي أطلقه أردوغان في بداية الألفينات وهو "دولة بلا أعداء" كان يهدف فقط لإقناع الأوروبيين السذج بالموافقة على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي . هذا الشعار يبدو اليوم مثيرا للضحك. لقد حذر السلطان الجديد في برنامج على قناة TRT التركية يوم 10 ديسمبر، من أن تركيا سوف "تقوم بعمليات استكشاف مشتركة مع ليبيا قبالة قبرص" كجزء من الاتفاق المبرم يوم 27 نوفمبر بين أنقرة والحكومة الإسلامية في طرابلس، والذي يهدف إلى "الدفاع عن حقوق تركيا في المنطقة". إن الرغبة التركية في الاستحواذ على المحروقات والأطماع العثمانية لأردوغان يفسران قرار أنقرة إرسال عسكريين أتراك وميليشيات إسلامية موالية لتركيا والجهاديين الدوليين والعرب الذين هزموا في سوريا، إلى الولاية العثمانية السابقة ولعاصمتها طرابلس، المهددة من قبل الجنرال حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا. يبرر أردوغان هذا الاستعمار الجديد من خلال حقيقة أن المقاتلين الإسلاميين في مصراتة هم أحفاد مستوطنين أتراك عثمانيين. وإذا سقطت حكومة فايز السراج (الفخور بكونه من سلالة تركية) المؤيدة للإخوان المسلمين فإن أردوغان سيخسر موقعًا استراتيجيًا هاما في البحر المتوسط ​​وأفريقيا، حيث تواصل أنقرة إنشاء قواعد عسكرية كما هو الحال في (ليبيا والسودان والصومال وتونس) وهي قواعد مكملة للقواعد التي سبق انشائها في قبرص وبحر إيجه اليوناني وسوريا وغزة.


دبلوماسية الإخوان في خدمة المحروقات

يتفاوض أردوغان منذ عدة شهور مع موسكو وطهران ودمشق حول مشكلة المقاتلين الإسلاميين والجهاديين الذين كان من المفترض أن تقلص تركيا أعدادهم ولكنها استخدمتهم لذبح الأكراد في شمال سوريا وتركتهم ليترعرعوا في إدلب في غرب سوريا. يوجد مايقرب من 12 ألف جهادي من القاعدة في هذه المدينة التي من المحتمل أن يكون زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، قد اختباء بها قبل أن تسلمه أنقرة للولايات المتحدة مقابل تخلي الأخيرة عن الأكراد. أراد أردوغان ضرب عصفورين بحجر، وقام بنقل الجهاديين العرب والدوليين (بما في ذلك الأوروبيين) من سوريا إلى ليبيا، ليقوموا بمساعدة نظام السراج ضد خليفة حفتر. أردوغان لا يريد أن يقوم حفتر بتوحيد ليبيا وتحقيق الاستقرار بها. ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد أرسلت تركيا بالفعل 300 جهادي إلى طرابلس في الأيام الثمانية الماضية، وقد وصل عدد المقاتلين الإسلاميين والجهاديين الأتراك في ليبيا إلى أكثر من 500، منهم مقاتلون سابقون في تنظيم القاعدة. وهناك مايقرب من 1600 أحمق يتدربون في مخيمات في تركيا وشمال سوريا... كذلك كشفت جريدة ميدل إيست آي إن الميليشيات الموالية لتركيا التي ارتكبت جرائم حرب بشعة في سوريا، قد وصلت بالفعل إلى ليبيا ومنها "لواء السلطان مراد" و"كتائب صقور الشام" التي تضم عددا من الجهاديين الفرنسيين والأوروبيين و"فيلق الشام" الذي يتألف من 4000 جهادي والتابع لجماعة الإخوان المسلمين المصرية. يذكر أن الروابط بين الجبهتين السورية والليبية قوية للغاية فقد تم تزويد الجيش السوري الحر بكثافة من قبل جهاديي الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا الذين حاربوا مع القاعدة في العراق ومع الناتو في ليبيا للإطاحة بمعمر القذافي.


تونس الإخوانية قي قلب اللعبة الجهادية العثمانية الجديدة

تونس هي ولاية عثمانية سابقة مؤيدة لتركيا، استردها مؤخرا إخوانيوا النهضة. تشارك تونس في عملية الهجرة الجهادية هذه. ووفقا لاتفاق تم التفاوض بشأنه يوم 25 ديسمبر بين الرئيسين التونسي قيس سعيد والتركي رجب طيب أردوغان (الذي كان يرافقه حاكان فيدان رئيس جهاز المخابرات التركي، ووزراء الخارجية والدفاع)، تستطيع تركيا استخدام مطار وميناء جربة لنقل الجهاديين إلى طرابلس ومصراتة. وبموجب الاتفاقية الموقعة مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، ستكون تركيا قادرة على إقامة ميناء في ليبيا، تستطيع ان تمد نفوذها عن طريقة في شرق المتوسط.

من الواضح أن هذه التطورات ليست في صالح الأوروبيين فالحدود الإيطالية تبعد 230 كم فقط عن السواحل الليبية التي يسيطر عليها إسلاميون موالون لنظام أردوغان. باختصار، يملك السلطان والخليفة التركي الجديد الذي لم يعد يخفي احتقاره للأوروبيين المنقسمين، ورقة ضغط مهمة وهي ورقة "المهاجرين الحقيقيين والجهاديين غير الحقيقيين". وكما حذر النائب المصري، عبد الرحيم على، المتخصص في شئون الإسلام ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط المؤثر،، فإن بعض هؤلاء الجهاديين الذين أرسلهم الجيش التركي قد ينخرطوا في صفوف المهاجرين غير الشرعيين ويصلوا إلى جنوب إيطاليا أو مالطا بمساعدة المهربين ومنظمات الهجرة غير الحكومية، وهو ما يمثل صداعا أمنيا حقيقيا لأوروبا، التي تعاني من تهديد إرهابي متكرر وغير القادرة على تحييد المئات من الجهاديين الخارجين من السجون الذين قد يتحولون إلى وحوش مفترسة وينضم إليهم قريبًا مؤيدون من سوريا والعراق... هناك العديد من الأمثلة لإرهابيين وصلوا بالفعل إلى أوروبا قادمين من ليبيا. لقد وصل مواطن غامبي يدعي الاجي تورية إلى ميسينا في إيطاليا في ربيع عام 2018 وبينما كان في انتظار تسوية وضعه كلاجئ، قام بالتخطيط لهجوم في أوروبا، وبعد إلقاء القبض عليه في إيطاليا، تم العثور على شريط فيديو يثبت ولاءه لداعش. لقد قامت الشبكات الإسلامية الليبية بتنفيذ هجومين إرهابيين كبيرين في أوروبا مؤخرا. الأول نفذه أنيس عمري بشاحنة في ديسمبر 2016 ضد سوق للكريسماس في برلين والثاني نفذه الإرهابي الانتحاري سلمان عابدي في مايو 2017 ضد حفل في مانشستر. وقد أعلنت داعش مسئوليتها عن الهجومين.