السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تحديات الثقافة والمعرفة في الدول النامية «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع دكتور زين عبدالهادى فى كتاب «المستقبل الشائك.. تحديات الثقافة والمعرفة فى الدول النامية» والصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بقوله: «إن واحدًا من أهم أسباب تأخر تراكم المعرفة أن إنتاجها غالبًا عشوائى وغير منظم، وتاريخ الإنسانية فى كم كبير منه هو البحث عن نظام محكم لإنتاج المعرفة، طالما لاحظ أن هذه المعرفة يمكن أن تقدم له الكثير، وإلا فما معنى وجود المدارس والجامعات ومراكز البحث والتطوير، إن الاستثمار الحقيقى للدول المتقدمة يتركز فى هذا الجانب، أن يكون رأسمالك الحقيقى والمستمر هو المعرفة ولا شيء غير المعرفة».
ما زال إنتاج المعرفة يعانى فى الدول النامية من أمرين فى غاية الخطورة، أن الإنتاج عشوائى بشكل (متعمد)، وأن الإنفاق عليها ضعيف للغاية ومتروك للشخصية الفردية الإنسانية وليس مجتمعًا بأكمله يستثمر فيها، هذا هو الفارق الحقيقى بين مجتمع منتج للمعرفة وبين ذلك الذى ينتج معرفة لا معنى لها، كحال الدراسات الأكاديمية فى الجامعات فى دول العالم الثالث، وإلا فما معنى نجاح أفراد فى مصر مثلًا فى إنتاج المعرفة على المستوى الشخصى كنجيب محفوظ، وطه حسين، وأحمد زويل الذى فر بعقله إلى الولايات المتحدة لينتج معرفة تستحق جائزة نوبل فى جامعة متقدمة، وغيرهم كثيرون، المشكلة لم تكن فى الإنسان وإنما فى النظام المسئول عن إنتاج المعرفة فى البيئة التى يمكنها أن تحتضن هذه العقول.
إن كل العقائد والديانات تدعو للعلم، وتدعو للمعرفة، أيًا كان نوع المعرفة الذى تدعو إليه، فالطرق التى اختارها البشر متعددة لإنتاج المعرفة، لكنها مع الوقت شكلت نظما منها: النظم المؤسسية، والجمعية، والفردية، ومنها مناهج إنتاج المعرفة، واعتمدت كلها على الملاحظة والقياس الأرسطى، والاستنتاج والتجربة. ومناهج أخرى متعددة تجمع بين ما هو كمى وبين ما هو نوعى، وعلى سبيل المثال فإن النظام المؤسسى اختراع إنسانى فريد، والمنهج أيضًا له نفس الفرادة، واعتمد كلاهما على المحاولة والخطأ والملاحظة نتيجة تكرار الأفعال، هناك من وقف ناظرًا تملأه البصيرة إلى مسألة التكرار، وهناك من توقف ولم يعر الأمر التفاتًا، هذه القدرة على الملاحظة والتعلم من الخطأ والتى تتضمنها المحاكاة وربما تكون سببًا لكل المعرفة التى نملكها الآن.
المثقف هو من يمتلك المعرفة التى تمكنه من المواجهة، ولكن من يواجه المثقف أم أنه يشبه من يواجهه فى وضعيته المتخلفة، وهو أمر يحتاج إعادة رؤية شاملة للمواقف، الثقافة هى أبنية المجتمع، أى مجتمع، والسلطة كذلك.
لا يمكن فصل الثقافة عن السلطة فى مواقفها من المجتمع والبيئة اللتين نشأتا بها، وهو ما يعنى أن المجتمع المتخلف تكون ثقافته متخلفة، وأن تعديل هذه الثقافة يلزم أولا تغيير مفاهيم هذه الثقافة السائدة، وهو يجرنا للسؤال التالى هل يمكن لثقافة متخلفة أن تغير مجتمعًا متخلفًا. يمكن القول بنعم نحن نمتلك ثقافة متخلفة عبر عشرات السنين من الممارسة، لأنها ثقافة بنيت على أفكار جد خاطئة تمامًا، هذا النموذج الذى نسوقه هنا ربما يكون أقرب للتدليل على تلك المقولة، ففى حالة الاتحاد السوفيتى إبان الحرب الباردة تم ذلك، وربما مفهوم الاشتراكية لم يستطع أن يقترب من تحقيق العدالة الاجتماعية المطلوبة، وربما لأن حجم المعلومات المزيفة التى كانت تشيعها السلطة السوفيتية هى التى أفسدت الثقافة كلها، على الرغم من التقدم المعرفى الذى تحقق، لكنها معرفة خدمت طرفًا واحدًا فقط فى الاتحاد السوفيتى، ولم تخدم بقية الشعب السوفيتى.
