الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

أدب الرعب وروايات الديستوبيا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

إذا كانت روايات الديستوبيا والرعب والغموض قد تُولد من أجواء سلبية مليئة بالاختناق والضيق وانهيار الثقة فى الذات وفى العالم المحيط، فإنها من المنطق أن تخلق أجواءً مماثلة فى نفوس القراء، وخاصة لو كانوا فى مراحل عمرية تتسم بالاندفاع والتهور وقلة خبراتهم فى التعامل مع الأمور المعقدة، وقد تكون آراء مثل هذه طبيعية وحتمية لأول وهلة، ولكن القضية فى تفاصيلها تؤكد أنها بحاجة إلى العديد من الدراسات النفسية والطبية والأدبية. تقول بعض الإحصائيات إن عدد المنتحرين فى العالم يصل إلى شخص كل أربعين ثانية، وإن كل شخص ينهى حياته بالانتحار يؤثر على قرابة 20 شخصًا آخر، وما يهمنا فى هذا الأمر هو قضية المحاكاة، ولنطرح سؤالا عن المحاكاة بطريقة أخرى: هل يقدم أحد الشباب على إنهاء حياته بطريقة مماثلة لما شاهده فى فيلم أو لما قرأه فى رواية من أنواع روايات الرعب والقتل والديستوبيا؟

يعترف البعض أن مثل هذا النوع من التأثير يكون بمثابة «تأثير سلبى وساذج» فالإنسان ليس نوعًا من الآلات، وليس باستطاعة فرد أن يقلب مجتمعًا على صورته فى إنهاء حياتهم بشكل اختيارى.

وتبقى زاوية أخرى لهذا النوع من الروايات، لأن رغبة الإنسان الجامحة فى السيطرة على الكون، بكل ما يحمله فى طياته من أسرار محل نظر وتأمل، فهو إن لم يستطع أن يجد ما يطمح إليه، يسعى جاهدا لتحقيقه فى تصوره عبر خيالاته وأوهامه، حتى عندما يواجه عدوًا شرسًا لا يقدر عليه، يحاول أن ينتصر عليه فى أحلامه وحكاياته، لذلك من الطبيعى أن نجد حتى الآن بعض الموروثات القديمة المتعلقة بالانتصار على الآخر والاستحواذ عليه والنيل منه بصورة قاطعة ونهائية، وعندئذ تصبح روايات الخرافة والغموض محاولات لفك ألغاز العالم الخفى وليس لغلق باب الحياة المشرقة أمام الشباب والمراهقين.

وهنا يجدر ببعض المؤلفين أن يصفوا أعمال الديستوبيا والرعب أنها «جزء من التراث من أول حكايات ألف ليلة وليلة لحكايات الجدات، وأن الحكاية ومغازلة الرعب الغريزى بداخل القراء أو المستمعين هو الهدف الذى يصل بالجميع إلى المتعة وقضاء وقت مثير، وأن الهدف من كتابة هذا النوع، وفق حديث للروائى عمرو المنوفى- هو المتعة، وهذا بالإضافة إلى ترسيخ بعض القيم والمفاهيم البناءة فى ذهن القارئ، عبر الحكايات الممتعة، برغم أنى أرى أن قضاء وقت جيد بين صفحات الكتاب هو هدف فى حد ذاته».

على كل حال، بات من الصواب إظهار الآراء المختلفة فى مدى تأثير أدب الرعب وهل يؤدى إلى الحماس والإثارة والقضاء على ملل الحياة أم يؤدى الاختناق والانفصال عن العالم وصولا للانتحار؟!


"البوابة نيوز" تفتح ملف أدب الرعب، أو الروايات التى تقوم حبكتها وأغلب أحداثها على الدموية والعنف، تلك التى لاقت قبولًا واسعًا فى الفترة الأخيرة، وحققت مبيعات عالية مقارنة بالروايات التقليدية - إن جاز التعبير - بيد أن أغلب قراء هذا النوع من الأعمال الأدبية من الشباب فى فترات عمرية ما بين السادسة عشرة والخامسة والعشرين، وهذا أمر ذو دلالة من الأهمية بمكان، فهو يدفعنا للاستقصاء والبحث ومعرفة ردود المتخصصين من أساتذة علم النفس، وأساتذة النقد الأدبي، لنقف على الأسباب التى تدفع الشباب لهذا النوع من الأدب دون غيره، وهل هناك وسائل يمكنها أن تُروج للروايات الواقعية والاجتماعية أمّ أن المستقبل لأدب الرعب والأساطير والخرافات وما وراء الطبيعة، وهل يسهم هل النوع من الروايات فى تربية ذائقة فنية لدى النشء أم لا، وما مدى تأثير قراءة هذه الروايات على سلوك الشباب فى المجتمع المصرى، وهل بدورها تدفع لحالات سلبية تؤدى بالضرورة إلى الانتحار؟!


