الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

محمود المليجي.. المتشبث بجذور الأرض

محمود المليجي
محمود المليجي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلال مشواره الفني لأكـثر من نصف قـرن، قدَّم 750 عملًا فنيًا ما بين سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة، وكما يموت المحارب في ميدان المعركة، مات وهو يستعد لتصوير آخر لقطات دوره في الفيـلم التليفزيوني "أيـوب"، أثناء تناوله القهوة مع صديقه "عمر الشريف".
أطلق عليه الفنانون العرب لقب "أنتوني كوين الشرق"، وذلك أن شاهدوه يؤدي نفس الدور الذي أداه أنتوني كوين في النسخة الأجنبية من فيلم القادسية بنفس الإتقان بل وأفضل، وأيضًا أداؤه في فيلم الأرض كان من أعظم أدواره على الإطلاق فلا يمكن لأحد منا أن ينسى ذلك المشهد الختامي العظيم، ونحن نشاهد "محمد أبو سويلم" وهو مكبـَّل بالحـبال والخـيل تجـرُّه على الأرض محـاولًا هـو التـشـبث بجذورها.
إنه الفنان محمود المليجي، الذي نحتفل بذكرى رحيله، إذ رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 6 يونيو عام 1983.
لم تكن روعة المليجي في فيلم الأرض تكمن في الأداء فقـط، بل في أنه كـان يؤدي دورًا معبرًا عن حقيقته، خصـوصًا عندما رفض تنفـيذ هذا المـشـهد باسـتخدام بديل "دوبلير"، وأصَّـر على تنفـيذه بنفسه.
المليجي لم يكن مجرد ممثل، بل كـان فنانًا عـاش ليقدم لنا دروسًا في الحياة من خلال فنه العظيم وكانت معظم أدواره، حتى أدوار الشر، تهدف إلى مزيد من الحب والخير والإخـلاص للناس والـوطن كـان مدرسـة فنـية في حـد ذاته وكان بحق أستاذًا في فن التمثيل العـفوي الطبـيعي، البعـيد كل البـعد عن أي انفـعال أو تشـنج أو عصبـية وكـان يقـنع المتــفرج انـه لا يمـثل، ومـن ثـم اكتـسـب حـب الجماهير وثقتهم.
ولــد "محمود المليـجي" في 22 من ديسمبر عـام 1910، في حيّ المغربلين، أحد أقدم أحياء القاهرة الشعبية وأشهرها ونـشأ في بيـئة شعبـية حتى بعـد أن انـتقل مـع عائلـته الـى حـيّ الحلـمية، وبعـد أن حصل على الشـهادة الابـتدائـية اخــتار المدرسة الخديوية ليكمل فيها تعليمه الثانوي. وكان حبه لفن التمثيل وراء هذا الاختيار حيث أن الخديوية مدرسـة كـانت تشـجع التمـثيل، فمـدير المدرسة "لبيب الكرواني" كان يشجع الهوايات وفي مقدمتها التمثيل، فالتحق المليجي بفريق التمثيل بالمدرسة، حيث أتيحت له الفرصة للتتلمذ على أيدي كبار الفنانين، أمثال: أحمـد عـلام، جـورج أبيض، فتوح نشاطي، عزيز عيد، والذين استعان بهم مدير المدرسة ليدربوا الفريق.
وفي إحـدى عـروض فرقـة المـدرسـة المـسرحية، كـان من بين الحاضرين الفنانة "فاطمة رشدي"، والتي أرسلت تهنيء المليجي ـ بعد انتهاء العرض ـ على أدائه الجيد لدور "ميكلوبين" في مسرحية "الذهب"، ودعته لزيارتها في مسرحها حيث عرضت عليه العـمل في فرقتها بمرتب قدره أربعة جنيهات شهريًا. 
قدم مع "فاطمة رشدي" مسرحية "667 زيتون" الكوميدية ومثل دور "زياد" في مسرحية "مجنون ليلى" وكان أول ظهور له في السينما في فيلم "الزواج ـ 1932" الذي أنتجته وأخرجته فاطمة رشدي، وقام هو بدور الفتى الأول أمامها. وبعـــد أن حُلَّت فرقة فاطمة رشدي، عمل المليجي كملقن في فرقة يوسف وهبي المسرحية، ثم اختاره المخرج "إبراهيم لاما" لأداء دور " ورد" غريم "قيس" في فيلم سيـنمائي من إخـراجـه في عام 1939.. كما أنه وقف، في عام 1936، أمام "أم كلثوم" في فيلمها الأول "وداد".. إلا أن دوره في فيلم "قيس وليلى" هو بداية أدوار الشر له، والتي استمرت في السينما قـرابة الثـلاثين عامًا.. حـيث قـدم مـع "فـريـد شـوقـي" ثنائيًا فنيًا ناجحًا، كانت حصيلته أربعمائة فيلمًا.
