الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الولايات المتحدة في الشرق الأوسط "صراع المصالح".. جدل واسع داخل الإدارة الأمريكية حول إمكانية تقليل التواجد بالمنطقة.. ومطالب بنقل نفوذها إلى آسيا لمواجهة روسيا والصين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دبت مؤخرا حالة من الجدل بين فريقين حول الانخراط الأمريكى فى الشرق الأوسط، فيرى الفريق الأول المتمثل فى مارا كارلين وتمارا ويتس، ضرورة الانسحاب من الشرق الأوسط وتطهيره من التدخل الأمريكي، بينما فى المقابل يدافع الفريق الثانى المتمثل فى روبرت ساتلوف، وإيان لوستيك عن وجوب التدخل الأمريكى فى بعض القضايا التى تخص مصالح الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة. وفى هذا السياق، يناقش الفريقان تلك الحجة من خلال ثلاث أفكار أساسية تتمثل فى؛ مصالح الولايات المتحدة الأمريكية من وجودها فى الشرق الأوسط، ومواجهة الولايات المتحدة الأمريكية لتحديات الأمن فى المنطقة، وأخيرا تأثير علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بإسرائيل وإيران على وجودها فى الشرق الأوسط.
أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للمصالح الأمريكية
يجادل مارا كارلين وتامارا ويتس بأن الشرق الأوسط يهم الولايات المتحدة الأمريكية أقل مما كان عليه قبل ٢٠ عامًا، لذا ينبغى أن تحصل هذه المنطقة على اهتمام وموارد أقل. وخلصوا إلى أن التدخل الأمريكى المكثف فى الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين، كان خطأ فادحًا يجب تصحيحه.
ونظرًا لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعد حاليًا من أكبر منتجى النفط فى العالم، فقد انخفض أمن الطاقة كمحرك للسياسة الأمريكية تجاه دول الشرق الأوسط. لكن لا يزال لواشنطن مصلحة فى وجود سوق نفط عالمى مستقر، بالنظر إلى اعتماد حلفائها على الطاقة الخليجية وأمن الدول المنتجة.
وفى المقابل يدعى ساتلوف ولوستيك تقلص وجود القوات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط كدلالة على انسحابها بالفعل من المنطقة. فيوجد اليوم ٣٥٠٠٠ جندى أمريكى فقط فى المنطقة بأسرها، وهو جزء صغير من حوالى ٥٠٠٠٠٠ جندى أرسلهم الرئيس الأمريكى «جورج بوش» الأب إلى الخليج فى عام ١٩٩١ أو ما يقرب من ٢٨٥٠٠٠ جندى أرسلهم الرئيس الأمريكى «جورج دبليو بوش» إلى الشرق الأوسط فى عام ٢٠٠٣.
ويعتبر كارلين وويتس أن الشرق الأوسط لا يقل أهمية بالنسبة للأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية عن الصين وروسيا، المنافسين من القوى العظمى الذين تتصادم رؤيتهم للنظام الدولى بشكل مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، والذين تمثل جيوشهم تحديًا خطيرًا للقوة الأمريكية. فإذا لم تتمكن واشنطن من التنافس بشكل فعال مع الصين وروسيا للدفاع عن الأمن والنظام الإقليميين فى آسيا وأوروبا، فإن قدرتها على مواجهة نفوذها فى الشرق الأوسط لن يعوض هذا الفشل.
لكن يرى ساتلوف ولوستيك أن الحجة السابقة بأن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تحول بعض الموارد التى تنفقها حاليًا فى الشرق الأوسط باتجاه آسيا، تفشل فى تفسير حقيقة أن المنطقة كانت دائمًا مسرحًا كبيرًا لمنافسة القوى العظمى، وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن واشنطن يمكن أن تصر على أن الصين وروسيا تتنافسان معها فى آسيا وأوروبا فقط، لأنها بالتأكيد ستتجه للشرق الأوسط.
الولايات المتحدة الأمريكية وتحديات الأمن فى الشرق الأوسط
يقترح كارلين وويتس على واشنطن أن تعامل الشرق الأوسط بنفس الإهمال الذى أبدته تجاه أفريقيا خلال الحرب الباردة، فرغم أن هذه السياسة كانت لها عواقب وخيمة على الأفارقة ولكنها كانت مقبولة للمصالح الأمريكية، وهذا ما يجب أن تسعى إليه الإدارة الأمريكية من حماية مصالحها بصرف النظر عن المبادئ الأخلاقية الداعية لتدخلها لدعم استقرار المنطقة.