*شاكر عبدالحميد: البحث عن الحماس والإثارة وراء إقبال الشباب على الروايات

قال الناقد الكبير الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الأسبق وأستاذ النقد الأدبى: الأمر مرتبط لدى الشباب بفكرة الرعب ذاتها، وفكرة الرعب مرتبطة بالاستثارة، استثارة الجهاز العصبى، نظرًا لأن الشباب يميل إلى الهروب من الملل، ويبحث عن الإثارة التى تدفعه لحالة من الحماس والإحساس الأكبر بالحياة، نظرًا لوجود تدفق أكبر فى الطاقة، ولذلك يبحث عن وسيلة تمتص هذا الفائض من الطاقة وهذا الحماس.

وأضاف عبدالحميد: يتسم هذا النوع من الروايات بالغموض فى بعض الأحيان، وهذا الغموض يستثير الحماس عند الشباب والأطفال، إلا أن فضول الأطفال يكون مرتبطًا بخيال الأطفال، أما عند الشباب فهو مرتبط برغبة فى المعرفة والتتبع والتوقع والاستثارة، وجوانب أخرى، وهذا الأمر ينطلق أيضًا على أفلام الرعب والإثارة، من حيث الدوافع والحوافز النفسية، وفى كتابى «الفن والغرابة»، هناك فصل عن السينما، وبه عرض لنظريات الرعب والدوافع التى تجعل الناس تقبل على نظريات الرعب نفسها.

وعن تأثير هذا النوع من الروايات على الأعمال الأدبية الأخرى من حيث الرواج، قال الناقد الكبير: لا بد هنا أن نعمل بمبدأ دع الزهرة تتفتح، بمعنى أنه لا يوجد شيء اسمه، هذا يؤثر على ذاك، وأنا أرى أن هذا النوع له جمهور والأنواع الأخرى لها جمهورها الذى يكتفى بالتسلية والمتعة المؤقتة يكتفى بهذه الروايات التى تثير الحماس. ولكن هناك إحصائيات عن السينما تقول إن أكبر نسبة مشاهدة وإقبال على الأفلام فى السينما ومواقع الأفلام المتخصصة من نصيب أفلام الرعب، وهذا الحديث ربما يكون صادقًا أيضًا على روايات الرعب، لأنها تضع الإنسان فى الحالة التى تبعده عن ملل الحياة.


*حسين حمودة: «داعش» من الظواهر التي قادت تفاصيلها تجاه الإحساس بالكابوس

أكد الناقد الأدبى الدكتور حسين حمودة، أن أجواء روايات الكابوس والديستوبيا هى عالم بذاته يستدعى ويثير الإحساس بالوطئة والاختناق وفقدان الإرادة والانفصال بين الذات والعالم، وقد ارتبطت فى السنوات الأخيرة بعدة ظواهر منها ظاهرة داعش مثلا، هذه الظواهر حملت معها عدة تفاصيل يمكن أن تقود للإحساس بالكابوس.

وعن أصول الأعمال الأدبية التى تستمد أجواءها من الرعب والغموض والكابوس، قال أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة: روايات الرعب الحديثة، التي انتشرت انتشارا كبيرا فى الفترات السابقة، تنهل من نبع قديم، موصول بأعمال إبداعية متعددة، منها بعض الأساطير والحكايات الخرافية، ومنها بعض حكايات «ألف ليلة وليلة»، وموصول أيضا، قبل ذلك، بالنزوع الإنسانى إلى اكتشاف عوالم مظلمة، غامضة، أحاطت به فى أزمنة قديمة، وربما لا تزال تحيط به حتى الآن.

هناك أيضا، فى الميراث السابق لروايات الرعب، مسيرة طويلة قطعها بعض الروايات البوليسية، وقد امتدت هذه المسيرة لخط شائع من خطوط الإنتاج السينمائي، يتمثل فى الأفلام المخيفة التى تمثل اختيارا لبعض المشاهدين.