إن حرية المثقف تعنى قدرته على المواجهة لكل ما هو متخلف ويتحكم بالمجتمع بدء من الأفكار وانتهاء بكل ما هو ملموس، هذا المجتمع المتخلف أيضًا، وهى تعنى أيضًا قدرته على تغيير المجتمع. إن الثقافة الناشئة فى مجتمعات متخلفة تعنى أنها ثقافة مريضة لم تستوعب بعد النقلة الهائلة فى التاريخ الإنسانى التى حدثت فى نهاية القرن العشرين، إذ لم يستوعب المثقف بعد ثقافة العصر الصناعى، مع تقاطعات كثيرة مع التراث الدينى والقيمى والتقليدى المحمل به، هذا الاستيعاب يعنى هضم الحضارة والتقدم العالمى،وفى نفس الوقت المطلوب منه أن يقوم بمواجهته، والمثقف وما يواجهه تربويًا فى حضن بيئة واحدة هى بيئة التخلف، لذلك لم تستطع الثقافة فى دول العالم الثالث أن تغير شيئًا، إنها لا تقدم سوى أفراد ينجحون فى محاكاة الثقافة المقبلة من دول العالم المتقدم، وهى مختلطة فى ذات الوقت بثقافة البيئة التى يعيش فيها.
ماذا نعنى بالمثقف، هل نعنى النخبة التى تحتل مواقعها فى الصحف ومؤسسات الإعلام، هل نعنى المستقلين، هل نعنى الموظفين من أدباء وشعراء الذين يعملون فى مؤسسات الدولة،؟ هل نعنى الذين اختاروا البعد طواعية عن كل المؤسسات، هل نعنى مثقفى اليسار القديم الذين تآكلوا مع الوقت سواء لانهيار النظرية الاشتراكية أو فضلوا الصمت فى النهاية، هل هناك فى الحركة الدينية مثقفون بالمعنى المعروف، هل المناوئون للفكر الدينى هم المثقفون الذين نقصدهم، هل الحركة النسائية تمتلئ بالمثقفات اللائى يمكنهن المناورة؟ إذا دققنا النظر سنكشف تلك الأرضية العجيبة التى نقف عليها جميعًا. 
وللحديث بقية.

يتابع دكتور زين عبدالهادى فى كتاب «المستقبل الشائك.. تحديات الثقافة والمعرفة فى الدول النامية» والصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بقوله: «إن واحدًا من أهم أسباب تأخر تراكم المعرفة أن إنتاجها غالبًا عشوائى وغير منظم، وتاريخ الإنسانية فى كم كبير منه هو البحث عن نظام محكم لإنتاج المعرفة، طالما لاحظ أن هذه المعرفة يمكن أن تقدم له الكثير، وإلا فما معنى وجود المدارس والجامعات ومراكز البحث والتطوير، إن الاستثمار الحقيقى للدول المتقدمة يتركز فى هذا الجانب، أن يكون رأسمالك الحقيقى والمستمر هو المعرفة ولا شيء غير المعرفة».
ما زال إنتاج المعرفة يعانى فى الدول النامية من أمرين فى غاية الخطورة، أن الإنتاج عشوائى بشكل (متعمد)، وأن الإنفاق عليها ضعيف للغاية ومتروك للشخصية الفردية الإنسانية وليس مجتمعًا بأكمله يستثمر فيها، هذا هو الفارق الحقيقى بين مجتمع منتج للمعرفة وبين ذلك الذى ينتج معرفة لا معنى لها، كحال الدراسات الأكاديمية فى الجامعات فى دول العالم الثالث، وإلا فما معنى نجاح أفراد فى مصر مثلًا فى إنتاج المعرفة على المستوى الشخصى كنجيب محفوظ، وطه حسين، وأحمد زويل الذى فر بعقله إلى الولايات المتحدة لينتج معرفة تستحق جائزة نوبل فى جامعة متقدمة، وغيرهم كثيرون، المشكلة لم تكن فى الإنسان وإنما فى النظام المسئول عن إنتاج المعرفة فى البيئة التى يمكنها أن تحتضن هذه العقول.
