الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

الفيلم الفائز بـ"سعفة كان الذهبية".. "Parasite".. كوميديا عبثية عن الطفيليات البشرية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يكشف الفوارق الطبقية داخل المجتمع.. ويتناول تطور حياة عائلة فقيرة وكيف أصبحت بعد أن عاشت حياة الأثرياء والمخرج يخطف الأضواء بعد انتقادات لاذعة لفيلمه السابق
غالبًا ما نعتبر الكائنات الطفيلية مخلوقات غير مرغوب في رؤيتها نهائيًا، بل إنها تصبح مصدر إزعاج واشمئزاز بمجرد وجودها داخل أماكن إقامتنا، كونها تتحصل على غذائها من حصة ما يقتاته المُضيف لها. لكن هل كل الطفيليات مرئية؟ أم أن هناك طفيليات أخرى تعيش جنبا إلى جنب معنا ولا نشعر بوجودها.
في فيلمه الجديد «Parasite / طفيلي»، الفائز بسعفة كان الذهبية هذا العام، كشف المخرج الكورى الجنوبى بونج جون هو، عن كائنات طفيلية أخرى غير التى اعتدنا رؤيتها، طفيليات قد تكون أشد افتراسًا إذا ما وقف عائق أمامها نحو تحقيق أهدافها، ألا وهى الطفيليات البشرية.
أحداث القصة، التى صاغها «بونج» رفقة جين وون هان، تدور حول عائلة فقيرة مكونة من أربعة أفراد تعيش في قبو رث، وفى يوم ما يجدون أنفسهم يعملون لدى عائلة ثرية مماثلة لنفس العدد، وخلال هذه التجربة يتورطون في حادث غير متوقع.
على غرار فيلمه الأخير «Okja»، الذى تعرض لانتقادات عديدة بسبب ضعف السيناريو، قدم لنا «بونج» في فيلمه الجديد نصًا متماسكًا من حيث البناء مدعومًا بحوارات سلسة وساخرة على لسان شخصياته، تحمل طابع الكوميديا السوداء في الكثير من الأحيان، لتظهر لنا حجم الهوة الواسعة بين الطبقات الاجتماعية، وكيف أن أساسيات الحياة للطبقة الأرستقراطية هى بمثابة رفاهية للطبقات الدنيا.
فمنذ الوهلة الأولى للفيلم، نتعرف على نمط الحياة الذى تعيشه عائلة (كيم كى تاك) الفقيرة، وهى تراقب الحياة من داخل قبو تكاد تلامس نافذته الوحيدة سطح الأرض، لذا يتخذ منها الأشخاص السكارى مكانا للتبول. فالابن يسعى جاهدًا لسرقة إشارة «واى فاي» من أجل تفقد رسائل مطعم البيتزا الذين يقتاتون من طى العلب لصالحه، أما الأب فيرفض إغلاق النافذة أمام ماكينات التبخير من أجل الحصول على إبادة مجانية للحشرات التى تملأ القبو. هذا النمط المعتاد للأسرة يؤكد أننا أمام طفيليات بشرية اعتادت العيش في الحضيض دون امتعاض، هدفها الوحيد هو البحث عن حاجياتها بأى ثمن كان.
ذكاء سيناريو «بونج» لا تتشكل خطوطه سوى في اللحظة التى تنخرط فيها هذه الأسرة المعدمة مع عائلة السيد (بارك) فاحشة الثراء، والتى تتخذ من أحد التلال موقعًا لمنزلها الفاره. فبمساعدة أحد الأصدقاء يتمكن ابن العائلة الفقيرة من العمل كمعلم لابنة هذا الثري، وما إن تسلل الطفيلى الأول للمنزل ينجح في استقطاب باقى أفراد الأسرة للعمل هناك، دون أن يدرك أصحابه أنهم أمام أسرة واحدة. ماذا سيحدث بعد أن اجتمع الطفيل والمضيف تحت سقف واحد؟ وما الذى سيئول إليه الصراع نتيجة التفاوت الطبقى بينهما؟
قد يكون المجتمع في طريقه إلى الهلاك، لكن «بونج» على الأقل يعرف كيف يروى لنا قصة شيقة في طريقنا نحو الأسفل. ففى الوقت الذى تترك فيه العائلة الثرية المنزل من أجل رحلة التخييم، يجد (كيم) وأسرته الفرصة سانحة لقضاء بعض الوقت الممتع، فنرى الابن مستلقيا تحت ضوء الشمس في حديقة المنزل غير عابئ بحرارة الجو، وهو أمر منطقى تمامًا لمن يسكن قبوًا رطبًا. وحين يحل المساء يجتمع أفراد الأسرة في بهو المنزل، الذى أصبح في حالة يرثى لها، ويدور بينهم حديث شيق حول سذاجة الأغنياء ولطفهم، لكن تتلاشى شاعرية هذه الجلسة حينما تسأل الأم عما سيفعله الأب إذا ما حضر أصحاب المنزل بشكل مفاجئ، وتجيب: «بالطبع سيختبئ مثل الصرصار.. فعندما تضاء الأنوار.. تتبعثر الصراصير في كل مكان»، ليجن جنون (كيم) الذى سأم الحديث حول هذا الموضوع. فعلى الرغم من نجاح هذه الأسرة المعدمة في الفرار من معيشة القبو، إلا أن لحياته ضريبة يستحيل التهرب منها وهى «الرائحة»، رائحة الفقر التى تمتعض منها الأسرة الثرية، وأكد عليها «بونج» في أكثر من مشهد ليذكر رب الأسرة الفقيرة (كيم) بحقيقة مكانته الاجتماعية.