"الرعب، فى جوهره، مفتوح على مفردات أخرى عرفتها التجارب الإنسانية وشهدتها محاولات عديدة للتعبير الإبداعى المتنوع"؛ هكذا يوضح «حمودة» مفردة الرعب مستكملا: «وفى هذه الوجهة يمكن أن نفكر فى بعض الأعمال التى اتسمت بنوع خاص من «الفانتازيا»، أو التى تأسست على روح «الكابوس» الخانق والغامض والمظلم، وكذلك يمكننا التفكير فى قصص وأفلام انتشرت فى بعض الفترات، وانحسرت فى فترات أخرى، مثل أفلام «دراكولا»، و«فرانشكتين»، وحتى أفلام حديثة مثل «صمت الحملان».


*ماجدة عمارة: سحر الغموض يقود الشباب نحو مصائر مجهولة

أكدت الدكتورة ماجدة عمارة، أستاذة الفلسفة الإسلامية واليونانية، أنها تتابع بشكل مستمر قراءات الشباب وما يبحثون عنه، فالقراءة تشكل وعي الإنسان وفقا لمضمونها قائلة: «كنت أقرأ الحكايات لأطفالى بصوتى قبل نومهم، ففتح الصوت بكلماته أفق خيالهم، وشبوا على حب القراءة التى كانت من أقوى عوامل نمو وعيهم وإنضاج شخصياتهم، واليوم أتابع قراءات الشباب مثلما كان أبنائي، فرحة بتنامى شغفهم بها، ورغم ما يوجه إليهم من اتهامات بإضاعة الوقت الذى يمضونه فى متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، لكن لعلها تكون هى إحدى المحفزات على حب المعرفة، الذى يمكن أن يحدوهم نحو القراءة والبحث عن كل جديد».

"سحر الغموض" بهذا وصفت «ماجدة» أنواع الروايات التى تجتذب فئة كبيرة جدا من الشباب، مبررة ذلك أنه وصف من لسان الشباب أنفسهم «فهم يجدون أمامهم عند الباعة كتيبات صغيرة مكتوبة بلغة عامية يسهل عليهم فهمها، هذه الكتيبات تحدثهم عن ذلك المجهول الذى يمكنهم اختراقه وكشف أسراره، عوالم الشياطين وجثث الموتى التى يمكنهم إحياؤها، وهم أذكياء ولا تنقصهم مهارة البحث، فيسارعون إلى الشبكة العنكبوتية بحثا عن المزيد، فتأخذهم فى مسارات متعددة سعيا وراء سحر ذلك الغامض المجهول لديهم».

قالت الباحثة والمتخصصة فى الفلسفة: إنها أدارت عدة حوارات مع بعض الشباب الذين يقرأون هذا النوع من الروايات بهدف معرفة المزيد عنهم والاقتراب من عالمهم، «وأيضا لأتعرف إلى الموضوعات التى يملأون وعيهم بها، هذا الوعى الذى أراه على درجة عالية من النماء والنضج رغم حداثة سنهم، فهم شباب يافعون، أذكياء، حالمون، لديهم شغف بتخليق الذات ومنحها فرصة للنمو، فوجدوا هذه القراءات أمامهم فرصة سانحة لذلك».

كشفت «ماجدة»، عن اندهاشها من تردد أسماء بعض المؤلفات الخاصة بالدجل والشعوذة على لسان كثير من الشباب، فكان من هذه المؤلفات: «شمس المعارف»، و«العزيف» لمؤلفه العربى عبد الله زرد أو لمؤلفه الأمريكى H.P lovecroft، أيا كانت حقيقة الكتاب أو جنسية مؤلفه، فإننى لا أخفى أن دهشتى كانت نابعة من الإعجاب بهذه العقول النابضة».

سردت «ماجدة» حكاية غريبة عن أحد الشباب الذين تأثروا بمثل هذه الأشياء الغامضة، فهو قد أخبرها أنه «لعب مع مجموعات من الشباب فى أوروبا بعض الألعاب الإلكترونية ذات الصلة بمثل هذه الموضوعات، فأمدوه ببعض الصور لمخطوطات مكتوبة باللغة اللاتينية، وهى اللغة التى تكتب بها الطلاسم كما أخبروه، وقد حاول هذا الشاب أن يتعلم اللغة اللاتينية من أجل ذلك، كما قام بإجراء التجارب وكتابة الطلاسم بنفسه، وأن السبب وراء ذلك كان رغبته فى إثبات قدرته على اقتحام ما عجز الأكبر منه عن اقتحامه، ووجدنى مصغية إليه بكامل وعيي، فوصف لى كيف قام بجراحة أصابعه ليسيل منها الدم الذى رسم به الطلسم على الحائط، ووضع أمامه المرآة التى أعدها لكى تتراءى له فيها الصور، ثم سمع أصوات الصراخ بعدها تطن فى أذنه، سألته: هل ميزت طبيعة الصوت؟ فأجابني: نعم، كان صوت لعزيز لدى مات مؤخرا، وكان يستنجد بى أن أفتح له البوابة! وحين استفسرت عن معنى «البوابة» أجابنى بأنها البوابة التى تفصل بين عالمنا والعالم السفلى».

