الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

بيتهوفن.. نشيد الفرح

بيتهوفن
بيتهوفن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عُرف عبقري الموسيقى بيتهوفن بأنه كان انطوائيًا يميل كثيرا إلى العزلة والجلوس بمفرده، إلى أن وصل حاله بعدم رغبته في الزواج وبالفعل لم يتزوج بيتهوفن خلال حياته أبدًا، وتسبب مزاجه المتقلب وهوسه وجشعه في دخوله في نزاعاتٍ كثيرة مع أصدقائه وتلاميذه وأخوته وحتى داعميه؛ وربما يرجع ذلك إلى خجله الشديد ومظهره الذي لا يتمتع بوسامة.
كان بيتهوفن دائم التشاؤم من الوجود، عاش كثيرا حالة خصام مع أصدقائه وأخوته ورعاته بسبب مزاجه المتقلب، ولكن كثيرا ما كان يفعل ذلك بعدما عاش طفولته بشكل قاسي جدًا نظرًا لمعاملة والده السيئة.
نشأ بيتهوفن في ألمانيا ولكن كانت بيئته صارمة جدا فكان والده السبب وراء تعلمه العزف والموسيقي فبدأ الأب بتعليم ابنه بعنفٍ وصرامة مما أثر عليه تأثيرًا كبيرًا دام لبقية حياته؛ فقد كان بوسع الجيران سماع صوت بكاء الفتى بيتهوفن أثناء عزفه على البيانو، نظرًا لأن والده كان يضربه عند أي تردد أو خطأ في العزف.
شكل ذلك حياة الفتى بمنوال واحد وهو المكوث في القبو للتدرب على العزف ساعات طويلة، دون نيل قسط وافر من النوم، فدرس مع والده العزف على الكمان والبيانو، كذلك تلقى دروسًا إضافية على يد موسيقيين آخرين في المدينة، وقد أظهر في تلك الفترة نبوغًا وموهبةً موسيقية يفوقان عمره بكثير.
بلغ بيتهوفن عامه الـ12، وقام بنشر أول عمل موسيقي ألفه، وهو عبارة عن تنويعات موسيقية لأحد الألحان التي ألفها الموسيقي الكلاسيكي دريسلر، لكن بحلول عام 1784، تدهورت الحالة الصحية للأب نتيجة إدمانه على الكحول، ولم يعد قادرًا على الغناء وإعالة الأسرة، فطلب بيتهوفن تعيينه عازف أورغن في الأبرشية، وحظي طلبه بالموافقة رغم حداثة سنه، وهكذا تقاضى بيتهوفن راتبًا سنويًا مقدره 150 فلورين؛ وكانت حياته بعد أن اتجه إلى فيينا عاشها دؤبا على دراسة الموسيقى بجهد وإخلاص مع كبار الموسيقيين أمثال هايدن، وأنطونيو ساليري ويوهان ألبريشتسبيرجر، فاكتسب شهرةً واسعةً لكونه عازف بيانو موهوبًا، ولاسيما أنه كان بارعًا جدًا في الارتجال. وقد صادف بيتهوفن خلال تلك الفترة عددًا من الأشخاص الذين تبنوه وقدموا له السكن والأموال.
حققت السيمفونية الأولى لبيتهوفن في المسرح الملكي الإمبراطوري في فيينا، بعد عزفها نجاحا وإقبالا لم يشهده من قبل، وأضحى بيتهوفن بعدها من الموسيقيين البارزين في أوروبا، وتابع بعدها تأليف القطع الموسيقية المختلفة، التي رسخت سمعته بوصفه موسيقيًا بارعًا، إلى أن قام في عام 1801، بنشر "الرباعيات الوترية الستة" التي ضاهت في براعتها وجمالها مؤلفات موزارت وهايدن، ومن ثم ألّف باليه "The Creatures of Prometheus"، التي تمتعت بشعبية جارفة. وبعدها ألف السيمفونية الثالثة التي تعتبر أعظم أعماله وأكثرها أصالة؛ وفي ذات الوقت الذي كان يؤلف أعماله الموسيقية الخالدة والعظيمة، عاني من مشكلة صحية خطيرة حاول إخفاءها قدر الإمكان، إذ كان على وشك الإصابة بالصمم الكلي.
كشف بيتهوفن في رسالة بعثها إلى صديقه فرانز فيجلر سنة 1801 مدى تعاسته وحزنه بسبب حالته الصحية "لا بد لي من الإقرار بأنني أعيش حياة بائسة للغاية، فقد امتنعت عن حضور المناسبات الاجتماعية على مدى العامين الماضيين، لأنه يستحيل عليّ إخبار الناس بأني أصمّ. لو كنت أعمل في مجال آخر، لواجهت عجزي عن السمع واحتملته، ولكنه عائق كبير في مجال الموسيقى".
تمكن بيتهوفن بأعجوبة من مواصلة تأليف الأعمال الموسيقية بين عامي 1803 و1812، وعُرفت هذه الفترة باسم "الفترة البطولية"، ألف بيتهوفن خلالها 6 سيمفونيات، و5 رباعيات وترية، و6 سوناتات وترية، و7 سوناتات بيانو، و72 نشيدًا وأوبرا وحيدة هي "Fidelio". ولعل أشهر تلك المعزوفات "Moonlight Sonata"، وسوناتا الكمان "Kreutzer"؛ وظل متابعا على مدى السنوات الأخيرة من حياته تأليف الموسيقى، وتضمنت أعماله الكبيرة آنذاك كلًا من مقطوعة "Missa Solemnis"، والرباعية الوترية 14 "String Quartet No. 14"، فضلًا عن السيمفونية التاسعة التي انتهى من تأليفها سنة 1824، وتعتبر هذه السيمفونية العمل الموسيقي الأكثر شهرة لبيتهوفن، وخصوصًا المقطع الأخير منها الذي يغني فيه الكورال مقطعًا من قصيدة شيللر نشيد الفرح Ode to Joy"
رحل بيتهوفن في 26 مارس سنة 1827، عن عمر ناهز 56 عامًا، وبيّن تشريح الجثة أن سبب الوفاة كان الإصابة بتليف الكبد، وبعد هذا العطاء اختتمت مسيرة هذا الموسيقار العبقري، الذي أذهل الجميع وأسعدهم بموسيقاه الرائعة التي ألفها وهو أصم.