شخصيات «بونج»، في هذا الفيلم، ماكرة ومحيرة، لأنك لا تنفك أن تعرف من منهم يتلاعب بالآخر. فعائلة (كيم) لم يكن لديها خيار آخر للحصول على هذا العمل لمواجهة الركود الاقتصادي، لكن تطلعاتهم وأحلامهم ألحقت الضرر بأناس آخرين؛ أما عائلة (بارك) فلا يمكن أن نصورهم على أنهم أشخاص سيئون بشكل صريح، فهم أناس لطفاء وساذجون. فمن منهم الطفيلى هنا؟ وهل العائلة الفقيرة هى التى تستغل الأسرة الثرية أم العكس؟
إلى جانب الصراع الطبقي، تناول النص أيضًا فكرة عبثية الحياة وعدم منطقيتها في كثير من الأحيان. فالهوة الموجودة بين طبقات المجتمع تكشف لنا كيف تتغير الشخصيات بتغير أوضاعها، وأن الخوف من الشح يدفعنا للطمع دون الاكتراث لحياة الآخرين. فالجميع هنا يمارس سلطته بقسوة على من هو أدنى منه للحفاظ على مكانته الاجتماعية والمادية، ظنا منهم أن كل ذلك يسير وفق خطة محكمة غير قابلة للفشل، وهذه الفكرة تعرض لها «بونج» في واحد من أفلامه السابقة وهو «Snowpiercer» الذى حاول من خلاله القول إن الطبقية هى مجرد تحصيل حاصل، وعليك أن تدع الحياة تسلك مسلكها الطبيعي. هذه الرسالة تكررت مجددًا في فيلمه الأخير، فعائلتا (كيم) و(بارك) كانا لديهما مخطط للعيش بطريقة آمنة، لكن هل سارت هذه المخططات كما يجب؟ وهل تعاملت معها الحياة بإنصاف؟
على الجانب البصري، عزز مدير التصوير هونج كيونج بيو، رسائل الفيلم في التعبير عن التفاوت الطبقى الساحق بين العائلتين، فقدم لنا التباين ما بين المناطق العشوائية المتكدسة والأخرى الرحبة التى تتخذ من التلال بيوتا. كما استخدم كادرات ضيقة داخل منزل العائلة الفقيرة، وأخرى واسعة للتعبير عن صفاء السماء وشاسعة المساحات الخضراء المحيطة بمنزل العائلة الثرية. وتجلت الفجوة الهائلة بين الطبقتين في مشهد هروب عائلة (كيم) بعد عودة عائلة (بارك) المفاجئة، في مجموعة من اللقطات تهبط فيها العائلة الفقيرة نحو مستوطناتها العشوائية، مستخدمين عددا لا نهائى من السلالم والأنفاق، وكأن المسافة بين المنزلين رحلة هبوط من السماء للأرض.
نهاية الفيلم المأساوية صرفت انتباه العائلتين عن العدو الحقيقى لهما، وهى الرأسمالية المتوحشة التى تقتلنا بقلب بارد. نظام لديه القدرة على خلق وتغذية الانقسامات الطبقية لقيامه بالأساس على الاستغلال. فمهما بلغت خططك ذكاءً ومكرًا سيبقى الفقير فقيرًا والغنى غنيًا. لهذا السبب، لا يجب على الناس أن يُخططوا.