إن كل العقائد والديانات تدعو للعلم، وتدعو للمعرفة، أيًا كان نوع المعرفة الذى تدعو إليه، فالطرق التى اختارها البشر متعددة لإنتاج المعرفة، لكنها مع الوقت شكلت نظما منها: النظم المؤسسية، والجمعية، والفردية، ومنها مناهج إنتاج المعرفة، واعتمدت كلها على الملاحظة والقياس الأرسطى، والاستنتاج والتجربة. ومناهج أخرى متعددة تجمع بين ما هو كمى وبين ما هو نوعى، وعلى سبيل المثال فإن النظام المؤسسى اختراع إنسانى فريد، والمنهج أيضًا له نفس الفرادة، واعتمد كلاهما على المحاولة والخطأ والملاحظة نتيجة تكرار الأفعال، هناك من وقف ناظرًا تملأه البصيرة إلى مسألة التكرار، وهناك من توقف ولم يعر الأمر التفاتًا، هذه القدرة على الملاحظة والتعلم من الخطأ والتى تتضمنها المحاكاة وربما تكون سببًا لكل المعرفة التى نملكها الآن.
المثقف هو من يمتلك المعرفة التى تمكنه من المواجهة، ولكن من يواجه المثقف أم أنه يشبه من يواجهه فى وضعيته المتخلفة، وهو أمر يحتاج إعادة رؤية شاملة للمواقف، الثقافة هى أبنية المجتمع، أى مجتمع، والسلطة كذلك.
لا يمكن فصل الثقافة عن السلطة فى مواقفها من المجتمع والبيئة اللتين نشأتا بها، وهو ما يعنى أن المجتمع المتخلف تكون ثقافته متخلفة، وأن تعديل هذه الثقافة يلزم أولا تغيير مفاهيم هذه الثقافة السائدة، وهو يجرنا للسؤال التالى هل يمكن لثقافة متخلفة أن تغير مجتمعًا متخلفًا. يمكن القول بنعم نحن نمتلك ثقافة متخلفة عبر عشرات السنين من الممارسة، لأنها ثقافة بنيت على أفكار جد خاطئة تمامًا، هذا النموذج الذى نسوقه هنا ربما يكون أقرب للتدليل على تلك المقولة، ففى حالة الاتحاد السوفيتى إبان الحرب الباردة تم ذلك، وربما مفهوم الاشتراكية لم يستطع أن يقترب من تحقيق العدالة الاجتماعية المطلوبة، وربما لأن حجم المعلومات المزيفة التى كانت تشيعها السلطة السوفيتية هى التى أفسدت الثقافة كلها، على الرغم من التقدم المعرفى الذى تحقق، لكنها معرفة خدمت طرفًا واحدًا فقط فى الاتحاد السوفيتى، ولم تخدم بقية الشعب السوفيتى.
إن حرية المثقف تعنى قدرته على المواجهة لكل ما هو متخلف ويتحكم بالمجتمع بدء من الأفكار وانتهاء بكل ما هو ملموس، هذا المجتمع المتخلف أيضًا، وهى تعنى أيضًا قدرته على تغيير المجتمع. إن الثقافة الناشئة فى مجتمعات متخلفة تعنى أنها ثقافة مريضة لم تستوعب بعد النقلة الهائلة فى التاريخ الإنسانى التى حدثت فى نهاية القرن العشرين، إذ لم يستوعب المثقف بعد ثقافة العصر الصناعى، مع تقاطعات كثيرة مع التراث الدينى والقيمى والتقليدى المحمل به، هذا الاستيعاب يعنى هضم الحضارة والتقدم العالمى،وفى نفس الوقت المطلوب منه أن يقوم بمواجهته، والمثقف وما يواجهه تربويًا فى حضن بيئة واحدة هى بيئة التخلف، لذلك لم تستطع الثقافة فى دول العالم الثالث أن تغير شيئًا، إنها لا تقدم سوى أفراد ينجحون فى محاكاة الثقافة المقبلة من دول العالم المتقدم، وهى مختلطة فى ذات الوقت بثقافة البيئة التى يعيش فيها.
ماذا نعنى بالمثقف، هل نعنى النخبة التى تحتل مواقعها فى الصحف ومؤسسات الإعلام، هل نعنى المستقلين، هل نعنى الموظفين من أدباء وشعراء الذين يعملون فى مؤسسات الدولة،؟ هل نعنى الذين اختاروا البعد طواعية عن كل المؤسسات، هل نعنى مثقفى اليسار القديم الذين تآكلوا مع الوقت سواء لانهيار النظرية الاشتراكية أو فضلوا الصمت فى النهاية، هل هناك فى الحركة الدينية مثقفون بالمعنى المعروف، هل المناوئون للفكر الدينى هم المثقفون الذين نقصدهم، هل الحركة النسائية تمتلئ بالمثقفات اللائى يمكنهن المناورة؟ إذا دققنا النظر سنكشف تلك الأرضية العجيبة التى نقف عليها جميعًا.
وللحديث بقية.