تابعت «ماجدة» أن أحد الشباب المستمعين أشار إلى دور العامل النفسى فى تلك الخيالات الوهمية قائلا: «هو أنت مش كنت قريت إن الحاجات دى حتحصل قبل ما تعمل الطلسم؟» ثم تصف الدكتورة هؤلاء الشباب أن أفعالهم هى «بين الخوف والإقدام تتراقص أعمارهم ولا يعرفون نحو أى مجهول تأخذهم خطواتهم البريئة الجريئة».

واستكملت «ماجدة»، أن هؤلاء الشباب الذين تحدثت إليهم كانوا مجموعة من المتطوعين فى العمل الخيرى، وقد انصرف الشاب الذى كان يريد فتح البوابة بين العالمين عن الموضوع برمته، إلى ممارسة رياضة تسلق المرتفعات والقفز بالمظلات، حالما مع بعض أقرانه أن يصبحوا يوما من أبطال «فرقة الصاعقة المصرية».


*شوشة: علاقة الرواية بظاهرة الانتحار تحتاج لدراسة طبية نفسية وفلسفية

"الرواية خطاب مؤثر مثل كافة الخطابات الإعلامية المشكلة للوعى والمساهمة فى بناء الذهنية الخاصة بقرائها"؛ هكذا يؤكد الروائى والناقد الأدبى محمد سليم شوشة موضحًا أنه "إذا كانت أسباب الانتحار فى الأساس متباينة وتبدو غير واضحة فى أكثر الحالات بالنسبة للطب النفسي، فإنه من الصعب الإقرار بربط نوع معين من الرواية بالانتحار أو القول إن شكلا معينا من رواية الرعب قد يكون من أسبابه، ولكن يمكن بشكل إجمالى فى تقديرنا القول إن الرواية خطاب مؤثر مثل كافة الخطابات الإعلامية".

وعن السنوات الأخيرة ومدى انتشار نوع معين من الكتابات لدى الشباب والمراهقين، قال أستاذ الأدب العربى بجامعة الفيوم: "فى المدة الأخيرة ربما بدا واضحا أن الرواية الشبابية أصبحت مقروءة على نطاق واسع، ويتضح هذا من خلال الروايات المنتشرة لدى باعة الصحف على الأرصفة ولدى المزورين وهى مسألة لها اعتبارها أو وجاهتها كمؤشر للانتشار، كما يتضح كذلك بالدرجة نفسها لدى مواقع الرواية على الإنترنت، وكلها عوامل قياس واضحة وتبتعد بدرجة ما عن التكهن، المهم أن كثيرا من هذه الروايات الرائجة هو من الخطابات المؤثرة أو تلك التى تسهم فى تشكيل الوعى وهذه من البديهيات الثقافية الآن لدى دارسى الثقافة وعلم تحليل الخطاب".

وأوضح شوشة في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن "هذه الروايات قد تسهم فى خلق حال نفسية معينة لدى القارئ، إذ إن من أساسيات فن الرواية كذلك هو الاستحواذ على القارئ والإيهام والمعايشة التى هى كلها من مؤشرات قياس نجاح الخطاب السردى".

واختتم حديثه قائلا: "الحقيقة أن مثل هذه الأسئلة والقضايا عن علاقة الرواية بالانتحار كظاهرة اجتماعية ربما تكون متنامية هى من الناحية العلمية من الأسئلة التى تحتاج إلى بحوث عديدة بينية ومتشعبة ترتبط بالفن الروائي، نعم ولكنها كذلك تحتاج إلى دراسات من قبل الطب النفسى أو علم النفس وبحوث فلسفية عن القراءة عموما، وتحليل الخطاب وتأثيره الممتد أو على المدى القريب، وهى مسائل لا يمكن حسمها بمجرد رأى متسرع أو عابر".