فتصدير انعدام الأمن وفقا لرؤية كارلين وويتس فى الشرق الأوسط يُشكل مصدر قلق حقيقى للولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، فإن إدارة هذا التهديد يتطلب التزامًا محدودًا؛ حيث أثبتت الحكومة الأمريكية قدرتها على حل النزاعات فى المنطقة بتكلفة أقل بكثير مما أنفقته فى محاربتها فى السنوات الأخيرة. وفى هذا السياق، يدل تصويت مجلس النواب الأخير لإجبار الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» لإنهاء تورط واشنطن فى حرب اليمن على أنه يمكن اتخاذ موقف أكثر تشددًا مع شركاء الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة، من خلال وضع حدود للدعم الأمريكي، ويمكن لهذا النهج أن يمثل رد فعل أقوى من خلال ردع السلوك المزعزع للاستقرار وتخفيف حدة النزاعات الإقليمية.
ورد على هذا ساتلوف ولوستيك بأن الشرق الأوسط كان مصدرًا دائمًا لتهديد المصالح الأمريكية الحيوية، لذا يمكن مواجهة انعدام الأمن هذا يطريقيتين: إما بعمل واشنطن مع شركاء محليين لتخفيف المشكلات قبل مغادرتهم الشرق الأوسط، باستخدام العديد من الأدوات عبر نهج معتدل مثل مزيج متوازن من المشاركة العسكرية والدبلوماسية النشطة. أو يمكن أن تحاول الولايات المتحدة الأمريكية عزل نفسها عن هذه المشاكل وهو ما يكون أمرًا مستحيلًا فى الوقت الراهن.
الشراكة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل وإيران
يدعم كارلين ويتيس وجهة النظر القائلة بأن ميل الولايات المتحدة إلى التغلب على الحلفاء من الشرق الأوسط خلق خطرًا واضحًا عليها، مما دفعها إلى التصرف بطرق عدائية واتخاذ قرارات غير عقلانية تخص تلك المنطقة، ما تسبب فى دخولها فى أزمات أضرت بمصالحها.
فعليه، وفقًا لكارلين وويتس، كل العلاقات الرئيسية للولايات المتحدة الأمريكية فى الشرق الأوسط تستحق الاهتمام الشديد، ومن هنا تبرز شراكة واشنطن مع إسرائيل باعتبارها أكثر نفعًا متبادلًا وأكثر جذورًا فى الدعم العام والسياسى من أى دولة أخرى لديها فى المنطقة. ويختلفان بشدة مع حجة لوستيك بأن إسرائيل هى أكثر شركاء الإدارة الأمريكية زعزعةً للاستقرار وأقلها فائدة.
حيث تُظهر استطلاعات الرأى الأمريكية أن ثلاثة أرباع الأميركيين من مختلف الأطياف السياسية ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها رصيدًا استراتيجيًا، وأن التعاون الدفاعى حقق فوائد مثل القفزات النوعية فى الدفاع الصاروخي، ولكن هذا لا يعنى وفقا لكارلين وويتس أن تصرفات إسرائيل لا تستحق التدقيق من واشنطن، مثلها مثل شركاء واشنطن الآخرين.
وإجمالا لما سبق، يرتكز كارلين وويتس فى حجتهما بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط على أنه يجب على واشنطن أن تفعل ما هو أفضل من خلال الاختيار بين التخلى عن مصالحها فى منطقة الشرق الأوسط والتزام لا حدود له، بإعادة ترتيب المنطقة بناء على الشركاء الذين تتوافق أهدافهم ووسائلهم مع أهدافها.
بينما تتضح رؤية ساتلوف ولوستيك بضروة الوجود الأمريكى بغرض التوفيق بين طموحات الولايات المتحدة الأمريكية فى الشرق الأوسط ومصالحها وقدراتها التى لا يمكن أن تحسب بالجملة، فيتطلب الأمر تقييمًا واضحًا لما يمكن أن تفعله الاضطرابات فى المنطقة، التى من الممكن أن تحد من قدرة واشنطن على تشكيل مسارها، بغض النظر عن مقدار ما تستثمره.