عرف أبو محمد عبدالله بن العربي الطائي طريق المتصوفة على يد صبي صغير، وقتها كان قد جاوز الثمانين، فالتزم بالمجاهدة والسواحل حتى برع فيه، وتعود قراءة القرآن، حتى كان له في كل يوم ختمة لازمة، يهب نصفها للصبي الذي انتفع بمعارفه في التصوف، قضى في الطريق ثلاثة أعوام قبل أن يرحل، فكانت له أمور عجيبة يسجلها ابن أخيه الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربي فى مؤلفاته.
يقضى طول الليل فى الدعاء والمناجاة والصلاة، حتى إذا طلع الفجر، يقول لمن حوله طلع الفجر، فيتعجب جلساؤه، ويسألونه: «من أين لك معرفة ذلك؟ فيقول: إن الله يوجه ريحًا من تحت العرش تهب من الجنة فتخرج بريحها عند طلوع الفجر يشمها كل مؤمن في كل يوم».
ابتلى الله الشيخ عبدالله ببلاءين، الأول: أصابته «الأُدرة» وهو تجمع سوائل تحت الجلد، وقيل انتفاخ الخصية، فكان لا يشتكي منها وظلت تزيد حتى كانت في حجم الصخور، لكنه لما مات اختفت تمامًا كأن لم يكن به شيء، واعتقد محبوه أنها ربما كانت ريحًا، لكنه مات مستورا ما به شيء.
أما الثاني: أن الله رزقه بولد شقي، أقرح قلبه، وأتعبه وأرهق الناس من حوله، فغضب عليه، وتمنى أن يسبقه فى الموت، فمات ابنه بالفعل أولا، ودفنه الشيخ، قائلا: الحمد لله أعيش بعده أربعة وأربعين يومًا، فعاش ومات كما قال.
سهر عنده المريدون ليلة رحيله، تبادلوا الكلام كثيرا، حتى قال لهم الشيخ: استريحوا وارقدوا.. فقاموا فأخذوا مضاجعهم، حتى قام إليه ابن أخيه ابن عربى وقت السحر يتفقده فوجده قد فاضت روحه لخالقها.
ورد ذكره فى الفتوحات المكية للشيخ الأكبر ابن عربي، وورد أيضا فى رسالته «الروح القدس» التى وضعها فى مداواة النفوس، وكتبها أثناء إقامته فى مكة المكرمة، نحو عام ٦٠٠ هـ، وأرسلها لصديقه التونسى محمد بن عبدالعزيز المهدوي، يؤدي فيها واجب النصيحة، ويذكر فيها رجال الطريق من المتصوفة المجهولين.