نقطة التحول في حياة "مـحـمـود المـليجي" كانت عـام 1970، وذلك عندما اختاره المخرج "يوسف شاهين" للقيام بدور "محمد أبو سويلم" في فيلم "الأرض"، فقد عمل فيما بعد في جميع أفلام يوسف شاهين، وهي: الاختيار، العصفور، عودة الابن الضال، إسكندرية ليه، حدوته مصرية.
وتحدث يوسف شاهين عن المليجي، فقال: "كان أبرع من يـؤدي دوره بتلقائية لـم أجـدها لدى أي ممثل آخر، كمـا أنني شـخصـيًا أخـاف من نظـرات عينيه أمام الكاميرا".
وترك المليجي بصماته في المسرح أيضًا منذ أن اشتغل مع "فاطمة رشدي"، حيث التحق فيما بعد بفرقة "إسماعيل ياسين"، وبعدها عمل مع فرقة "تحيَّـة كـاريـوكـا"، ثـم فـرقـة المـسرح الجـديـد.. وبـذلـك قـدم أكـثر من عـشرين مـسرحية، أهـمـها أدواره في مسرحيات: يوليوس قيصر، حـدث ذات يوم، الـولادة، ودور "أبو الـذهب" في مـسرحية أحمد شوقي "علي بك الكبير".
ثم لا ننسى أن نشير إلى أن محمود المليجي قد دخل مجال الإنتاج الـسـينمائي مساهـمة منه في رفـع مـستوى الانتـاج الفني، ومحـاربة مـوجة الافـلام الـساذجة، فـقدم مجموعة من الأفلام، منها على سبيل المثال: الملاك الأبيض، الأم القاتلة، سوق الـسلاح، المقامر.. وبذلك قدم الكثير من الوجوه الجديدة للسينما، فهو أول من قدم فريد شـوقي، تحية كاريوكا، محسن سرحان، حسن يوسف، وغيرهم. لقد مثل محمود المليجي مختلف الأدوار، وتقمص أكثر من شخصية: الـلص، المجرم، القوي، العاشق، رجل المباحـث، البوليس، الباشـا، الكهـل، الفـلاح، الطبيب، المحامي.. كما أدى أيضًا أدوارًا كوميدية.
كـان عضوًا بـارزًا في الـرابطة القـومية للتمثـيل، ثـم عضوًا بالفرقة القومية للتمثيل. لقد كان محمود المليجي فنانًا صادقًا مع نفسه.
تزوج من رفيقة عمره الفنانة "عُلوية جميل" سنة 1939 وبقى مخلصًا لها على مدى أربعة وأربعـين عامـًا حتى وفــاته.
كـان إنسانًا مع زملائه الفنانين، وأبًا روحيًا لهم، ورمزًا للعـطاء والبـذل والصمود أمام كـل تيـارات الفن الرخيص بالرغم من أنه اضطر للعمل في أعمال تجارية في السبعينات مثل ألو انا القطة- إلا أنه يعد رمزًا لفنان احترم نفسه فاحترمه جمهوره.
شارك المليجي في فيلمين من أهم الأفلام وهما صلاح الدين الأيوبي عام 1941، والآخر "الناصر صلاح الدين" في عام 1963، وكشف عن رأيه في الفيلمين بأحد اللقاءات قائلا: "لا يوجد وجه مقارنة بين فيلمي صلاح الدين الأيوبي، والناصر صلاح الدين، فالأول كانت الإمكانيات محدودة، والفيلم وقتها كان كلاميا وليس بصريا أما الثاني كانت توجد معارك وديكورات، وهذا الفيلم يعتبر من الأفلام الكبيرة في السينما" كما رفض في عام 1954 تجسيد دور في الفيلم الأجنبي "وادي الملوك، لأنه سيجسد فيه دور مصري يهرب آثار بلده، ما يسيئ للمصريين.
من مسلسلاته
ليالي الحصاد إخراج علوية زكي، العنكبوت للدكتور مصطفى محمود ورداء لرجل أخر، اليتيم والحب، صيام صيام وعلى أبواب المدينة وعمرو بن العاص والذي تم إنتاجه قبل وفاته بفترة قصيرة حتى أن الحلقات الأخيرة من المسلسل بعد ما تمت عملية المونتاج لها أضيف إلى اسمه عبارة "الراحل الكبير" وقال البحر وأحلام الفتى الطائر مع عادل إمام كضيف شرف وبرج الحظ مع محمد عوض والايام مع الفنان الراحل أحمد زكي والقط الأسود ومارد الجبل مع الفنان الراحل نور الشريف ومسلسل حصاد العمر آخر أعماله.